الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين اليهود (بالكاهنين) نسبوا بذلك إلى جدهم الذي يقال له (الكاهن)(1).
والكاهن (عندهم) هو الكاهن بن هارون بن عمران على زعم بعض أهل الأخبار، فهم على هذه من أصل رفيع ومن نسب حسيب يميزهم عن بقية طوائف يهود، ولهذا كانوا يفتخرون بنسبهم هذا ويرون لهم السيادة والشرف على من سواهم من إخوانهم في الدين (2).
كيف جاء اليهود إلى يثرب
؟
لا يستطيع أحد أن يذكر بصفة قاطعة متى وكيف استقر اليهود في هذه البقعة من الجزيرة العربية.
غير أن الذي لا سبيل إلى إنكاره واتفق عليه المؤرخون بالإجماع هو أن اليهود موجودين في هذه البقعة العربية، قبل الإسلام بعدة قرون.
كما أنه من المجمع عليه (أيضًا) أن العنصر اليهودى هو عنصر دخيل على الجزيرة العربية نازح إليها من بعيد، لا تربطه بسكان هذه الجزيرة أية رابطة من دين أو لغة أو دم.
أما متى نزل اليهود منطقة يثرب، فإن الإخباريين قد اختلفوا في تحديد ذلك، إلا أنهم كانوا يتفقون على أن اليهود قد جاءوا إلى منطقة يثرب في فترات متباعدة جدًّا.
فأول فترة (كما يقول هولاء الإخباريون) جاء فيها اليهود إلى يثرب
(1) الأغاني ج 19 ص 196.
(2)
تاريخ العرب قبل الإسلام ج 6 ص 13.
ترجع إلى سنة 1200 قبل الميلاد، وذلك في أواخر أيام نبي الله موسى عليه السلام، وفي أوائل عهد النبي يوشع.
والفترة الرئيسية الثانية التي هاجرت فيها مجموعة كبيرة من اليهود إلى منطقة يثرب تقع ما بين خراب هيكلهم في عام 70 م وتنكيل (هدريان) باليهود في عام 132 م (1).
ومن المصادر العربية التي جاء فيها هذا التحديد، كتاب الأغاني الشهير (2) للإخبارى المشهور (أبو الفرج الأصبهاني).
فقد ذكر هذا المؤلف في كتابه المذكور، أن نبي الله موسى عند عودته من مصر ببنى إسرائيل إلى الشام بلغه أن قومًا جبارين من العمالقة (3) في منطقة المدينة قد بغوا في الأرض وساموا الناس سوء العذاب، فجرد عليهم حملة عسكرية من قومه بنى إسرائيل، وأمر قائد هذه الحملة بأن يستأصل شأفه هؤلاء العماليق (4) الجبابرة، ولا يبقى على أحد منهم.
ويقول الأصبهاني إن هذه الحملة العسكرية وصلت (فعلًا) إلى المدينة، فأوقعت بالعماليق وأبادتهم عن بكرة أبيهم إلا شابًّا واحدًا هو ابن مالك العماليق (الأرقم)، أعفوه من القتل واصطحبوه معهم ليرى فيه نبي الله موسى رأيه.
(1) تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي ج 6 ص 14.
(2)
الأغاني ج 18 ص 191 وما بعده.
(3)
يجعل المؤرخون العرب عنصر العماليق في عداد العرب البائدة، حيث ينقسم العرب عند هؤلاء المؤرخين إلى عرب بائدة وعاربة وعربى، فالبائدة مثل طسم وجديس والعماليق وعاد، والعاربة الإسماعيليون، والعربي هم القحطانيون.
(4)
كان ساكنوا المدينة في ذلك العصر من العماليق بني هف وبني سعد وبني الأزرق وبني مطروق، وكان ملك الحجاز منهم رجلا يقال له الأرقم، ينزل ما بين تيماء إلى فدك.
ولما قفل هذا الجيش راجعًا إلى الشام وجد نبي الله موسى قد توفاه الله.
ولكن زعماء بنى إسرائيل من بعده لما علموا أن الجيش قد أعفى شابًّا واحدًا من العماليق من القتل، قالوا هذه معصية عصى الجيش بها نبي الله موسى، ولهذا منع بنو إسرائيل هذا الجيش من البقاء بينهم، قائلين .. والله لا تدخلون علينا الشام أبدًا.
ويذكر الأصبهاني أن قادة هذا الجيش تشاوروا فيما بينهم، وأخيرًا استقر رأيهم على أن يعودوا بكامل جيشهم إلى المدينة قائلين: ما كان خيرًا لنا من منازل القوم الذين قتلناهم بالحجاز، نرجع إليهم فنقيم في أرضهم، فرجع على حاميتهم حتى قدموا المدينة واستقروا فيها.
فانتشروا في نواحى المدينة كلها إلى العالية، فاتخذوا بها الآطام والأموال والمزارع.
فكان أفراد هذا الجيش (كما يقول الأصبهاني) أول من سكن المدينة من اليهود.
أما بشأن الفترة الثانية التي نزح فيها إلي اليهود إلى المدينة، فقد ذكر الإخباريون أن الروم لما استولوا على بلاد الشام في الفترة الواقعة ما بين سنة 70، 132 للميلاد وفتكوا باليهود ونكلوا بهم اضطر هؤلاء اليهود إلى الفرار بأنفسهم وتفرقوا في أنحاء آمنة بعيدة عن مجالات الروم.
ومن هؤلاء اليهود (كما يذكر المستر أوليرى) يهود بنى قريظة وبنى النضير وبنى بهدل، فروا من وجه الرومان إلى الجنوب في اتجاه يثرب
وساروا في ذلك الاتجاه حتى استقروا مع من قبلهم في تلك المنطقة من الحجاز (1).
والمستر (أوليرى هذا) يتفق في قوله هذا مع صاحب الأغانى (الأصبهاني) أو هو ناقل عنه.
فقد ذكر الأصبهاني في كتابه الأغانى ج 19 ص 195 طبعة مكتبة دار الحياة: أن الروم لما تغلبوا علي بنى إسرائيل في الشام ونكلوا بهم خرج بنو النضير وبنو قريظة وبنو بهدل هاربين منهم إلى الحجاز.
وأن هؤلاء اليهود الفارين لما وصلوا إلى منطقة يثرب نزلوا الغابة (2) فوجودها وبيئة فكرهوا الإقامة بها، ولذلك بعثوا رائدا منهم يلتمس لهم مكانًا صالحًا للسكنى نقى الهواء طيب التربة.
فخرج باحثًا عن ذلك حتى قاده البحث والاستكشاف إلى منطقة العالية، وهي بُطحان ومهزور -واديان في حرة- على تلاع أرض عذبة، بها مياه عذبة تنبت حر الشجر.
فرجع إلى قومه بالغابة وأخبرهم بما رأى فقر رأيهم على الإقامة في تلك المنطقة، فنزل بنو النضير ومن معهم على بطحان، ونزلت بنو قريظة وبنو بهدل، ومن معهم على مهزور، فكانت لهم تلاعه وما سقى من بعاث وسموات، وكان يساكن اليهود في يثرب- قبل نزول الأوس والخزرج عليهم - قبائل عربية غير يهودية، منها، بنو الحرمان- حيّ من اليمن- وبنو مرثد- حيّ من بلى- وبنو نيف- وهم من بلى أيضًا- وبنو معاوية- حي من بنى سليم ثم من بنى الحرث ابن بهثة-، وبنو الشطية حي من غسان.
(1) تاريخ العرب قبل الإسلام ج 6 ص 14.
(2)
الغابة موضع يقع شمال المدينة على بعد عدة أميال منها.