الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا لم يبق (لا من الناحية الدينية ولا الوجدانية ولا القانونية) أي مجال للانتقاد في الحكم الصادر والنافذ بحق يهود بني قريظة.
وبالإضافة إلى كل ما أوردنا من حجج لا تقبل الجدل فإنا نقول لهؤلاء الطاعنين والمستبشعين لهذا الحكم .. إنه مهما تقولون في صرامة هذا الحكم وقسوته، فإن أي واحد منكم لو كان مسؤولًا عسكريًا عن سلامة أمته (وفي أي عصر من العصور) فتعرض هو وجيشه ووطنه وأمته لمثل ما تعرض له محمد صلى الله عليه وسلم من خطر خيانة يهود بني قريظة وغدرهم بانقلابهم على المسلمين في ذلك الظرف، ذلك الغدر والانقلاب الذي جعل جيش المدينة الذي كأن اليهود (جزءًا منه بموجب المعاهدة) يقع في أَخطر مأزق يمرُّ به في تاريخ حياته العسكرية.
حيث وصل هذا الجيش (بسبب خيانة بني قريظة) إلى درجة من الخطر كانت قاب قوسين أو أدنى من الإبادة لولا عناية الله التي أنقذت المسلمين بمعجزة.
نعم نقول لهؤلاء المعترضين لو أن واحدًا منهم كان قائدًا عسكريًا وتعرض هو وجيشه وأُمته ووطنه لمثل ما تعرض له النبي القائد من يهود بني قريظة، لما وسعه إلا أن ينزل بهم (على الأقل) ذلك الحكم الذي أنزله الرسول بأولئك اليهود الخونة الغادرين.
دفاع مجيد
…
لقد رأيت بحثًا أعجبي في الدفاع عن سعد بن معاذ القاضي المحكَّم في بني قريظة لكاتب إسلامي فاضل هو الأستاذ محمد
البيومي فنَّد فيه مزاعم المستشرقين وأنحى باللوم على المنتسبين إلى الإسلام من القانونيين الذين تأثروا بوساوس المستشرقين.
فقد نشرت مجلة الحج الغراءِ الصادرة بمكة المكرمة في عددها الثاني عشر من سنتها الثامنة عشرة مقالًا لهذا الكاتب الكريم تحت عنوان: (إنصاف سعد بن معاذ).
ولأهمية هذا المقال فإنَّا سنقتطف منه للقراء أَهم النقاط المتعلقة ببحثنا هذا.
قال الأُستاذ البيومي. . "ليس من الغريب أن يندفع غلاة المستشرقين في تجريد سيد الأوس سعد بن معاذ، حين أصدر حكمه العادل باستئصال بني قريظة، إذ خانوا الله ورسوله وتآمروا بالمسلمين، فخالفوا قريشًا على حرب محمد صلى الله عليه وسلم، ناقضين عهودهم الوثيقة، ومعلنين دفائن أحقادهم الثائرة.
ويوم صدق الله وعده فرد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا، وحان أَوان القصاص فارتضوا سعد بن معاذ حَكمًا، فجزاهم بما اقترفوا من العقوق والغدر أعدل الجزاءِ.
ليس من الغريب أن يندفع غلاة المستشرقين في ذلك عن غرض جائر وهوىً مريض، إنما الغريب حقًّا أن يستمع إليهم بعض عقلائنا المسلمين من كبار رجال القانون، فيروا في حكم سعد مغالات كبيرة.
ولا أدرى كيف يقولون ذلك وقد درسوا القوانين المعاصرة دراسة نافذة، وكان في مقدرتهم أَن يطبقوها على قضية بني قريظة ليروا أَن قوانين القرن العشرين لا تختلف في شيء عما أصدره سعد بن معاذ.
يقول الأُستاذ البيومي: ولكن أقوال ذوي الغرض من المستشرقين قد خدعت رجالنا عن عقولهم، فنسوا ما يحفظون وتجاهلوا ما يعلمون.
ثم يكرّ الأُستاذ البيومي على تلك المطاعن، فيثبت بطلانها عن طريق المقارنة بين القوانين العصرية الوضعية وبين حكم سعد على اليهود قائلًا .. وسنضطر هنا إلى مخاطبتهم بلغتهم القانونية، ثم يقول:
لقد كان بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين يهود بني قريظة معاهدة تحفظ حقوق الفريقين وتقضى على كل فريق أن ينصر الآخر إذا واجه خطرًا في حرب.
ولكنهم (أي اليهود) تآمروا فانضموا إلى أعدائه وأوقعوه بين شق الرحي في المدينة مصطليًا بنار أَعدائه المشركين من جهة واعتداء حلفائه اليهود في ساعة العسرة من جهة ثانية.
فاقترفوا بذلك الغدر الشنيع ثلاث جرائم:
أولًا - رفع السلاح ضد سلطان المدينة مع الأجنبي المعتدي.
ثانيًا - دس الدسائس لدى العدو ضد المسلمين.
ثالثًا - تسهيل دخول العدو للبلاد.
ثم يعقب الأُستاذ البيومى على إدانة اليهود بهذه الجرائم الثلاث فيقول:
وقانون العقوبات المصري - وهو أقرب قانون يعرفه من
يؤاخذون سعدًا من رجالنا القانونيين - يجعل الإعدام عقوبة كل جريمة من الجرائم الثلاث (التي ارتكبها اليهود)(1).
وينص على ذلك في المواد 77، 78، 79، وهذه هي نصوصه على الترتيب:
(المادة 77) يعاقب بالإعدام كل مصرى رفع السلاح على مصر أو التحق على وجه بعمل في القوات المسلحة لدولة تحارب مصر.
(المادة 78) كل من ألقى الدسائس إلى دولة أجنبية أو إلى أحد من مأموريها أو إلى أي شخص يعمل لمصلحتها أو تخابر معها أو معه بقصد استعدائه على مصر أو تمكينه من العدوان عليها يعاقب بالإعدام، سواءٌ تحقق الغرض أَم لم يتحقق.
(المادة 79) يعاقب بالإعدام كل من سهَّل دخول العدو إلى البلاد أو سلَّمه مواقع أو سفنًا أو طائرات مما يستعمل في الدفاع عن البلاد، أو نقل إليه أخبارًا أو أرشده أو حرّض الجنود على الانضمام إليه أو أثار الفتن والشائعات أو نحو ذلك (2).
ثم يؤكد عدالة العقوبة النازلة بيهود بني قريظة - من وجهة نظر مدنية القرن العشرين - فيقول: فقانون القرن العشرين
(1) القانون المعمول به في مصر حتى الآن هو مزيج من القوانين الأجنبية الإفرنسية والسويسرية والإيطالية والإنكليزية، ولم يكن هذا القانون يعتمد على الشريعة الإسلامية في أية ناحية من نواحيه كقاعدة يرجع إليها .. انظر كتاب (حقيقة القومية العربية) للأستاذ المصري المشهور محمد الغزالي.
(2)
وبالرجوع إلى جميع القوانين الوضعية العصرية يتضح إنها جميعًا تتفق على هذه العقوبات في محاكماتها للمواطنين الخونة.
صريح في إدانة بني قريظة حيث ارتكبوا جميع ما تستحق جريمة واحدة منه الإعدام.
وسنعرض لخيانتهم بالتفصيل حين نوجز سيرة سعد ليعلم القارئ المنصف، كم تجنَّى عليه أَعداءُ الإسلام إذ وصفوه بالوحشية والقسوة والغدر.
وكم تنكب رجالنا من القانونيين سبيل الإنصاف حين زعموا أن حكمه القضائى لا يوائم أَحكام القرن العشرين وقد فاتهم أَن يحيطوا بالقضية من أطرافها ليروا شططهم البعيد.
أمَّا الرجل (يعني سعد بن معاذ) فبطل صادق ومسلم صريح.
إن هؤلاء الغادرين قد آسفوه بخيانتهم الأَثيمة، فما راعوا إلَّا ولا ذمة، وكان سعد مع قومه من الأَوْس قد شفع لديهم - بادئ ذي بدئ - ليرجعوا عن غدرهم الفاضح، فما راقبوا الله في حِلْف أو ميثاق حتى انكشفت الغمة فقبعوا في حصونهم يترقبون ما تتمخض عنه الحوادث.
وطبيعى أن يعجِّل المسلمون بعقاب هؤلاء الخونة عقابًا رادعًا، فاتجهوا إليهم على الفور وحاصروهم في ديارهم خمسًا وعشرين ليلة أججت القلق والحسرة في ضلوعهم فعرضوا شروطًا للجلاءِ كما فعل بنو قينقاع وأَملوا أن يتقبلها الرسول بقبول حسن.
وقد اتجهت أنظارهم إلى حلفائهم من الأَوس ليكونوا شفعاءَهم لدي محمد
…
ورسول صلى الله عليه وسلم يدرك نفسيات قومه فيضع الشيء في موضعه، إذ يختار سعد بن معاذ "حليف بني قريظة" ليكون فيصلًا قاطعًا ينزل الفريقان على رأيه.