الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الآية السابعة والعشرين من سورة الأنفال وهل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
انهيار اليهود في المقاومة
لقد كانت استشارة أبي لبابة آخر محاولة يقوم بها بنو قريظة للحصول على أي شرط يحقنون به دماءهم عن الاستسلام، ولكنهم بدلًا من أن يظفروا بشيء من ذلك تلقوا من أبي لبابة (بإشارته تلك) ما يؤكد لهم أن الموت مصيرهم إن هم استسلموا للمسلمين ونزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم.
وبهذا انقطع آخر خيط من الأمل لهم في التخفيف، وبدلًا من أن يكون ذلك حافزًا لهم على الاستبسال والقتال حتى الموت تملكهم الرعب والفزع وسيطرت عليهم روح الجبن، فانهاروا انهيارًا كليًّا.
لقد كان بوسع بني قريظة (وخاصة في ذلك الظرف) أن يستمروا في المقاومة لأشهر طويلة، يكسبون فيها بعض التنازلات من جانب المسلمين كالاكتفاء بنفيهم من المدينة.
لقد كان المسلمون المحاصرون لهم في حالة تعب شديد نتيجة الجهد المضنى الذي بذلوه في ليالى الخندق التي تحالف فيها البلاء على المسلمين وأحاطهم من كل جانب طيلة أكثر من خمس وعشرين ليلة، حرموا فيها حتى النوم لشدة الخوف ودوام الحراسة والمرابطة في وجه عدوهم الجبار المحاصر لهم والذي ما كان يترك لهم فرصة يستريحون فيها.
يضاف إلى ذلك أن المسلمين كانوا في حالة مجاعة شديدة، والجو كان (مع ذلك في غاية البرودة).
فكان المسلمون يرابطون حول اليهود في العراء فيتعرضرون للفح البرد الشديد مع شدة الجوع، بينما بنو قريظة -وهم من أثرى سكان يثرب- يحتمون بحصونهم المنيعة الشامخة في مأمن من لفح البرد القارص، موفورًا لديهم كل ما يحتاجونه من الطعام لأشهر طويلة، كما أن الماء كان موجودًا لديهم بصفة دائمة داخل الحصون حيث كانت هذه الحصون تحتوى على آبار كثيرة.
ولكن اليهود -مع كل هذه العوامل التي توحى بقوتهم المادية التي تمكنهم من الإستمرار في المقاومة لمدة طويلة- قد انهارت أعصابهم وتحطمت معنوياتهم إلى درجة لم يحتملوا معها الحصار أكثر من خمس وعشرين ليلة.
فقد قذف الله في قلوبهم الرعب، وهم على تلك الحالة من القوة والمنعة والتحصن ووفرة السلاح وكثرة العدد، فكانوا يفكرون في كل شيء إلا استعمال السلاح للدفاع عن حصونهم.
قال اللواء الركن محمود شيت خطاب في كتابه (الرسول القائد) .. "م تكن حرب بني قريظة حرب ميدان وإنما كانت حرب أعصاب، فلم يستطع اليهود أن يتحملوا الحصار على الرغم من توفر المواد الغذائية لديهم وتوفر المياه والآبار ومناعة حصونهم وصعوبة اقتحامها، فآثروا التسليم على مكابدة الحصار.
والحق أن الموقف العسكري كان إلى جانبهم، لتلك الأسباب كلها ولشدة تعب المسلمين ولبرودة الطقس، ولكن معنوياتهم المنحطة انهارت، فلم يقاوموا طويلًا كما كان المؤمل" أهـ.