الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهنا سألهم عن الحبر (عبد الله بن سلام) قائلًا .. فأى رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ .
قالوا (بصوت واحد): ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا، قال .. أفرأيتم إن إسلم؟ .
قالوا .. حاش لله ما كان ليسلم.
وهنا جبههم النبي صلى الله عليه وسلم بالحقيقة المذهلة، حيث نادى .. يا ابن سلام، أخرج عليهم.
وهكذا، وبعد أن انتزع عبد الله بن سلام من هؤلاء الأحبار اعترافهم بأنه سيدهم وأعلمهم وجعلهم يشهدون بذلك مختارين أمام الناس، خرج عليهم وخاطبهم قائلًا:
يا معشر يهود، اتقوا الله .. فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بالحق.
فصعقوا لقوله هذا، ثم وقعوا فيه سبًا وشتمًا، وقالوا له: كذبت، ثم قالوا: هذا شرنا ابن شرنا، فقال عبد الله بن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم .. هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.
تبديل اليهود حكم الرجم في التوراة
ومرة اجتمع أحبار اليهود في بيت المدارس (وهو أشبه بجامعة عبرية لليهود في المدينة)، وتدارسوا موضوع مقاومة النبي صلى الله عليه وسلم، والصد عن دعوته، وبينما هم يتباحثون عرضت عليهم قضية رجل وامراة منهم ارتكبا جريمة الزنا، ومع تأكدهم من صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم صاروا يغالطون أنفسهم.
فاتفقوا على أن يمتحنوا النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق عرض هذه القضية عليه ليحكم فيها، فقالوا .. ابعثوا بهذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد، فسلوه كيف الحكم فيهما، وولوه الحكم عليهما (وكانا قد أُحصنا) فإن عمل فيهما بعملكم من التجبيه (1) فاتبعوه فإنما هو ملك، وصدقوه، وإن حكم فيهما بالرجم فإنه نبي، فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه (2).
ونفذ الأحبار ما اتفقوا عليه وذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعرضوا عليه قضية الزانيين منهما وجعلوه إليه أمرهما ليحكم فيهما، وتعهدوا له بتنفيذ الحكم الذي يصدره. وكان الإسلام قد ترك لليهود الفصل في أحوالهم الشخصية كما هي عادته في التسامح مع أصحاب الأديان الأخرى.
ولم يتردد الرسول صلى الله عليه وسلم في قبول التحكيم سيما وأنه (بموجب المعاهدة المبرمة بينه وبين اليهود) يعتبر الحاكم الاعلى لهؤلاء اليهود بصفتهم مواطنين في ظل دولة يثرب التي يرأسها.
وقد حكم الرسول صلى الله عليه وسلم في الزانيين بالرجم، وهو حكم جاءت به
(1) التجبيه - عند اليهود - الجلد بحبل من ليف مطلى بقار ثم تسود وجها الزانيين المحصنين، ثم يحملان على حمارين، وتجعل وجوههما من قبل أدبار الحمارين.
(2)
روى هذا الخبر ابن إسحاق بسنده الصحيح عن ابن شهاب، وهذا القول من اليهود يدل على أنهم ما كانوا ليرضوا (في معركتهم مع النبي ودينه) بأقل من إسقاطه وتقليص ظل لينه من الوجود، يزدادون تصميمًا على ذلك كلما ازداد يقينهم بنبوة محمد ورسالته، وهذا من أشنع أنواع البغي وأحقر وأحط ضروب الحسد، وإنه لمن أنكر المنكر أن يكون التأكد من صدق قضية سببًا رئيسيًا في تكذيب هذه القضية ومحاولة إخراس صوتها الحق والإطاحة بصاحب هذا الصوت .. ولكنهم اليهود وكفى.