الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نساء بني النجار، شفعتَ له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَنه أَوعد أنه سيسلم، وقد أسلم فعلًا. وكانت هذه المرأَة (وهي سلمى بنت قيس)(1) من نساء الأنصار السابقات إلى الإسلام.
قال ابن إِسحاق .. إِن سلمى بنت قيس أم المنذر. وأخت سليط من أم سليط -وكانت إِحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلت معه القبلتين وبايعته بيعة النساءِ- سألته رفاعة بن سموأَل القرظى، وكان رجلًا قد بلغ فلاذ بها - (أَى التجأَ إليها) ، وكان يعرفهم قبل ذلك، فقالت .. يا نبي الله بأَبى أَنت وأمّى، هب لي رفاعة فإنه قد زعم أَنه سيصلى ويأكل لحم الجمل، فوهبه لها فأستحيته.
قصة عجيبة من قصص اليهود
وفي الوقت الذي تم فيه تنفيذ حكم الإعدام العادل في عصابة الغدر والخيانة والإجرام من يهود بني قريظة، حدثت قصة عجبية مثيرة، محورها محارب يهودى قديم عنيد.
كان هذا اليهودى المحارب واسمه (الزبير بن باطا) من قادة بني قريظة في الجاهلية وكان قد أَسدى معروفًا كبيرًا إلى رجل من صحابة محمد قبل الإسلام، وهو ثابت بن قيس بن الشماس
(1) هي سلمى بنت قيس بن عمرو بن عبيد النجارية الأنصارية، تكنى أم المنذر، قالت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم فيمن بايعه من النساء (على أن لا يشركن بالله شيئًا) ويقال لها خالة رسول الله صلى الله عليه وسم لأن أم أبيه عبد الله من بني النجار، فبنو النجار هم أخوال عبد الله بن عبد المطلب، فصاروا لذلك أخوال النبي صلى الله عليه وسلم.
الخزرجي (1) فحاول هذا الصحابي الجليل أن يجزى هذا اليهودى على معروفه السابق.
فذهب هذا الصحابي إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وذكر له قصة فضل هذا اليهودى ومنته عليه، وطلب منه - بصفته القائد الأعلى ذا الصلاحيات المطلقة في العفو عمّن يرى - أَن يعفو عن هذا اليهودي المحكوم عليه بالإعدام. ليرد له بذلك فضله السابق عليه.
فوافق النبي القائد صلى الله عليه وسلم وأَجاب صاحبه إلى ما طلب، ولكن الغريب في الأمر هو أن هذا اليهودى، أبى -بعد صدور العفونه- إلا أَن يُقتَل كما قُتل قومه ليلحق بهم إلى الجحيم.
وتفصيل ذلك، هو أن بني قريظة كانوا يُعْتبرُون في السلم والحرب جزءًا من قبيلة الأوْس، وذلك بفعل رابطة التحالف القائمة بين القبيلتين، كما هي القاعدة المتبعة عند العرب في الجاهلية.
ولذلك فإن يهود بني قريظة كانوا، إذا ما نشبت (في تلك الحروب الأهلية الطويلة) معركة بين الأوس والخزرج يقفون إلى جانب الأوْس فيقاتلون معهم حتى النهاية كجزء لا يتجزأ منهم كما كان يفعل يهود بني النضير وبنى قينقاع مع الخزرج حلفائهم.
وعندما نشبت معركة بُعاث الشهيرة في الجاهلية بين الأوس والخزرج والتي كان النصر الساحق فيها للأوْس علي الخزرج، وقع
(1) هو ثابت بن قيس بن شماش بن زهير الخزرجى الأنصاري، خطيب الأنصار الشهير، وهو الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم عند مقدمة المدينة: نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا فما لنا؟ فقال (الجنة)، أول مشاهده العسكرية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معركة أحد وشهد ما بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتل ثابت المذكور شهيدًا في معركة اليمامة.
ثابت بن قيس بن الشماس الخزرجى أسيرًا في يد القائد اليهودى الزبير بن باطا هذا، الذي كان يقود بعض اليهود في تلك المعركة ضد الخزرج.
وقد منَّ الزبير هذا على ثابت بن قيس حيث أخلى سبيله بعد أن جزَّ ناصيته، فحفظها قيس يدًا بيضاء للزبير بن باطا.
فلما وقع بنو قريظة في عملهم السئ، ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم عليهم القاضي سعد بن معاذ بالإعدام جميعًا، تذكر ثابت بن قيس ما لليهودي الزبير بن باطا عليه من فضل سابق، فأحبَّ أن يردَّ له جميله، فتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب منه (كما تقدَّم) أن يمنَّ على هذا اليهودى فَيَهَبَه له لينجو من القتل، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم بل وأمر (استجابة لالتماس آخر قدمه صاحبه ثابت) بأَن يعاد إِلى هذا اليهودي كل أبنائه، نسائه وكامل أَمواله، ولكن هذا اليهودى العنيد الذي تخطى الستين من عمره رفض كل ذلك وأبى إلَّا أن يموت كما مات زملاؤه في الخسّة والغدر والخيانة من بني قريظة.
ولنستمع إلى هذه القصة العجيبة يرويها لنا ابن هشام بسنده عن محمد بن إسحاق، فقد قال ابن إسحاق: وكان ثابت بن قيس بن الشماس -كما ذكر لي ابن شهاب الزهري- أتى الزبير بن باطا القرظى، وكان يكنى (أبا عبد الرحمن) وكان الزبير قد منَّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية، "ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان منَّ عليه يوم بعاث" أخذه فجزَّ ناصيته ثم خلَّى سبيله.
فجاء، ثابت (وهو شيخ كبير) فقال .. يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني؟ .
قال .. وهل يجهل مثلى مثلك؟ .
قال .. إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي.
قال .. إن الكريم يجزى الكريم.
قال ابن إسحاق .. ثم أتى قيس بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله .. إنه قد كانت للزبير عليّ منّة وقد أحبت أن أجزيه بها، فهب لي دمه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو لك.
فقال الزبير بن باطا (لما أبلغه قيس أمر العفو عنه) .. شيخ كبير لا أهل له ولا ولد، فما يصنع بالحياة؟ .
قال .. فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال .. بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هب لي امرأته وولده.
قال .. صلى الله عليه وسلم: هم لك.
قال .. فأتاه (ثابت) فقال له .. قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلك وولدك، فهم لك.
قال .. أهل بيت بالحجاز لا مال لهم، فما بقاؤهم على ذلك؟ .
فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال .. يا رسول الله، ماله (أي هبَ لي ماله).
فقال صلى الله عليه وسلم .. هو لك.
فأتاه ثابت فقال (له) قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك، فهو لك.
فقال (هذا اليهودى) .. أي ثابت، ما فعل الذي كأن وجهه مرآة صينية يتراءى فيها عذارَى الحَى، كعب بن أسد؟ .
قال .. قُتِلَ.
قال .. فما فعل سيد الحاضر والبادى، حيَى بن أخطب؟ .
قال .. قُتِلَ.
قال .. فما فعل مقدمتنا إذا شددنا، وحاميتنا إذا فررنا، غزَّال ابن سَموأل؟
قال .. قُتِلَ.
قال .. فما فعل المجلسان (يعني بني كعب بن قريظة وبنى عمرو بن قريظة)؟ .
قال .. ذهبوا، قُتلوا.
قال .. فإني أَسألك يا ثابت بيدى عندك إلَّا ألحقتنى بالقوم، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير، فما أنا بصابر لله قَتْلة دلو ناضح (1) حتى ألقى الأحبة.
فقدمه ثابت، فضرب عنقه.
فلما بلغ أَبا بكر الصديق، قوله .. أَلقى الأحبة، قال .. يلقاهم في نار جهنم خالدًا مخلدًا (2).
(1) الناضح: الحبل الذي يستخرج عليه المياه من البئر، بالسانية، والمراد بقوله (فتلة دلو ناضح)، هو مقدار ما يأخذ الرجل الدلو، إذا أخرجت فيصبها في الحوض، يفتلها أو يردها إلى موضعها.
(2)
سيرة ابن هشام ج 2 ص 243.