الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحبارهم في أمره وهم (كعب بن أسد وابن صلوبا، وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس) فقال بعضهم لبعض .. إذهبوا بنا إلى محمد، لعلنا نفتنه عن دينه، فإنما هو بشر، فأتوه، فقالوا له .. يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وسادتهم وأنا إن تبعناك اتبعتك يهود، ولم يخالفونا، وأن بيننا وبين بعض قومنا خصومة، أفنحاكمهم إليك فتقضى لنا عليهم، ونؤمن بك ونصدقك، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رفض هذه المساومة السخيفة وردهم خاسئين.
وقد أنزل الله في هذه المحاولة اليهودية الرخيصة: {وَأَنِ احْكُمْ بَينَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (1).
محاولة اليهود بعث الروح الجاهلية بين القبائل
وبالإضافة إلى إعنات الرسول صلى الله عليه وسلم والافتراء عليه ومحاولة تشكيك الناس في صدقه كان هؤلاء اليهود يحاولون (ما وسعهم) بث الفتنة بين أتباعه من الأوس والخزرج، والعودة بهم إلى فوضى الجاهلية بإثارة النعرات القبلية القديمة التي كانت ملتهبة بين هاتين القبيلتين، والتي قام عليها الوجود اليهودى واستقر في يثرب، وهدفهم من هذا أن تفشل الدعوة الإسلامية في جمع كلمة العرب فيتهاوى بنيان النظام الوليد الجديد.
(1) المائدة: 49.
فقد مر أحد أحبار اليهود وهو شماس بن قيس، وكان عظيم الكفر شديد الحقد والضغن على المسلمين، مر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، فغاظ ما رآهم عليه من ألفة ومحبة -وهم الذين كانوا إلى عهد قريب- لا يلتقون إِلا في معركة تسيل فيه الدماء وتزهق فيها الأواح، فيكون عليهم (سويًا) الغرم ولليهود الغنم .. غاظ هذا اليهودى المجرم اجتماع هذين الحيين على الإسلام فأفصح عن تخوفه على الوجود اليهودى من هذا الاجتماع، لأن بقاء هذا العنصر الغريب الدخيل على الأرض العربية إنما هو مرتهن ببقاء الأوس والخزرج (كما كانوا في الجاهلية) متقاطعين متحاربين.
ولهذا قال هذا اليهودي -لما رأى الملأ من الأوس والخزرج مجتمعين متحابين في رحاب الإسلام-: قد اجتمع بنوقيلة (1) بهذه البلاد، لا والله مالنا معهم- إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار.
وهنا أمر أحد الشباب اليهود بأن يندس بين أولئك النفر وكلفه بأن يبذر بذور الفتنة بينهم ما وجد إلى ذلك سبيلا، لعلهم يختلفون وتثور الحرب الجاهلية بينهم من جديد فتصاب الدعوة الإسلامية بانتكاسة ويتقوى جانب اليهود.
فقد قال ذلك الحبر اليهودى لذلك الشاب .. إعمد إلى هؤلاء فاجلس معهم، ثم أمره بأن يضرب على أدق وتر حساس في تاريخ هاتين القبيلتين الجاهلى، له ذكرى مثيرة أليمة في نفوسهم (وخاصة الخزرج) أمره أن يحدثهم عن يوم بعاث الشهير، وهو يوم دارت فيه رحى معركة طاحنة بين الأوس والخزرج، كاد فيه الأوس يبيدون
(1) يعبر دائمًا عن الأوس والخزرج ببنى قيلة.