الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا إخوة القردة وعبدة الطاغوت، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته (1)؟ وهنا أدركت اليهود طبيعتهم (سفاهة واعتداء وغدرًا وتطاولًا إذا قدروا، واستكانة وتلطفًا ووداعة إذا عجزوا) فعندما رأوا الرسول القائد صلى الله عليه وسلم تحيطه هيئة أركان حربه وقد اتخذت كتائبة مواقعها حول الحصون، تأكد لديهم تصميم المسلمين على الإيقاع بهم ومحاسبتهم على ما ارتكبوا من فظيع الغدر وشنيع الخيانة، فأسقط في أيديهم فصاروا يتوددون إلى الرسول القائد.
فقد أنكروا، أن يكونوا شتموه ونساءه، وانطلقوا يحلفون (كذبًا) أنهم ما فاهوا بشيء مما بلغه بهذا الشأن، ثم اندفعوا (في ليونة الأفاعي) يسمعون رسول الله صلى الله عليه وسلم من لين القول وطيب الكلام وجميل الإطراء، ما ظنوا، أنه سيساهم في تخفيف عقوبة خيانتهم العظمى التي صممت قيادة المدينة على إنزالها بهم.
فقد قال هؤلاء اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم
…
يا أبا القاسم ما كنت جهولًا، وغير ذلك من الكلام المغلف بالطيبة والوادعة.
طبيعة اليهود التي لا تتغير
وهذه هي جبلة اليهود وخلتهم المتغلغة في نفوسهم أبد الدهر. لا يتورعون عن ارتكاب أية جريمة (مهما كانت بشاعتها) إذا ما قدروا.
ولا يخجلون من أن يقفوا موقف الحليم الواعظ الوديع البرئ، يذكرون بالحلم والصفح إذا ما أحاطت بهم خطيئتهم وأدركهم الوهن،
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 234.
وكان التذكير والوعظ في صالحهم. أما إذا لم يكن في ذلك فائدة لهم، فإنهم من يسخر بالمثل ويهزأ بالقيم.
فهاهم -وقبل أن يصل إليهم القائد الأعلى النبي صلى الله عليه وسلم بدقائق معلودات يشتمون ويسبون ويهددون ويتوعدون، ظانّين أنهم مانعتهم حصونهم ولكنهم -وبعد دقائق معدودات مما فاهوا به من فاحش القول- إذا بهم يرون القائد الأعلى النبي صلى الله عليه وسلم (الذي سلكوا كل درب من دروب الغدر والخيانة والنكث للقضاء عليه وعلى أمته) قد أحاطتهم كتائبه المظفرة من كل جانب، فلجأوا إلى المكر والخديعة، واندفعوا يذكرون القائد المنتصر عليهم بما يمتاز به من حلم وعلم في عبارات كلها مدح وإطراء وتودد طمعًا في التأثير عليه ليعفو عنهم.
ولكن هؤلاء اليهود الذين وقفوا (ساعتئذ) موقف الواعظ الوديع المستكين البرئ نسوا (أو قل تناسوا) أنهم قد ضربوا بكل القيم الإنسانية والمثل الأخلاقية عرض الحائط، وداسوا العهود والمواثيق بأرجلهم في خسة ونذالة عندما رأوا جيوش الأحزاب الجرارة تحيط بالقلة المسلمة إحاطة البحر الهائج بالجزيرة الصغيرة من كل جانب. فأعلنوا الترحيب بهذه الجيوش الغازية الباغية وأعلنوا الإنضمام إليها ضد المسلمين الذين تربطهم بهم رابطة حلف عسكرى متين، هي معاهدة الدفاع المشترك.
نعم تناسى هؤلاء اليهود أنهم -عندما جاءهم الوفد النبوي في تلك الساعات الحاسمة- يطلب منهم القيام بالتزاماتهم العسكرية مع المسلمين ضد الغزاة، كما تلزمهم بذلك نصوص معاهدة الدفاع المشترك بينهم وبين المسلمين- تناسبوا، أنهم لم يكتفوا (في تلك
اللحظات الحرجة) بمخالفة نصوص المعاهدة بتوقفهم عن مساندة حلفائهم المسلمين، بل أنكروا (في وقاحة وصفاقة) أن يكون بينهم وبين النبي أي حلف أو عهد.
نعم نسى هؤلاء اليهود الذين يطلبون الرحمة ويذكّرون بالحلم، أن جوابهم لرئيس الوفد النبوي الذي جاء إليهم يطلب تنفيذ المعاهدة، كان تجاهل وجود النبي صلى الله عليه وسلم ذاته حيث قالوا (وقد ظنوا أن المسلمين قد انتهى أمرهم)
…
ومن هو رسول الله؟ ؟ .
لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد.
نعم تناسى هؤلاء اليهود أنهم في الوقت الذي بلغت فيه قلوب المسلمين الحناجر من شدة الحصار، قد تفجرت في نفوسهم ينابيع الخسة والغدر، فاغتنموا اشتداد محنة المسلمين فسارعوا إلى إحكام حلقاتها، فانضموا إلى جيوش الغزاة، (بالرغم من العهد الذي بينهم وبين المسلمين) مستهدفين بعملهم الدنئ هذا استعجال إبادة المسلمين ومحو كيانهم من الوجود، ظنًّا منهم أن تلك الأيام العصيبة هي الأيام الأخيرة للكيان الإسلامي الذي كان هؤلاء اليهود يعتقدون أن جيوش الأحزاب العظيمة لن تعود إلى بلادهم إلا بعد تحطيم هذا الكيان.
والآن وقد دحر الله جيوش الأحزاب الغازية وتبددت الأحلام العريضة التي كانت تحملها قريظة، وجاءت كتائب القرآن لتصفى الحساب مع هؤلاء الخونة الغادرين الناكثين، عرفت ألسنتهم الطريق إلى الحديث عن القيم الإنسانية والمثل الأخلاقية، وأخذت الأفاعي السامة الغادرة تتظاهر بالبراءة والطيبة، وتبدى مظهرها الناعم اللين:"يا أبا القاسم ما كنت جهولا".