الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللحظة الرهيبة في تاريخ بني قريظة
وجاءت اللحظة الحاسمة، ووقف سعد بن معاذ ليعلن كلمته النهائية في يهود بني قريظة، وأرهف هؤلاء اليهود أسماعهم مشدودة ناحية حليفهم (الحكم سعد) الذي أصبح مصيرهم جميعًا في يده، وسمروا أبصارهم عليه في جزع وقلق وركضت قلوبهم الخبيثة بين جنوبهم ووقفت نبضاتها في انتظار النطق بالحكم عليهم.
وحتى الذين في المعسكر من المسلمين، شدت أبصارهم ناحية الحكم (سعد) وخاصة قومه الأوس الذين بذلوا كل مساعيهم لتخفيف الحكم على حلفائهم.
شدت أبصار الجميع إلى سعد ليروا كيف يصدر حكمه على حلفائه اليهود.
لأن الجميع (وحتى النبي القائد) لا يعلمون ما هو الحكم الذي سيصدره سعد على هؤلاء اليهود.
وصدر الحكم النهائي، وكان صارمًا قويًّا ورهيبًا.
سعد يحكم بالإعدام على اليهود
فقد حكم سعد بن معاذ بالإعدام (ضربًا بالسيف) على كل من بلغ الحلم من رجال يهود بني قريظة.
كما حكم (كذلك) أن تسبى نساؤهم وذراريهم وأن تصادر جميع ممتكاتهم (المنقولة وغير المنقولة) على أن يكون كل ذلك غنيمة للمسلمين
المحاربين الذين حاصروا هؤلاء اليهود واستنزلوهم من حصونهم (1).
إلا أن سعدًا (وقد فوض في أمر اليهود تفويضًا مطلقًا) حكم باجتهاد منه، أن تكون ديار يهود بني قريظة كلها للمهاجرين دون الأنصار، وذلك لأن المهاجرين ليس لهم في المدينة بيوت، لأنهم قد تركوا كل ممتلكاتهم في مكة عند المشركين عندما فروا بدينهم وهاجروا إلى المدينة.
وقد برر سعد حكمه هذا (عندما عارضه بعض الأنصار بقوله لهم .. إني أحببت أن يستغنوا عنكم (2). قال البخاري في صحيحه في كتاب المغازي .. عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة، رماه في الأكحل، فضرب النبي خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما رجع صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل، وهو ينفض رأسه من الغبار فقال .. قد وضعت السلاح، والله، ما وضعته، أخرج إليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم .. فأين؟ ، فأشار (جبريل) إلى بني قريظة.
فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكمه، فرد الحكم إلى سعد بن معاذ، قال (أي سعد) فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم.
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 240، وتاريخ ابن خلدون ج 2 القسم الأول ص 779، وطبقات ابن سعد الكبرى ج 2 ص 77، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 127.
(2)
السيرة الحلبية ج 2 ص 119.
وقال ابن سعد في طبقاته الكبرى -يصف استسلام بني قريظة- فأخذهم من الغم في حصنهم ما أخذهم، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ (1)، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، قال حميد .. قال بعضهم .. وتكون الديار للمهاجرين دون الأنصار، قال فقالت الأنصار -معارضين- إخواننا كنا معهم، فقال (سعد) إني أحببت أن يستغنوا عنكم (2).
وبعد أن صدر الحكم على اليهود من سعد، لم يبد قومه الأوس أية معارضة، لأنه قد أخذ عليهم (مسبقًا) العهد والميثاق أن ليس لأحد منهم المعارضة أو التعقيب على حكمه ..
أما اليهود فقد صعقوا لهذا الحكم الصارم وعلاهم الذهول وخيم عليهم الوجوم، ولم يرو أحد من المؤرخين أن هؤلاء اليهود ناقشوا هذا الحكم أو عارضوه بأي احتجاج.
لأن ذلك ليس لهم، لأنهم (أولًا) قد نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم دونما قيد أو شرط، ولأنهم (ثانيًا) قد وافقوا بعد استسلامهم على تحكيم سعد- عندما أخذ موافقتهم قبل إصدار الحكم.
وبعض المؤرخين يذكر أن اليهود لما اشتد عليهم الحصار وافقوا على الإستسلام للقوات المحاصرة بشرط أن يحكم فيهم حليفهم سعد بن معاذ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وافق على هذا الشرط.
والذي عليه جمهرة المؤرخين وأصحاب الحديث والمغازى أن
(1) انظر ترجمة سعد بن معاذ في كتابنا (غزوة بدر الكبرى).
(2)
طبقات ابن سعد ج 2 ص 77 وما بعدها.