الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في يهود بني قريظة وظهرت نتائجه الحاسمة في خيبر، حيث تعرض اليهود على يد محمد صلى الله عليه وسلم لزلزال رهيب. اهـ.
دفاع الدكتور محمد علي
ومن الذين تعرضوا لشبه الوحشية والقسوة التي أراد خصوم الإسلام وفروخهم إلصاقها بحكم الإعدام الصادر بحق بني قريظة مولانا محمد على، فقد تناول موضوع نهاية بني قريظة في كتابه الشهير (حياة محمد ورسالته) بشيء من التحليل المنطقى، فردَّ (في اختصار) كل الاعتراضات التي جاءت بشأن ذلك الحكم الصارم ..
فقد جاء في كتابه المذكور (أثناء حديثه عن مقتلة بني قريظة) ويتعين علينا أن لا ننسى هنا أن الإسلام كان يمر - آن ذاك - بمرحلة حرجة جدًّا من مراحل حياته، كانت هي فترة معركة أُحُد، عندما تأَلب الأَعداءُ من كل صوب وشهروا السلاح لتسديد ضربة قاضية إلى الإسلام.
كأن الهجوم يشن من الخارج، خطرًا من غير ريب، ولكن الانفجار الداخلى المرتقب في كل لحظة كان أشد من ذلك خطرًا. ويقول المثل .. الإنذار المسبق يساوى التسلح المسبق، وكان هذا ممكنًا في حال هجوم خارجي، لا يتيحه للمسلمين من وقت يستعدون خلاله لمواجهة الوضع.
أما الانفجار غير المرتقب في المدينة نفسها فخليق به أن يكون طعنة قاتلة توجه إلى فؤاد الإسلام نفسه.
وكان بنو النضير على صلات ودية مع أعداء الإسلام، ومثّل بنو النضير دورًا هاهًا في معركة الأَحزاب، فبالإضافة إلى تحريضهم بيوتات قريش، راحوا يطوفون في الصحراء ملمّين بمضارب البدو، يثيرونهم على الإسلام.
ثم يخلص مولانا (محمد على) إِلى الحديث عن جريمة الخيانة العظمى التي ارتكبوها بنو قريظة فيقول: وتأَثَّر بنو قريظة أيضًا، وكان موقفهم من الإسلام حتى ذلك الحين - أَي حتى تخريب الأَحزاب - ودِّيًّا (1) .. تأثروا بهذه الحملة الدعاوية.
لقد رفض بنو قريظة أول الأَمر أَن يشاركوا ضد الإسلام ولكنهم تلقوا تأكيدات تفيد أَن المسلمين كانوا في وضع يائس، لن يتمكنوا معه من البقاء، إنهم لن يستطيعوا بأية حال الصمود في وجه الأَعداد الضخمة التي نجمت مثل نبات الفطر (2) في كل ناحية للقضاء على الإسلام (3).
ولقد قيل لبني قريظة أَن قد أن لهم أن يختاروا بين الانحياز
(1) الثابت (كما في صحيح البخاري) أن يهود بني قريظة قد حاربوا النبي صلى الله عليه وسم مع إخوانهم بني النضير عندما حاولوا اغتيال النبي صلى الله عليه وسم، ولكن الرسول (لظروف خاصة) سمح لبنى قريظة بالبقاء وأجلى إخوانهم بني النضير.
(2)
الفطر (بضم أوله وسكون ثانية) هو النبات الأولى الكثير الذي أول ما تنفطر عنه الأرض، والفطر أيضًا جنس من الكم أبيض عظام.
(3)
وهذا الذي يجعل جريمة بني قريظة تبلغ نهايتها في الشناعة والخسة والوضاعة، لأنهم بدلا من أن يحققوا من بلواء حلفائهم ومواطنيهم الذين وقعوا في ذلك المأزق المميت سارعوا إلى الاجهاز عليهم فانضموا إلى أعدائهم، وهذا أفظع ما شهدته سجلات النكث والغدر والخيانة، ومع هذا يأتي من يزعم أن الحكم النافذ في بني قريظة قد اتسم بطابع الوحشية المنافية لروح مدينة القرن العشرين! .
إلى المسلمين وبين التعاون مع الأحزاب، وهكذا أقنع بنو قريظة بالانضمام إلى صف سائر القبائل المعادية للإسلام، فنقضوا عهدهم الذي أعطوه للمسلمين وتحالفوا مع الأحزاب، واعدين إيَّاهم بأن يُسدّوا إليهم العون في النزاع المقبل - معركة الأحزاب.
والحق أن الميثاق الجديد برغم أنه عقد سرًّا، لم يبق حرفًا ميتًا، فقد شارك بنو قريظة عمليًّا في القتال. وإلى هذا يشير القرآن الكريم بقوله:{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} (1).
والتاريخ أيضًا يشهد على اشتراكهم في المعركة، بل لقد بيتوا خطة للهجوم على نساء المسلمين أيضًا، وكان في خيانة بني قريظة - وقد برز في الجانب الآخر في الخندق أربعة وعشرون ألف مقاتل (2) متحرقين لسحق الإسلام، وانهمك المنافقون في إنزال الأذى بالمسلمين في الداخل - مما زاد في متاعب الرسول، صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى حد بعيد ..
وهكذا رئى، عند انقضاء معركة الأحزاب، أن من المناسب أن تنزل ببني قريظة العقوبة التي يستحقون، والتي قد تحول دون تكرُّر مثل هذه الخيانة الغادرة في المستقبل.
ومن ثم أَلقى المسلمون الحصار على معاقلهم، فاستسلموا بعد مقاومة قصيرة، وقد اختار بنو قريظة بأنفسهم سعد بن معاذ (وكأن فيما
(1) الأحزاب 26.
(2)
لم نر في شيء من مصادر التاريخ أن جيوش الأحزاب قد بلغت هذا العدد.
مضى حليفهم) حَكمًا يعيِّن العقوبة التي يستحقون، ولو أنهم فوّضوا أمرهم إلى الرسول (إذن لعاملهم) في أغلب الظن، كما عامل أَبناء عمومتهم بني قينقاع وبني النضير. لقد كان خليقًا به أن يحكم عليهم - في أَسوإ الأحوال - بالنفي من المدينة (1).
ولكن سعدًا، الحكم الذي اصطفوه هم، كان ينظر إلى غدرهم الخطر، في لحظة الحرج، باشمئزاز بالغ، لقد ارتأَى أَنَّ عظَم الأذى الذي أنزلوه بالمسلمين يقتضي عقوبة نموذجية بدونها لن تحظى المواثيق في المستقبل، إلَّا باحترام ضئيل، وقد يعتبرها أَيّ من الفريقين المعنيين عندئذ قصاصات ورق لا قيمة لها
…
ومن هنا انتهى إلى هذا القرار، أَنَّ جزاءهم العادل يجب أن لا يكون - بأَية حال - أَخف من تلك التي قضي بها كتابهم المقدس (العهد القديم) في حق العدوِّ المهزوم، وهذا ما يقضى به (العهد القديم) في هذا الصدد.
وبعد أن يشير مولانا محمد علي إلى النص الثابت في الإصحاح العشرين من كتابهم بهہذا الصدد، يقول:"وهكذا حكم سعد، وفقًا للشريعة الموسوية، بقتل ذكور بني قريظة، وبسبي نسائهم وأطفالهم، وبمصادرة ممتلكاتهم".
ومهما بدأت هذه العقوبة قاسية، فقد كانت على وجه الضبط، العقوبة التي كأن اليهود ينزلونها - تبعًا لتشريع كتابهم المقدس بالمغلوبين من أعدائهم.
(1) هذا من المؤلف ظن أثبت عدم صوابه قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بعد صدور الحكم .. حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات.