الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في جوهر الإسلام ويوسوسون به لدى المثقفين العصريين من المنتسبين إلى هذا الدين. والذين طالمًا تأثروا بهذه الوساوس فنأت بهم عن حظيرة الإسلام إذ تكون هذه الوساوس سببًا في تشككهم في صلاحية هذا الدين وعدالته .. أمَّا لماذا يلغ الإسلام العمل بنظام الرق الناتج عن الحرب؟ فإنا سنجيب عليه، وجوابنا سيكون (طبعًا) من ناحية جدلية منطقية عقلية، .. لا من الناحية الدينية التي تعتمد على نصوص القرآن والحديث، لأن الذين يتقدمون (عادةً) بمثل هذا السؤال لا يؤمنون بالقرآن ولا بالحديث. أما الجواب فهو:
1 -
لقد قلنا إِن الإِسلام جاءَ إِلى الوجود. والرق نظام عالمى وعملة اقتصادية تتعامل بها جميع الأُمم دونما استثناءٍ، .. والرق الناتج عن الحروب هو نوع من أنواع هذا الرق.
فكان المغلوبون يصيرون، هم ونساؤهم وأَطفالهم عبيدًا للغالب تمشيًا مع هذا العرف العالمى والنظام الأُممى السائد عند ظهور الإسلام، ولا كان المسلمون يشتبكون مع خصومهم في حروب كثيرة فإن خصوم الإسلام إذا ما انتصروا على المسلمين (والحرب سجال) فإنهم (تمشيًا مع هذا النظام السائد) يسترقونهم رجالًا ونساءً وأطفالًا.
الاسترقاق في الإسلام معاملة بالمثل
ب - فكان من البدهى المتمشى مع العدل والعقل والمنطق أن يُشرع الإسلام لأَتباعه السير على نظام الاسترقاق الحربى المتبع قبل ظهور هذا الدين.
وذلك كإجراءٍ ضرورى لا بد للمسلمين منه، إذ أنه من باب المعاملة بالمثل، في ظروف حربية تتطلب فيها مصلحة الجيش والأُمة (عسكريًا وسياسيًا ونفسيًا) القيام به.
والمعاملة بالمثل (بل وحتى مقابلة العدوان بالعدوان) عمل مشروع تقره جميع النظم والأعراف والقوانين حتى هذه اللحظة.
وحتى لو فرضنا جدلًا أَن سَبْى النساءِ والذرارى واسترقاقهم هو عدوان، فإن من حق المحاربين المسلمين أَن يشرع لهم دينهم ويبيح سبى واسترقاق رجال العدوِّ ونسائهم وذراريهم، كإجراء حربي مقابل ما دام أن العدوِّ (إذا ما تمَّ له النصر) يسبى ويسترقّ رجال ونساءِ وذراري المسلمين.
فهل يريد خصوم الإسلام والمنافقون على عملية استرقاق نساءِ وذراري يہود بني قريظة،
…
هـہل يريد هؤلاء من الإسلام أن يعفي العدوَّ المحارب من هذه العملية (التي هي إجراء حربى مقابل)، وهو يري هذا العدوّ -حين يتم له الظفر- يسترق ويستعبد رجال ونساء وذرارى المسلمين ويسومهم سوءَ العذاب كعمل من أعمال الحرب المتعارف عليه دوليًّا قبل ظهور الإسلام (1) فالإسلام (إذن) ليس هو الذي شرع الرق وحبذة ودعا إليه وشجَّع عليه.
(1) قال الأستاذ محمد الغزالي في كتابه (الإسلام والاستبداد السياسي) ص 127: وكان من الممكن تحريم الاسترقاق (أصلا)، ولكن هذا التصرف من المسلمين يعتبر عبثًا لأن أعداءهم سيرفضون التقيد بهذا التحريم، ثم ينشأ عن ذلك أن أسرى المسلمين لديهم يستعبدون وأسري المشركين لدينا يحررون.
وفي أي حرب يقع هذا التناقض؟ .
في حرب نحن فيها المدافعون عن حرية العقل والضمير الكابحون لجماح المعتدين والمتكبرين، وغيرنا فيها يطبق سياسة شاعر الجاهلية القائل: =
بل إن الإسلام (كما سيأتي) قد حارب الرق وجفاف منابعه وردم موارده حيث أبطل التعامل به، في جميع صوره، ما عدا نوع واحد وهو (كما قلنا) الاسترقاق الناتج عن العمليات الحربية التي يقوم بها المسلمون ضد الأعداء في حرب عادلة لا غدر فيها ولا عدوان وفي سبيل رفع راية الإسلام وحماية دعوته فقط.
أبقى الإسلام على هذا النوع من الرق الحربى (إن صحّ هذا التعبير) كإجراءٍ لا مناص منه ولا مفر (أملته ضرورة لا يملك النبي القائد المشرع عن الله الخلاص منها) لأن هذا النوع من الرق لا يأتي من جانب المسلمين وحدهم وإنما يأتي (أولًا) من جانب أقوام لا يملك الإسلام السيطرة عليهم، وليس للمسلمين من سلطان عليهم، حتى يمنعوهم من الاسترقاق .. أقوام يسترقون من يقع في أيديهم من أسرى المسلمين ويستعبدونہهم، سواءٌ كانوا رجالًا أو نساءً أو أطفالًا.
فصار استرقاق المسلمين لأسري الحرب من أَعدائهم أمرًا لا مفر منه، لأَنه معاملة حربية بالمثل لا بد منها، ومن هذا الباب استرقاق نساءِ وذراري يهود بني قريظة.
فيهود بني قريظة هؤلاء (وقد علمتم النص الصريح في كتابهم القاضي بقتل المغلوبين من رجال أَعدائهم واسترقاق نسائهم وذراريهہم) لو تمَّ لهم الظفر بالمسلمين لما صار رجالهم إلَّا إلى القتل ونساؤهم وذراريهم إلَّا إلى الاسترقاق والاستعباد.
= بغاة ظالمين، وما ظلمنا
…
ولكنا سنبدأ ظالمينا
لذلك سار الإسلام على قاعدة المعاملة بالمثل حتى لا يضار من تعلقه المطلق بالحرية الكاملة.