الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم، قد أعطاهما عهدًا بالأمان بالرغم من أنهما مشركان ومن القبيلة التي غدر رجالها بالسبعين من الصحابة.
النبي في ديار بني النضير
وكما هي عادة النبي صلى الله عليه وسلم وسجيته في الوفاء وتنفيذ العهود والمواثيق نصًّا وروحًا لم يترك دم هذين العامريين اللذين قتلا خطأ يذهب هدرًا، فقد قرر حسب أصول المعاهدات في مثل هذه الحالة أن يبعث بديتيهما إلى أهليهما في ديار بنى عامر الذين اشتركوا في الغدر بالسبعين من الصحابة وهم في جوار سيدهم ملاعب الأسنة.
وقد شاء الله (لهذه المناسبة) أن يحضر النبي صلى الله عليه وسلم في قلة من أصحابه إلى ديار يهود بني النضير التي تبعد عن المدينة عدة أميال .. جاء إليهم غير مسلح ولا مستعد لحرب، لأن بينه وبينهم معاهدة عدم اعتداء، بل معاهدة دفاع مشترك عن المدينة، لذلك جاء إليهم وهو مطمئن لا يفكر في أنهم سيجرؤون على إيصال أي شر إليه.
وسبب مجيئه إلى ديار بنى النضير هو التحدث إلى هؤلاء اليهود (بحكم المعاهدة التي بينه وبينهم وبحكمهم حلفاء بنى عامر) ليساهموا مع المسلمين في دفع دية ذينك الرجلين العامريين المشركين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى دون علمه بعهدهما.
فرصة كبيرة
؟ ! !
وكان هؤلاء اليهود (كما قلنا) يتحينون الفرص ويتصيدون الأوقات المناسبة التي تمكنهم من اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم والتخلص منه شخصيًا دونما
للجوء إلى شن حرب شاملة سافرة، لأنهم أجبن وأحقر من أن يخوضوا مثل هذه الحرب ضد المسلمين في يثرب، ولهذا فقد كان وصول النبي القائد صلى الله عليه وسلم إلى ديار هؤلاء اليهود منفردًا في قلة من أصحابه أكبر فرصة تسنح لهؤلاء اليهود المجرمين وتواتيهم لقتل النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.
وقد شرعوا فورًا في اغتنام هذه الفرصة في الحال، فعندما فاتحهم النبي صلى الله عليه وسلم بشأن دية العامريين لم يترددوا في إعلان الإستجابة إلى طلبه حيث قالوا:"نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أجبت مما استعنت بنا عليه"(1).
ولم يكن إعلان هذه الاستجابة من هؤلاء اليهود إلا خدعة أرادوا بها تطمين النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ليبقى في ديارهم حتى يتمكنوا من اغتياله بعيدًا عن المدينة، وفعلًا شرعوا لا في جمع المال الذي وعدوا بتقديمه مساهمة في دفع ديتى العامريين، وإنما في تنفيذ المخطط الجهنمى الذي رسموه لاغتيال النبي، صلى الله عليه وسلم غير أن الله سبحانه وتعالى فضحهم حيث انكشف أمرهم بعد أن عرف النبي صلى الله عليه وسلم. حقيقة ما يدبرون له من مؤامرة الإغتيال الفظيعة، فنجاه الله من شر هذه المؤامرة، إذ تمكن (بمهارة) من مغادرة ديار هؤلاء اليهود قبل أن يتمكنوا من تنفيذ ما أرادوا تنفيذه من مخطط الغدر والخيانة.
فقد ذكر ابن إسحاق أن يهود بنى النضير عقدوا اجتماعًا فيما بينهم بمجرد وصول النبي صلى الله عليه وسلم وبحثوا في هذا الاجتماع موضوع اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم والتخلص منه، مغتنمين فرصة انفراده بعيدًا عن المدينة، وقد
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 190.
قال قائلهم ومقدم اقتراح القيام بالاغتيال في الحال" ولا أظنه إلا حيى بن أخطب": إنكم والله لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه (1).
وذكر بعض المؤرخين (وأظنه ابن سعد) أن أحد سادات بنى النضير وأحبارها وهو (سلام بن مشكم) عارض اقتراح اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم معارضة شديدة قائلًا: لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه.
غير أن معارضة ابن مشكم هذه رفضت حيث قرر المجتمعون السير في طريق المؤامرة والقيام بتنفيذها بأسرع ما يمكن، وشرعوا (فعلًا) في التنفيذ.
فقد أسندوا مهمة الاغتيال إلى أحد مجرميهم، فكلفوه بأن يصعد إلى أعلي الحصن الذي كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظله آمنًا فيلقى عليه صخرة تقضى عليه في الحال.
إلا أن الله تعالى نجى نبيه إذ بلغه نبأ هذه المؤامرة الدنيئة قبل تنفيذها بقليل، فغادر مكانه قبل الشروع في تنفيذ المرحلة الأخيرة من هذه المؤامرة، ويقول ابن إسحاق إن خبر المؤامرة قد تلقاه النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم من السماء (1).
وهكذا افتضح أمر اليهود المجرمين فأسقط في أيديهم وتمنوا لو أنهم أصغوا إلى معارضة سلام بن مشكم الذي نصحهم وحذرهم وأنذرهم بأن الوحي سيكشف للنبي صلى الله عليه وسلم خبر هذه المؤامرة إن هم استمروا في السير في طريقها الخطر.
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 190.