الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليهود في مكة
هذا هو موجز عن تاريخ الوجود اليهودى في جزيرة العرب قبل الإسلام، وهذه هي المواطن الرئيسية والثانوية التي كان اليهود يتمركزون فيها قبل الإسلام، ولم يصل إلى علمنا فيما رأينا من مصادر تاريخية أن هناك مواطن أخرى في جزيرة العرب قد تمركز فيها اليهود كما تمركزوا في المواطن التي ذكرنا.
ويزعم بعض المستشرقين أن اليهود كانوا موجودين في مكة قبل الإسلام، ومن هؤلاء (ولفنسون)، غير أن هذا الزعم ليس له ما يسنده في أي مصدر من مصادر التاريخ، وخاصة التاريخ المتخصص كاتبوه في بحث التاريخ العربي قبل الإسلام وبعده، فلو كان لليهود وجود في مكة قبل الإسلام وعند ظهوره لما أغفله الإخباريون الإسلاميون الذين تعتبر كتبهم أصح مصدر لتاريخ الوجود اليهودى في جزيرة العرب، لا سيما وأن اليهود كانوا أشد العناصر (غير الإسلامية) عداوة ومقاومة للإسلام، فلو كانوا موجودين في مكة قبل الإسلام لكان لهم دورهم البارز المشهور في مقاومة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لا سيما وأن قريشًا كانت (عند ظهور الإسلام) صاحبة السلطة المطلقة، وكانت معارضتها للإسلام عند ظهوره في غاية الضراوة والعنف.
أثر اليهود في العرب
إن المتتبع لتاريخ الوجود اليهودى في جريرة العرب يدرك بوضوح أنه بالرغم من مرور أكثر من سبعة عشر قرنًا على وجود اليهودية (قبل الإسلام) في جزيرة العرب، لم يكن للديانة اليهودية أي أثر ذو بال بين
الأعراب الوثنيين الذين عايشوا اليهود طيلة للك القرون الطويلة وخاصة في منطقة يثرب وخيبر ومناطق الشمال الأخرى التي كانت مركز الثقل ومناطق التجمع الرئيسية لليهود الإسرائيليين الدخلاء حتى ظهور الإسلام.
فلم يذكر التاريخ أن هناك (في خيبر ويثرب والشمال) قبيلة أو حتى عائلة عربية واحدة اتخذت من اليهودية دينًا لها (1).
ولو حدث شيء من هذا لأشار إليه الإخباريون الإسلاميون الذين عنوا بتاريخ أحداث الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده، كما أشاروا إلى تاريخ اليهود في جميع النواحي بهذه المناطق، بل إن التاريخ ليؤكد أن أعراب هذه المناطق (عمومًا) ظلوا على وثنيتهم حتى جاء بدين الإسلام فدخلوا فيه جميعًا.
وهذا لا يعني أن أحدًا من الأعراب لم يدن باليهودية على الإطلاق في هذه المناطق، بل ذكر المؤرخون أن هناك أعرابًا دانوا بذلك الدين إلا أنهم قليلون جدًّا بحيث لا يزيدون على اثنين في المائة من مجموع أعراب يثرب وخيبر والمناطق الشمالية التي كان اليهود مستقرين بها. ولهذا فإن اسم زعيم أية قبيلة عربية لم يبرز بين أسماء زعماء اليهود عند ذكر الأحداث المهمة التي تستوجب ذكرهم سواء قبل الإسلام أو بعده، اللهم إلا كعب بن الأشرف الطائي الذي برز ذكره كزعيم من زعماء اليهود، ومرد ذلك ليس
(1) اللهم إلا ما حدث لبني حشنة بن عكارمة (وهم من بلى) الذين ألجأتهم الظروف إلى اعتناق اليهودية في تيماء، فقد ذكر البكرى في معجمه ج 1 ص 29، أن نفرًا منهم قتلوا عددًا من بنى الربعة ثم فروا إلى تيماء وكانت معقل اليهود قبل الإسلام، فأبت يهود أن يدخلوهم حصونهم حتى يتهودوا ففعلوا اضطرارًا.
إلى أن قبيلته العربية (قبيلة طي) قد تهودت، وإنما لأن أمه يهودية تزوجها أبوه من بنى النضير فنشأ يهوديًّا بحكم التربية فحسب.
ومما يدل على ضعف أثر اليهودية وعدم انتشارها بين أعراب تلك المناطق، هو أنه لم يكن من الأعراب الذين دانوا باليهودية أي أثر في تدعيم الكيان اليهودى ومناصرة اليهود، لا قبل الإسلام -عندما كان اليهود عرضة لحرب ضروس شنها عليهم الأوس والخزرج بعد هجرتهم من مأرب- ولا بعد الإسلام عندما نشب الصراع المسلح وغير المسلح بين الإسلام واليهود.
ومرد ذلك على ما يظهر إلى أنانية اليهود حتى في مجال الدين الأمر الذي أضعف الرغبة أو أعدمها بالمرة عند هؤلاء اليهود في نشر ديانتهم بين الوثنيين العرب.
والدليل على ذلك أن أي مؤرخ من الذين أرخو للجزيرة العربية لم يذكر أي نشاط دعائى قام به كهان اليهود وأحبارهم لنشر اليهودية بين الأعراب الوثنيين طيلة تلك القرون الطويلة كما يفعل القسيسون من النصارى، حيث كانوا (قبل الإسلام) يتنقلون بين الأعراب لنشر النصرانية في جزيرة العرب قبل الإسلام.
وعادة عدم التحمس لنشر اليهودية بين الآخرين لا تزال ملازمة لجميع الفئات اليهودية حتى هذه اللحظة كما هو مشاهد ملموس، وهذا يعضد ما ذهبنا إليه من أن اليهودية لم يكن لها أي أثر يذكر على العرب الذين عايشوا اليهود الدخلاء في بلادهم طيلة تلك القرون الطويلة، وخاصة في منطقة يثرب وخيبر والشمال.