الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قومه قالوا .. إن مما دعانا إلى الإسلام، مع رحمة الله تعالى وهداه لنا، لما كنا نسمع من رجال يهود، وكنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور.
فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيرًا ما نسمع ذلك منهم.
فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أجبناه، حين دعانا إلى الله تعالى وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه فأمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة:
حديث اليهود عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
-.
وذكر ابن إسحاق بسنده عن سلمة بن سلامة بن وقش (وكان من أصحاب بدر)، قال: كنا لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال .. فخرج علينا يومًا من بينه حتى وقف علي بنى عبد الأشهل -قال سلمة وأنا يومئذ من أحدث من فيهم سنًّا، على بردة لي مضطجع فيها بفناء أهلي- فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار، قال .. فقال ذاك لقوم أهل شرك وأصحاب أوثان لا يرون أن بعثًا كائن بعد الموت.
فقالوا له: ويحك يا فلان، وترى هذا كائنا، أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال نعم.، والذي يحلف به، ولوَدَّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تَنّور في الدار يحمونه ثم يدخلونه فيطينونه عليه، بأن ينجو من للك النار غدًا.
فقالوا له .. ويحك يا فلان، فما آية ذلك؟ قال: نبي مبعوث من نحو هذه البلاد وأشار بيده إلى مكة واليمن، فقالوا .. ومتى تراه؟ قال .. فنظر إلي -وأنا من أحدثهم سنًّا- فقال .. إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه.
قال سلمة .. فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمدًا رسوله صلى الله عليه وسلم وهو (أي الحبر اليهودى) حيّ بين أظهرنا، فآمنا به وكفر به بغيًا وحسدًا، قال .. فقلنا له، ويحك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال بلى ولكنه ليس به -أي ليس هو.
ولكن هؤلاء اليهود إذا كان الحسد والجحود والبغى قد قاد أكثرهم إلى أن ينكروا الحق الذي كانوا يعرفونه -وقد كانت أمانة العلم تقضى عليهم بأن يعلنوا هذا الحق ويكونوا من أنصاره- فإن رجالًا منهم قد أنار الله بصائرهم فسارعوا إلى إتباع الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وكانت هذه المسارعة من هولاء النفر حصيلة ما كانوا يسمعون من علمائهم عن قرب هذا النبي الكريم، وما كانوا يحفظون من الصفات التي كان يصفه بها أولئك العلماء والتي وجدوها تنطبق عليه كما وصفوه تمامًا عندما بعثة الله تعالى.
ولنستمع إلى أحد هؤلاء اليهود الذين من الله عليهم فأسلموا "نتيجة
ما كانو يسمعون من أحبارهم من دعوة إلى اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قبل أن يبعثه الله".
وهذا اليهودى (سابقًا) هو أحد شيوخ بنى قريظة .. فقد حدث عاصم بن عمر بن قتادة قائلًا له (كما رواه ابن إسحاق): أتدرى عم كان إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد وأسد بن عبيد (1) -نفر من بنى بهدل إخوة بنى قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا سادتهم في الإسلام- قال .. قلت .. لا والله، قال .. فإن رجلًا من يهود أهل الشام، يقال له
…
ابن الهيبان، قدم علينا قبيل الإسلام بسنين، فحل بين أظهرنا، لا والله ما رأينا قط رجلًا يصلى الخمس أفضل منه.
فأقام عندنا، فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له .. أخرج يابن الهيبان فاستسق لنا، فيقول .. لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة، فنقول له كم؟ فيقول صاعًا من تمر .. أو مدين من شعير قال .. فنخرجها، ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقى الله لنا، فو الله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونسقى، قد فعل ذلك غيره مرة ولا مرتين ولا ثلاث.
قال .. ثم حضرته الوفاة عندنا، فلما عرف أنه ميت قال .. يا معشر يهود، ما ترونه أخرجنى من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قال .. قلنا .. إنك أعلم.
قال .. فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف (أي أنتظر) خروج نبي قد أظل (أي أشرف وقرب) زمانه، وهذه البلدة (أي المدينة) مُهاجرى
(1) سيأتي تفصيل قصة إسلام هولاء الفتيان من اليهود عند ذكر محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم ليهود بنى قريظة في هذا الكتاب.
فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلَّكم زمانه، فلا تُسْبَقُنَّ إليه يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء، وسبى الذرارى والنساء ممن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه.
فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصر بنى قريظة، قال هؤلاء الفتية -وكانوا شبابًا أحداثًا- .. يا بني قريظة، والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان، قالوا .. ليس به، وقالوا (أي الشباب) .. بلى والله، إنه لهو بصفته، فنزلوا وأسلموا وأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم.
وهكذا فإن اليهود بالرغم من استيقانهم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم نبي مرسل، قد شرقوا بالإسلام وصمموا -منذ اللحظة الأولى- على مقاومته والعمل على شل حركته حسدًا وبغيًا.
وأنا أخالف أولئك الرجال من كتابنا الذين يقولون في بعض مؤلفاتهم إن اليهود رحَّبوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأحسنوا استقباله وألقوا إليه بالمودة وتقربوا منه باعتباره عدوًا للوثنية وحاملا لدين هو ودين موسى من معين واحد.
فهذا الزعم ليس له في مصادر التاريخ أي شيء يسنده، فلم يثبت أن هؤلاء اليهود قاموا نحو النبي صلى الله عليه وسلم منذ وصوله المدينة، بأي شيء يمكن تسميته حفاوة أو مودة أو تكريمًا.
بل الثابت في أسفار التاريخ (بالنسد الصحيح) أن هؤلاء اليهود قد نزل بهم من الغم -لوصول النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى يثرب- أمر عظيم كادت له أن تذهب نفوسهم، فقد قابلوا نزول النبي أرض المدينة بالامتعاض الشديد وأعلنوا كرههم له وانطووا على بغضه وأضمروا الكيد