الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالإسلام - إذن - مع رغبته الأَكيدة الملموسة في تحرير الإنسان وحضِّه على تحرير الرقيق في كل مناسبة لا يمكن أن يلغي (من جانب واحد) هذا النوع من الرق الحربى الذي كان المسلمون يقع الكثير منهم في أغلاله بين يوم وآخر في يد الأعداء نتيجة الحرب القائمة بين الإسلام وخصومه سواء داخل الجزيرة العربية أو خارجها (1).
ليس في الإسلام ما يمنع من الاتفاق على إلغاء الرق
ويمكننا (من خلال الأنظمة التي وضعها الإسلام لهذا النوع من الرق الوحيد الذي أبقى عليه) أن نستنتج أن هذا الدين لم يكن راغبًا في أن يكون الرق نظامًا أبديًا لا يجوز إلغاؤه.
بل على العكس جعل الباب مفتوحًا لكي يكون من المكن والجائز الاتفاق على قفل منابع الرق نهائيًا، وذلك عن طريق الاتفاقات الدولية العامة أو الجزئية (مثلًا).
بدليل أن هذا الدين لم يجعل استرقاق أسري الحرب أمرًا لا مفر منه (كما هو في الشريعة الموسوية وغيرها هن النظم والشرائع).
بل جعل أمر هؤلاءِ الأَسرى (وهم المادة الوحيدة للرق في الإسلام)
(1) وقال الأستاذ محمد قطب في كتابه (شبهات حول الإسلام ص 45) .. فليس من حسن السياسة أن تشجع عدوك عليك بإطلاق أسراه، بينما أهلك وعشيرتك وأتباع دينك، يسامون الخسف والعذاب عند هؤلاء الأعداء، والمعاملة بالمثل هنا هي أعدل قانون تستطيع استخدامه أو هي القانون الوحيد.
إلى الحاكم الأعلى ليتصرف فيهم وفق المصلحة العامة {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (1).
فإذا ما رأى هذا الحاكم أَن المصلحة العامة تقضى بالاتفاق مع العدو على قفل منابع الرق نهائيًا بإطلاق أسرى الحرب من الجانبيين وعدم استرقاقهم جاز له ذلك استنادًا إلى قاعدة التخيير العامة التي وضعها القرآن الكريم {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} .
وما تبادل الأسرى الذي طالما تم بين المسلمين وأعدائهم في عصور مختلفة إلا نوعًا من انفاقيات إلغاء الرق التي أباح الإسلام عقدها.
فلو أن الإسلام يعتبر الرق نظامًا أبديًا لا يجوز إلغاؤه وقفل منابعه (نهائيًا) لما أباح تبادل الأسرى، بل لما دعا إلى التطوع بتحرير العبيد وفكاك أسر الأرقاء سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وجعل ذلك من أَبِّر الأعمال التي يرضى الله عنها ويجزل الثواب على فعلها كما سيأتي مفصلًا فيما يلي من هذا الكتاب إن شاء الله.
هذا ما حضرنا (بشأن موقف الإسلام من الرق) من أجوبة على أسئلة خصوم الإسلام واستشكالات الحائرين من الشباب المثقفب المتأثر بوساوس هؤلاء الخصوم الذين يتلمسون كل يوم للإسلام مقتلًا لعلهم يسدون إليه طعنة جديدة.
وأعتقد أنه جواب لا غبار على صحته واستقامته في نظر العقل المستقيم والمنطق السليم، ولا يمكن أن يبق بعده لعاقل يحترم نفسه
(1) سورة محمد آية 4.