الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلبة علم من البواحيث:
يجمع الناس لفظ الباحوث على بواحيث، والمراد بهم أكثر من واحد من هذه الأسرة.
ففي البواحيث طلبة علم من المتقدمين في وقت لم تكن فيه وظائف كثيرة للعلماء وطلبة العلم.
ذكر الشيخ صالح بن سليمان العمري بعضهم في تلاميذ المشايخ آل سليم منهم الشيخ إبراهيم بن عبد الله الباحوث من تلاميذ الشيخ القاضي محمد بن عبد الله بن سليم، وقال: جلس للتدريس في مسجده في العكيرشة.
وذكر منهم أيضًا: الشيخ عبد الله الحمد الباحوث، وقال: هو إمام ومدرس بأحد المساجد في بريدة (1).
ثم أفرد الشيخ صالح العمري ترجمة للشيخ عبد الله الباحوث، فقال:
الشيخ عبد الله بن إبراهيم الباحوث: ولد في مدينة بريدة، وأخذ عن الشيخين محمد بن عبد الله بن سليم ومحمد بن عمر بن سليم وعن الشيخ عبد الله بن فداء حتى عد من العلماء، وجلس للتدريس في أحد مساجد العكيرشة المجاورة لمدينة بريدة، والتي دخلت معها، وقد التف عليه عدد غير قليل من طلبة العلم، ولم نعرف تاريخ ولادته ولا تاريخ وفاته - فرحمه الله -، كما أن الطلبة الذين أخذوا عنه لم تدون أسماؤهم ولم نعرف عددهم وأسماءهم (2).
ومنهم زميلنا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة: عبد الله بن حمود الباحوث.
(1) علماء آل سليم، ص 48.
(2)
علماء آل سليم، ص 325.
كنت (الأمين العام للجامعة) دهرًا، وكان عبد الله الباحوث رئيس المحاسبة فيها وعندما أردت السفر إلى عدة أقطار إفريقية في السفرة الثانية في عام 1386 هـ، وكان الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله قد أمر وزارة المالية بإعطائي مبلغا من المال لتوزيعه على الجمعيات الإسلامية والقائمين بالعمل الإسلامي في الأقطار الإفريقية التي نزورها، ومع ما أعرفه عن نفسي من بغض للحساب وقيد المال فقد رأيت أن أخذ معي الأستاذ عبد الله بن حمود الباحوث لأنه رئيس المحاسبة في الجامعة الإسلامية، وهو رجل شهم، وصنعته ضبط المال.
وهكذا كان، فقد غادرنا المدينة المنورة إلى جدة ومن ثم إلى عدن ثم مقديشو في الصومال ثم نيروبي عاصمة كينيا.
فكان عبد الله الباحوث نعم الرفيق، وكان إلى حسن صحبته صاحب غيرة على صديقه، وإخلاص في عمله.
أذكر أننا وقد جعلنا نيروبي بمثابة المركز لرحلاتنا في شرق القارة ووسطها أنني أردت بل صممت على السفر إلى كنشاسا عاصمة الكنغو، ولم يكن الأمن فيها على ما يرام، بل كانت فيها أضطرابات، وكنا نحمل أموالًا طائلة منها ربع مليون ريال من المال الذي ذكرت أنه لتوزيعه على الجمعيات الإسلامية، ومائة ألف ريال من أجل المصاريف لافتتاح مركزين إسلاميين، أحدهما في شرق إفريقية والثاني في غربها.
وكان من عادة عبد الله الباحوث أن يسأل عن المدينة التي سنذهب إليها بعض العرب الذين كنا نجتمع بهم في نيروبي، وهم من رجال المال والأعمال العارفين بهذه الأمور، فسأل عن الحال في كنشاسا عاصمة الكنغو، وعن الحال في الكنغو عامة، فأخبروه عن ذلك بما لا يسره، وكان مما قاله له بعض العرب وكنا ننزل في فندق في منطقة (ريفر رود) في نيروبي أصحابه من
الحضارم، ونأكل في مطعم بل مطاعم للعرب فكان من قولهم له: إن الكنغو بلاد معادن من أهمها: الماس، وإن حكومة الكنغو تشدد التفتيش على المغادرين والقادمين حتى إنها قد تجرد المسافر من ثيابه وتبحث عما في باطن فخذيه، الأن بعض الناس يخبئون الماس في أدبارهم.
لذا قال لي: لا أرى أن المصلحة تدعو للذهاب للكنغو ومعنا هذه الأموال الكثيرة من الجنيهات الاسترلينية والسراق واللصوص فيها كثير، وإذا شكا المسروق منه إلى الشرطة كانت الشرطة شركاء للصوص.
فقلت له: لقد كنت حاولت في الرحلة الأولى إلى إفريقية عام 1384 هـ أن أزور الكنغو فلم أستطع، وأنا أعرف أن فيها مسلمين محتاجين للمساعدة، ورمضان على الأبواب.
فلما رأى تصميمي على السفر إلى الكنغو وافق رغم عدم رغبته في ذلك، ولو كان رفض لما سافرت إلى هناك وحدي ومعي مبالغ مالية والبلاد مخوفة؟
وهَلَّ علينا هلال شهر رمضان عام 1386 هـ ونحن في سالسبوري عاصمة روديسيا الجنوبية التي صار اسمها الآن (زمبابوي) فصمنا مع أهلها يومين أو ثلاثة ثم سافرنا إلى جوهانسبيرغ في جمهورية جنوب أفريقية ومنها ركبنا طائرة تابعة لشركة سابينا البلجيكية متوجهة إلى كنشاسا عاصمة الكنغو، وقد توزعنا المال الذي معنا فملأ كل واحد منا جيوب بدلته بشيكات سياحية بالجنيه الإسترليني من قيمة مائة جنيه وخمسين جنيهًا وبأنواع أخرى من النقد.
وقد فعلنا ذلك لأننا لا نأمن أن نضعها في حقيبة يدوية فتؤخذ منا عنوة.
كانت النقود كلها تحت عهدتي أنا، ولكن عبد الله الباحوث لصدقه وإخلاصه يتصرف لحفظها كما لو كانت في عهدته.
وعندما كنا في الطائرة صدف أن ركب بجانبي ضابط من البيض أهل
جنوب إفريقيا أخبرني أنه يدرب جيش الكنغو لقاء رواتب ضخمة، فأخبرته أننا لا نعرف أحدًا ونخشى على أنفسنا في الكنغو ولم أخبره بالمال، فقال: كونوا مطمئنين فأنا معكم ولن أدعهم يفتشونكم، ولا يأخذون منكم رشاوي.
ووجدنا امرأته عند سلم الطائرة فسلمت عليه وقبلته فقال: هؤلاء أصدقائي من السعودية، ودخلنا بصحبته لم يمسنا أحد بسوء، ولم تفتش حقائبنا لأنه يعرف الجميع.
وقد بقينا فترة في الكنغو على حالة من الخوف وصعوبة الحصول على طعام السحور في رمضان، وصرفنا للمسلمين فيها ما أردنا صرفه، وقد ذكرت بعض ذلك في كتاب "في إفريقية الخضراء".
ولكن المهم هو كيفية الخروج من الكنغو بسلام ومعنا بقية صالحة، بل كثيرة من النقود لم نعلن عن وجودها معنا عندما دخلنا إليها.
وخرجنا بأعجوبة إذ كان أحد زعماء المسلمين من أهل البلاد معنا حتى وصلنا الجمرك بعد الجوازات ثم ودعنا وعاد ظنًّا منه أن الأمر انتهى، ولكن ضابطًا من الجمرك نادانا وأدخلنا غرفة منفردة في المطار وفتح الحقائب اليدوية ثم قال: أخرجوا ما في جيوبكم؟
فأسرع عبد الله الباحوث إلى حقيبته اليدوية وفيها: أشياء تافهة من النقود المحلية وقال للضابط: إذا كنتم لا تسمحون بخروج النقود خذوها، ولم يكن الخروج بالنقود ممنوعًا ولكنه أراد أن يأخذها الضابط في مقابل أن يتركنا نذهب دون أن يفتش جيوبنا المليئة بالمال.
وبالفعل سارع الضابط إلى أخذها وتركنا نذهب، وركبنا الطائرة ونحن لا نصدق بالسلامة من الكنغو، بحيث قال عبد الله الباحوث: تظن - يا أبوناصر - أن الطيارة ما ترجع بنا للكنغو؟
فقلت له: كيف يكون ذلك ونحن الآن نطير في اتجاه مدينة (بزمبورا) عاصمة بوروندي؟
قال: يمكن من أجل يقبضون علينا.
وضحكنا جميعًا.
وكانت تلك السفرة التي امتدت خمسة أشهر و (22) يومًا متواصلة مليئة بالمتاعب والمشاق، ولكنها لذيذة لأنها في سبيل الله ووفق رغبة لنا في تقديم النفع لإخواننا المسلمين الإفريقيين.
كانت تلك أول سفرة يسافر فيها الأستاذ عبد الله الباحوث إلى الخارج البعيد.
أما أنا فقد سافرت قبل ذلك إلى إفريقية وجربت الصعاب فيها.
وأذكر بهذه المناسبة أن الأستاذ عبد الله الباحوث قال لي وقد مضت أسبوعان على بدء السفر مداعبًا: كم بقي على انتهاء مهمتنا؟
قلت: خمسة أشهر، فوضع كفيه حول رأسه، وقال: اللهم صلِّ على محمد، أبي أقعد في إفريقيا خمسة أشهر؟
قلت له: لو كان سفرنا (قعود) وبس كان سهلًا ولكن تجول وعمل!
ومن الطرائف أننا وهو لا يعرف الإنكليزية ازدحم الشارع بنا في القسم الأوروبي من مدينة نيروبي، فمرت فتاة أنكليزية من أمامه واضطرت بسبب الزحام أن يضرب كتفها كتفه عن غير قصد فالتفتت إليه قائلة:(صوري)!
فقال لي: وش تقول؟
قلت: تقول: آسفة لكوني ضربتك عن غير قصد!
فقال مازحا: هذا لا يعتذر منه!
والأستاذ عبد الله بن حمود الباحوث من أفذاذ الرجال غيرة على وطنه وحرصًا على فعل الخير، إذّ لا أحصي المرات التي سعى فيها للمحتاجين سواء بالمال أو الجاه حتى حصل لهم على ما ينفعهم.
وبالجملة فهو من الرجال الذين لا ينسون.
توفي عبد الله بن حمود الباحوث في شهر ذي الحجة عام 1419 هـ ورثاه ابنه الدكتور خالد وهو طبيب في جريدة الرياض يوم الثلاثاء 4/ 1/ 1420 هـ قال:
عظم الخطب وجل المصاب:
فجع أقارب ومعارف وأصحاب وأحباب الشيخ عبد الله بن حمود الباحوث والذين لا يحصيهم إلا الذي خلقهم - برحيله إلى الدار الآخرة في فجر يوم الثلاثاء 20/ 12/ 1419 هـ.
لقد عظم الخطب وجل المصاب وتفطرت القلوب لوعة وحسرة وآسي، ووجمت النفوس هلعًا وجزعا، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، ولكن من عرف الله هانت عليه مصيبته وقدر الله وما شاء فعل، وما أصابنا لم يكن ليخطينا (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)، والرحيل إلى دار الآخرة هو طريق الجميع إن عاجلًا أو آجلًا، والموت لا يعرف صغيرًا ولا كبيرًا.
فالحمد لله وحده المتفرد بالبقاء والحمدلله الذي كتبه على خلقه وجعل الجنة عقبى المتقين {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} و {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)} ويقول تعالى {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)} .
نعم لقد صدمنا جميعًا - أقارب وأحباب - وعم الحزن بيننا بهذا الحدث الأليم غير أن إيماننا بالله قوي وعزاءنا ينطلق من مرتكزين.
أولًا: تمت الصلاة على المغفور له - إن شاء الله - في مسجد الرسول
المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث كانت إقامته منذ أكثر من خمس وثلاثين سنة - وتجاوز عدد المصلين عليه المليون مسلم، وجاوز عدد الذين مشوا في جنازته إلى البقيع الطاهر مئات الآلاف من المؤمنين الصادقين وهو ما يفرح القلب، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفعهم الله فيه) رواه مسلم، و"بيننا وبينهم الجنائز" كما ذكر أحد السلف.
ثانيا: اشتهر - رحمة الله عليه - بجمعه بين الدين والأدب والحكمة وبعد النظر وحسن الخلق والكرم ومحبته الناس وصلة الرحم، وكان متواضعًا محبوبا من جميع جلسائه ومعارفه وأقاربه، ولذلك فأثناء العزاء لم يجد الكثير الكثير من المعزين برحيله أماكن جلوس من الازدحام الشديد، ولم تهدأ التليفونات والفاكسات والبرقيات من عزاء الأصدقاء والمحبين، ولقد كان على رأس المعزين سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس هيئة كبار العلماء والمفتي العام للمملكة، وكثير من أصحاب السمو والوزراء والمسئولين والمشايخ وأهل العلم وآلاف المعارف والأصدقاء ومئات الأقارب.
والحمد لله فجميع المعزين ترحموا عليه ودعوا له دعوات صادقة بالرحمة وجنات الخلد، جنات النعيم جعلها الله في موازين حسناتهم وفي صحائف أعمالهم، فلقد كسب رحمه الله المحبة بالله من قبل الجميع خلال سنوات عمره من خلال تدينه وخلقه وحسن تعامله وحبه لصلة الرحم، فسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أثني عليه ودعا له بالرحمة والمغفرة وذكر الشيخ أبو بكر الجزائري بأنه عرفه خلال الخمس والثلاثين سنة الماضية ولم يسمعه قط يتفوه بكلمة نابية والجميع يشهدون بذلك.
اللهم ناوله كتابه باليمين واحشره في عليين، وفي مقام كريم مع الذين أنعمت عليهم - سبحانك - من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والأخيار
وحسن أولئك رفيقا. انتهى
ومن أسرة الباحوث: عبد العزيز بن محمد الباحوث الملقب الزمريق، قال في وقت رّقت فيه حاله، وأبي التجار أن يعطوه نقودا لأنه خسرت تجارته أكثر من مرة:
اشوف حَظّي بأسفل الجِنّ مطروح
…
لو هو على الدنيا لزوم يجيني
مْتَّحِّير ما أدري على وين أبي أروح
…
مْتَّحيِّر عن كل درب يبيني
حظي يضرِّب بي على الجال والصوح
…
ارميه قدامي وهو مقتفيني
إلى اقبل عليَّ الليل إلى تقل مجروح
…
الله يجيرك بس تسمع ونيني
اركض ولا لي بأكثر الركض مصلوح
…
مالي عن اللي ينكتب بالجبين
الرزق ضامنه الولي خالق الروح
…
متمعني بالكفر والمسلمين
والله ما قلته على المال مشفوح
…
ميقن ولا اتبع انا هوي المشركين
المال لو انه مع الكلب نَبّوُح
…
يقحص عَنُهْ يجلس مع الغانمين
قال الأستاذ عبد الكريم الطويان: