الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل أعتقد أن واحدًا من هؤلاء المعترضين لن يستطيع إلَّا أَن يقول: إن أقل عقوبة يمكن إنزالها بمن ارتكب مثل هذه الجرائم التي أشرنا إليها هي الموت.
لأن جميع قوانين الدنيا (بلا استثناء) تنص على أَن الموت ومصادرة الممتلكات هي العقوبة العادلة التي يجب أَن تنزل بمن ارتكب مثل تلك الجرائم التي ذكرنا.
بنو قريظة في نظر القانون الدولي
فإذا عرفنا هذا واتفقنا على أَنه ليس من الظلم ولا من الوحشية في شيء إصدار حكم الإِعدام وتنفيذه بحق المواطن الذي يتصل بالعدو في حالة الحرب القائمة وييسّر له (ولو ببعض المعلومات) مهمة احتلال وطنه أو الإضرار بدولته وأمته، فإن سؤالًا آخر أَهم من السؤال الأول لا بد للمعترضين على الحكم الصادر والنافذ بحق يهود بني قريظة من الإجابة عليه وهو:
ما هو (في عرف جميع القوانين) حكم الذي ينقل معلومات إلى العدو تنفعه وتُيسّر له الإضرار بالأُمة وتعرّض الوطن للخطر فحسب، بل ما حكم الذي يستغل حراجة ظروف وطنه ومواطنيه الذي هو جزء منهم ويقيم بينهم فيخون ويغدر، ويطعن وطنه وأمته من الخلف.
فيشهر السلاح في وجه دولته ومواطنيه، ويعلن إنضمامه إلي العدوّ الغازى في تلك الظروف الحربية الدقيقة المخيفة، قاصدًا من وراء غدره وخيانته إخضاع وطنه للغزاة وسحق الفئات الأخرى من
بني وطنه وإسقاط النظام القائم (بحد السلاح وبالتواطؤ مع العدو) الذي ارتضاه واعترف به وعاش في ظله آمنًا مطمئنًا لم يهضم له حق ولم يكن إلَّا محل الرعاية والوفاء؟ .
أَعتقد أَنَّ أَحدًا (وحتى من المستبشعين للحكم الصادر في حق بني قريظة) لن يكون جوابه (إذا كان يحترم عقله) على هذا السؤال إلَّا الاعتراف بأَن جميع قوانين وأَعراف الدنيا في الحاضر والماضي تنصّ (بالإجماع) على أن الموت والمصادرة هي عقوبة كل من يقدم على هذه الجرائم التي أَشرنا إليها.
وحيث أَن هذا أَمر متفق عليه (بلا جدال) عند جميع الأمم -قديمًا وحديثًا- فإنه من التحامل والتعسف والافتراءِ القول بأن الحكم الصادر في حق بني قريظة هو حكم غير عادل ومخالف لقواعد الإنسانية.
لأَن هؤلاءِ اليهود قد جمعوا في تصرفاتهم الخائنة الغادرة ضد المسلمين كل الجرائم التي عقوبة واحدة منها (فقط) الموت في جميع قوانين الدنيا في كل الأعصار والأزمنة.
فاليهود لم يكتفوا بالتجسس على مواطنيهم لحساب العدو في حالة الحرب، ولم يكتفوا بمد هذا العدو بالمساعدات المادية والأَدبية التي تيسّر له مهمة احتلال المدينة وطن المجميع المشترك (يوم ذاك) .. وهي أَعمال تُصنّف في باب الخيانة العظمى التي عقوبتها الموت في جميع قوانين العالم .. نعم لم يكتفوا بهذه الأَعمال فحسب، بل (بالإضافة إِلى كل ذلك) شهروا السلاح في وجه الجيش الإِسلامي المشغول بمواجهة الغزاة، وأَعلنوا قطع كل صلة تصلهم بحلفائهم
مواطنيهم المسلمين، وانضموا في تلك الساعات المزلزلة، إلى قوات العدو الغازية مستهدفين سحق المسلمين (بسرعة) سحقًا كاملا مستغلين الموقف الدقيق المتأَزم الذي بلغت فيه حالة المسلمين من الضيق والشدة حد الاختناق ضاربين بكل المثل والأعراف والقوانين والعهود والمواثيق عرض الحائط.
إن يهود بني قريظة (وقد ظهرت نواياهم الخبيثة وتكشفوا على تلك الحالة من اللؤم والخسة والدناءة) لو تم النصر لهم وللأحزاب على المسلمين لما اكتفوا إلا باستئصال شأفة المسلمين ومصادرة كل أملاكهم وسبي جميع نسائهم وذرارهم.
وهذا أمر مبيَّت منهم للمسلمين (بالتأكيد) فهم لم يُقدموا على تلك الخيانة العظمى فيتواطئوا مع العدو الغازى إلَّا وقد وضعوا نُصب أعينهم (كهدف أول) إبادة المسلمين عن آخرهم.
وقد تجلى هذا المقصد الخبيث من اليهود عندما طلبوا من الأحزاب (كشرط أساسى لانضمامهم إليهم) أن لا ينسحبوا ويفكوا الحصار عن المدينة إلَّا بعد سحق المسلمين واستئصال شأفتهم، وأخذوا بذلك العهد على مندوب الأحزاب (حُيَى بن أخطب) فتعهَّد لهم بذلك باسم الأحزاب.
فكيف (إذن) بعد هذه الحقائق الدامغة كلها، وبعد هذه الأعمال التي قام بها اليهود، والتي يكفي البعض منها (فكيف بها مجتمعة) لإدانة هؤلاء اليهود بالخيانة العظمى التي عقوبتها الموت والمصادرة في جميع قوانين الدنيا
…
كيف بعد هذا كله يسوغ لعاقل منصف يحترم نفسه أن ينفي صفة العدل والإنصاف عن الحكم الصادر والنافذ
بحق هؤلاء اليهود الذين لم ينتهوا إلا إلى المصير الذي حاولوا (خيانة وغدرًا وبكل الوسائل الخسيسة) أن يصلوا بالمسلمين إليه؟ ؟
ولماذا يكون من العدل والإنصاف تنفيذ حكم الإعدام (في هذا العصر) فيمن ارتكب جريمة واحدة فقط من الجرائم التي أشرنا إليها والتي تكفي واحدة منها بإنزال عقوبة الإعدام بمرتكبها كنقل أسرار حربية إلى العدو (فقط) كما يحدث في هذا الزمن، ولا يكون من العدل والإنصاف، بل يصبح من القسوة والوحشية والظلم، تنفيذ حكم الإعدام فيمن ارتكب كل هذه الجرائم الخطيرة مجتمعة كما فعل بنو قريظة؟ ؟ .
ألَأَن المحكومين يهود والحاكمين مسلمون أم ماذا؟ ؟ .
إننا لا نزال نسمع كل يوم بأحكام الإعدام تصدر بحق أُناس في أمريكا وأوروبا وكل العالم المسمى (بالعالم الحر) لا لأنهم انضموا إلى الأعداء وشهروا السلاح في وجه دولتهم ومواطنيهم، وإنما لأنهم نقلوا إلى العدو معلومات تفيده وتيسِّر له الإضرار بوطنهم ومواطنيهم.
فما حلَّ ليهود بني قريظة (إذن) من عقاب صارم إنما هو جزاء عادل، يستند إلى قاعدة دولية عامة في كل عصر وزمان، وهو بعيد كل البعد عن أبي شطط أو انحراف عن مبادئ العدالة والإنصاف، لا سيما في ذلك العصر الذي لو وقع فيه المسلمون في أيدي يهود بني قريظة والأحزاب الذين تواطأَ معهم يهود بني قريظة، لما صاروا (أي المسلمون) إلَّا إلى أقسى مما صار إليه هؤلاءِ اليهود على أيدى المسلمين.