الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوم ختمةً قال محمد ابن أبي حاتم.
وفاة البخاري:
عاد البخاري أخيراً إلى مسقط رأسه (بخارى) وتلقَّاه أهلها بالحفاوة والتقدير. إلاّ أنَّ أميرها خالد بن أحمد الذهلي سأله أن يحضر إلى منزله ليحدِّث أولاده بالجامع الصحيح، فامتنع، وقال كلمته المشهورة: لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانتْ له حاجة فليحضر إلى مجلسي. فغضب عليه الوالي، ونفاه عن بخارى. فدعا عليه بقوله: اللهم أرهم ما قصدوني به في أنفسهم وأولادهم وأهاليهم، فلم يأت شهر على ذلك الوالي حتى عُزِّرَ به، وأركب على أتان ونودي عليه في أسواق بخارى. أما البخاري فإنه سار إلى سمرقند بدعوة من أهلها، فوقعت بسببه فتنة، فتوقف بقرية خَرْتَنْك، على ثلاثة فراسخ من سمرقند، ومرض هناك ووافاه أجله المحتوم، ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين من الهجرة النبوية.
مؤلفات البخاري
كثيرة منها:
1 -
الجامع الصحيح أو صحيح البخاري.
2 -
الأدب المفرد.
3 -
القراءة خلف الإِمام.
4 -
التاريخ الكبير.
5 -
التاريخ الأوسط.
6 -
التاريخ الصغير.
7 -
خلق أفعال العباد.
8 -
أسامي الصحابة.
9 -
كتاب الضعفاء.
قال القسطلاني: وسارت مؤلفات البخاري مسير الشمس، ودارت
الدنيا، فما جحد فضلها إلاّ الذي يتخبطه الشيطان من المس.
الجامع الصحيح - أو صحيح البخاري:
صحته: لا شك أن هذا الجامع الصحيح المشهور بصحيح البخاري هو أجل كتب الإِسلام بعد كتاب الله شاناً وأعلاها منزلة، وأصح كتب الحديث على الإطلاق، وهو الكتاب الذي خلّد اسم البخاري، ودخل به التاريخ من أوسع أَبوابه، وأصبح ذكره على كل لسان على مر العصور والأَزمان، لأنه خطا في كتابه هذا خطوةً عظيمة وانفرد بميزة لم يشاركه فيها غيره، حيث اقتصر فيه على أصح الصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشترط في الأحاديث التي أخرجها شرطاً لم يشترطه سواه، وقد كان المحدثون قبله لا يعنون إلا بجمع ما وصل إليهم من الحديث، تاركين البحث عن رواته إلى القرّاء، فلما ظهر البخاري أراد أن يجرِّد الصحيح من الأحاديث في كتاب على حدة، ليريح الطالب من عناء البحث، فأَلَّف كتابه هذا الذي اقتصر فيه على الحديث الصحيح، الذي ينطبق عليه شرطه هو دون سواه، قال ابن الصلاح: أوَّلُ من صنف الصحيح أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري
…
ثم إِن كتاب البخاري أصح الكتابين وأكثرها فوائد.
فصحيح البخاري أصح من صحيح مسلم، لأن شرط البخاري أَقْوى، فقد اشترط فيما يخرجه من الأحاديث " اللقيا " بين الراوي ومن روى عنه، بينما لم يشترط مسلم سوى " المعاصرة بينهما "، ولهذا قال العسقلاني: أما رجحان البخاري من حيث الاتصال فلاشتراطه أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من روى عنه، واكتفى مسلم بمطلق المعاصرة. أهـ. ولهذا أجمعوا على أنه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.
قال البخاري رحمه الله تعالى: سمعت شيخي إسحاق بن راهويه يقول: لو جمعتم كتاباً مختصراً في الصحيح من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع ذلك في نفسي أو في قلبي، فأخذت في جمع "الجامع الصحيح" ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وكأني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب عنه، فسألت بعض المعبّرين فقال: أنت تذب عنه الكذب (1)، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح.
وقد تحرى في صحته ما أمكنه التحري وبذل في ذلك أقصى الجهد ومكث فيه سنوات طويلة، قال رحمه الله:" صنفت الجامع في ست عشرة سنة، وجعلته حجةً فيما بيني وبين الله، ما أدخلت فيه حديثاً حتى استخرت الله تعالى، وصليت ركعتين وتيقنت صحته. وأكد ابن الصلاح أن الأحاديث التي انفرد بها البخاري ومسلم أحاديث مقطوع بصحتها، تفيد (2) العلم اليقينى لتلقي الأمة كلَّ واحد من كتابيهما بالقبول، ويقول الأستاذ أحمد محمد شاكر " الحق (3) الذي لا مرية فيه عند أهْل العلم بالحديث من المحققين، أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها، ليس في واحد منها مطعن أو ضعْف "، أهـ.
ولقد كان من العوامل التي ساعدت البخاري على أن يكون الرائد الأَوَّلَ في تجريد الأحاديث الصحيحة كما قال أحمد أمين في ضحى الإِسلام: أنه رزق خصلتين بارزتين مكَّنتاه من غرضه:
(1) مقدمة البخاري للحافظ بن حجر.
(2)
المقدمة لابن الصلاح.
(3)
سرح ألفية الحديث لفضيلة الأستاذ أحمد مَحمد شاكر.
الأولى: حافظة قويّة لاقطة خاصةً (1) فيما يتعلق بالحديث، فقد بالغ الرواة في كثرة ما كان يحفظه عن ظهر قلبه من أَحاديث بسندها، فروي عنه أنه كان يحفظ في صباه سبعين ألف حديث وأكثر، ولا يجيء بحديث عن الصحابة والتابعين إلا ويعرف مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم وأوصافهم، ومهما كانت هذه الأخبار التي رويت عنه فإنها تدلنا على قدرته في الحفظ، وكان يستعين على حفظه بالتقييد، فقد رووا عنه أنه كان يقول ما تركت حديثاً في البصرة إلا كتبته.
الثانية: مهارة فائِقة في تعرف الرجال ونقدهم، وقد وضع في ذلك كتابه " التاريخ " لتمييز الرجال، ورووا عنه أنه قال: قَلَّ اسْمٌ قي التاريخ إلا وله عندي قصة.
أما عدد أحاديث صحيح البخاري: فقد ذكر ابن الصلاح (2) أنها سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً بالأحاديث المكررة (3)، وقيل إنها بإسقاط المكرر أربعة آلاف حديث وتبعه النووي في مختصره
…
وقال القاري (4): الذي حققه الحافظ في شرح البخاري، أن جملة أحاديثه مع التعاليق والمتابعات والشواهد والمكررات تسعة آلاف وإثنان وثمانون حديثاً، وبإسقاط المكرر تبلغ أَحاديثه المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أَلفين وستمائة وثلاثاً وعشرين، وتبلغ ثلاثيات البخاري وهي أعلى الأسانيد مع المكرر اثنين وعشرين حديثاً، وبإسقاط المكرر ستة عشر حديثاً.
(1) ضحى الإسلام للأستاذ أحمد أمين.
(2)
علوم الحديث للإمام ابن الصلاح.
(3)
وقد أحصى أحاديثه الأستاذ المرحوم محمد فؤاد عبد الباقي فبلغت (7563).
(4)
المرقاة شرح الشكاة للقاري ج 1.
أما ثناء الناس عليه: فقد أَجمع علماء الإِسلام على تلقي هذا الكتاب الصحيح بالقبول، لأنه الكتاب المبارك الذي جمع بين دُفتَيْهِ السنّة الصحيحة، ولا شك أن صاحبه رحمه الله تعالى عندما أسماه " الجامع المسند الصحيح " قد عنى بالفعل أن يكون هذا الكتاب مطابقاً لعنوانه، فنفَّذ ما وصفه به بكل دقة وعناية، والتزام، ولهذا حظي الكتاب بما لم يحظ به غيره، من تقدير علماء الإسلام وإعجابهم به شرقاً وغرباً، فأثنوا عليه بالغ الثناء، ووصفوه بما يليق به، فقال الذهبي في تاريخ الِإسلام: أما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام، وأفضلها بعد كتاب الله وهو أعلى في وقتنا هذا إسناداً للناس.
وقال شيخ الإِسلام ابن تيميّة: ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن (1).
وشارك الشعراء في الثناء على هذا الكتاب العظيم، والتغني بمدحه فقال العجلى:
كأنَّ البخاري في جمعه
…
تلقى من المصطفى ما كتبْ
فلله خاطره ما وعَى
…
وساق فرائده وانتخبْ
وقال الجرجاني في وصفه:
أسانيدُ مثلُ نجوم السماء
…
أمَامَ متونٍ كمثل الشُّهُبْ
به قام ميزانُ دينِ النبي
…
ودانَ له العُجْمُ بعد العربْ
وخير طريق إلى المصطفى
…
ونور مبين لكشف الريبْ
صحيح البخاري لو أنصفوه
…
لما خط إلاّ بماء الذهبْ (2)
نفعنا الله به ووفقنا للعمل بما فيه والله أعلم.
(1) الإمام البخاري للدكتور الندوي.
(2)
شرح القسطلاني ج 1.