الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مأرب في اليمن) قبل انهدام السد من أخصب بقاع الشرق الأوسط، وكان أهلها يشكلون أقوى قوة حربية في جزيرة العرب، وكان ملكهم (عند انهدام السد) ملكًا عظيمًا اسمه عمرو بن عامر مزيقيا وهو الملقب في التارخ (بماء السماء).
الأوس والخزرج في المدينة
وعندما تهدم السد انتاب الضعف مملكة مأرب فتفرق أهلها (وهم من الأزد من أبناء كهلان بن سبإ) في الأرض، فذهب الغساسنة منهم إلى الشام فصاروا ملوكها، ونزل اللخميون منهم العراق فدانت لهم أيضًا فصار منهم ملوك (الحيرة) وهم المناذرة المشهورين في التاريخ، كما اتجه الأوس والخزرج منهم إلى يثرب فنزلوها، فكان نزولهم إيذانًا بزوال سلطان اليهود في المنطقة. فقد عمل هؤلاء اليمانيون -منذ نزولهم أرض يثرب- على مضايقة اليهود بغية مشاركتهم في سلطان المدينة وثرواتها الكبيرة.
ولكن الأوس والخزرج ظلوا عاجزين أمام سطوة اليهود وتماسكهم. فقد بقى الأوس والخزرج -منذ نزولهم المدينة- في حالة فقر مدقع لا حول لهم ولا طول، وكان إخوانهم من العرب (سكان المدينة الأصليين قبلهم) أضعف منهم، لذا قنع الأوس والخزرج بما حصلوا عليه من أرض جدباء لا تنبت إلا القليل من الزرع، فعاشوا في ضيق من العيش، وبقى اليهود يتمتعون بسلطان الملك، والثروة كلها في أيديهم.
ظل الحال على هذا المنوال ردحًا من الزمن، إلى أن فكر اليمانيون في الاستعانة بإخوانهم الغساسنة من ملوك الشام.
فقد أوفدت الأوس والخزرج أحد زعمائها -مالك بن العجلان- إلى ملك الغسانيين (أبو جبيلة)، ولما وصل إليه شرح له سوء حال قومه وغلبة اليهود المحللين على منطقة يثرب واستثارهم بثرواتها دونهم، وطلب منه العون العسكري لإخضاع هؤلاء اليهود.
فتوجه الملك الغساني بجيشه لنجدة أبناء عمومته إلى يثرب، وهناك أوقع باليهود فكسرهم وأذلهم، في خبر طويل ليس هذا محل شرحه، وبعد ذلك رجع الملك الغساني إلى بلاده.
فكانت هذه الوقعة التي أباد فيها الملك الغساني مجموعة كبيرة من سادة اليهود وقادتهم، تنفس الأوس والخزرج الصعداء فصاروا ندًّا لليهود يصاولونهم ويجاولونهم -بعد أن كانوا لا يجرأون على التعرض لهم-، ومع هذا بقى اليهود على جانب كبير من القوة والتماسك، يصاولون اليمانيين ويجاولونهم. ولهذا دامت الحروب والمناوشات بين الفريقين زمنًا غير قصير، إلى أن دبر مالك بن العجلان (زعيم الأوس والخزرج) مكيدة أفنى فيها مجموعة كبيرة من زعماء اليهود، وفتك الأوس والخزرج باليهود فتكًا ذريعًا (1).
وبهذا خضد اليمانيون (الأوس والخزرج) شوكة اليهود فذلوا وانهدم سلطانهم، فقل امتناعهم وخافوا العرب خوفًا شديدًا ولم يستطيعوا الوقوف على أقدامهم في المدينة إلا بعد أن قبلوا الإندماج (قبليًا) في
(1) انظر التفاصيل في الأغانى ج 19 ص 191 وما بعدها، طبعة دار الحياة.
قبيلتى الأوس والخزرج بالحلف، حيث لجأ كل فريق من اليهود إلى قبيلة من قبائل الأوس والخزرج يتعزز ويمتنع بهم.
ومن ذلك اليوم صار بنو قريظة وبنو النضير ومن تبعهم حلفاء الأوس، وبنو قينقاع ومن تبعهم حلفاء الخزرج، فكان كلما نشبت حرب قبلية بين الأوس والخزرج، يكون بنو قريظة والنضير ومن تبعهم في صفوف الأوس، وبنو قينقاع ومن تبعهم في صفوف الخزرج.
وبهذا التحالف الذي اندمج فيه اليهود (قبليًا) بالأوس والخزرج، ضمن اليهود بقاءهم في منطقة يثرب، ولو لم يفعلوا ذلك لأبادتهم القبائل العربية عن آخرهم، طالما كان الاعتداء على اليهود سببًا في إثارة حرب طاحنة بين قبيلتى الأوس والخزرج نتيجة تحالف اليهود مع هذه القبائل. وما حرب بعاث الشهيرة الطاحنة التي دارت رحاها بين الأوس والخزرج قبل ظهور الإسلام بقليل، إلا لمحاولة قبائل الخزرج احتلال أراضى يهود بنى قريظة (حلفاء الأوس) وطردهم منها (1).
(1) يروى المؤرخون العرب أن عمرو بن النعمان البياضى الخزرجى قال لقومه بنى بياضه إن أباكم أنزلكم منزل سوء بين سبخة ومفازة، وإنه والله لا يمس رأسى غسل حتى أنزلكم منازل بنى قريظة والنضير على عذب الماء وكريم النخل، ثم أرسل لبنى قريظة والنضير إنذارًا قال لهم فيه: إما أن تخلوا بيننا وبين دياركم نسكنها وإما أن نقتل رهنكم (وكان لديه من هؤلاء اليهود أربعين غلامًا رهائن) فانزعج اليهود وخافوا خوفًا شديدًا وهموا بترك منازلهم لقبائل الخزرج، إلا أن سيدهم كعب بن أسد زجرهم وحال بينهم وبين ذلك وطلب منهم الصمود وعلم حلفاؤهم (الأوس) فوقفوا إلى جانبهم ضد قبائل الخزوج، حتى إن رجالا من الأوس نزلوا مع اليهود في حصونهم ليدافعوا معهم عنها إذا حاول الخزرج الاعتداء عليهم، وهكذا انتقل النزاع من نزاع ضيق بين اليهود والخزرج إلى نزاع رئيسى مسلح بين الأوس والخزرج، نشبت فيه معركة بعاث الشهيرة التي كان النصر فيها للأوس وحلفائهم من بنى قريظة والنضير على الخزرج والتي كاد الأوس فيه يستأصلون شأفة إخوانهم الخزوج ويهدمون دورهم- دارًا دارً لولا أبو قيس بن اسلت- أحد قادة الأوس- الذي منع قومه من عملية الإبادة التي اعتزموا القيام بها ضد إخوانهم الخزوج بعد انهزامهم في تلك المعركة.