الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
40 - " بَابُ مَا يُذْكَرُ في الْمُنَاوَلَةِ وَكتَابِ أهْلِ الْعِلْمِ بالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَانِ
"
50 -
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:
أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ رَجُلاً وَأمَرَهُ أنْ يَدْفَعَهُ إلى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إلى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأهُ مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ
ــ
وهو من أقوى أدلة المالكية على طهارتها. والمطابقة: في كون السائل إنما أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم أركان الإِسلام عن طريق عرضها عليه.
40 -
باب ما يذكر في المناولة (1)، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان
50 -
الحديث: أخرجه البخاري.
معنى الحديث: يحدثنا ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه رجلاً، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين " أي أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل مع رجل من الصحابة وهو عبد الله بن حذافة كتاباً إلى كسرى ملك الفرس يدعوه فيه إلى الإِسلام، وأمره أن يسلِّم هذا الكتاب إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين ليوصله إلى كسرى " فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى " أي فأوْصله أمير البحرين إلى كسرى ملك الفرس، وهو أبرويز بن هرمز ابن أنوشروان " فلما قرأه مزَّقه " أي فلما قرأ " أبرويز " كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثارت ثائرته وتهدد وتوعد، وقطَّعه " فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزَّقوا كل ممزَّق " أي فدعا صلى الله عليه وسلم على الفرس أن يمزِّق الله شملهم، ويقضي على دولتهم، ويزيل سلطانهم، فاستجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم، فسلط على
(1) وهو أن يعطى الشيخ الكتاب للطالب، ويقول له: هذا سماعي من فلان، وقد أجزت لك أن ترويه عني.
أنَّ ابنَ المُسَيَّب قال (1): فَدَعَا عَلَيْهِم رَسُولُ اللهِ أنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّق".
51 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ:
كَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كِتَاباً أوْ أرَادَ أنْ يَكْتُبَ كِتَاباً، فَقِيْلَ لَهُ: إنَّهُمْ لا يَقْرَؤونَ كِتَاباً إلَّا مَخْتُوماً، فَاتَّخَذَ خَاتَمَاً مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ مُحَمَّد رَسُول الله كأنِّى أنْظرُ إِلى بَيَاضِهِ في يَدِهِ".
ــ
" أبرويز " ابنه شيرويه، فطعنه في بطنه، ومزق أحشاءه، ولم تمض سوى سنوات قلائل حتى زال سلطان الفرس نهائياً.
51 -
الحديث: أخرجه الشيخان والنسائي.
معنى الحديث: يقول أنس رضي الله عنه: " كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً أو أراد أن يكتب كتاباً فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلَّا مختوماً " أي قال له صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه رضي الله عنهم علِى سبيل المشورة: إنَّ ملوك الأعاجم لا يتراسلون إلَّا بالكتب المختومة توثيقاً وتأكيداً " فاتخذ خاتماً من فضة نقشه: محمد رسول الله " أي فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم له خاتماً من فضة مكتوباً عليه محمد رسول الله ليختم به على رسائله، لأنه استحسن ذلك، ورأى حاجته إليه.
ْويستفاد من الحديثين: أولاً: مشروعية المراسلات العلمية ونشر الدعوة الإِسلامية والعلوم الشرعية عن طريق الكتابة إلى الأقطار الأخرى. ولهذا كان من طرق نقل الحديث التي جرى عليها المحدثون، ما يسمى عندهم بالمكاتبة.
وهي كما عرفها ابن الصلاح: أن يكتب الشيخ إلى الطالب وهو غائب شيئاً من حديثه بخطه، أو يكتب له ذلك وهو حاضر، أو يأمر غيره بأن يكتب
(1) قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " قوله: فحسبت، القائل هو ابن شهاب الزهرى راوي الحديث، فقصة
الكتاب عنده موصولة، وقصة الدعاء مرسلة، ووجه دلالته على المكاتبة ظاهر ويمكن أن يستدل به على المناولة،
من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم ناول الكتاب لرسوله وأمره أن يخبر عظيم البحرين بأن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن يسمع ما فيه ولا قرأه. (ع).
له ذلك عنه، وهي نوعان: أحدهما: أن تتجرد المكتابة عن الإِجازة.
والثاني: أن تقترن بالإِجازة بأن يكتب إليه ويقول: أجزت لك ما كتبته لك، أو ما كتبت به إليك أو نحو ذلك. فأما الكتابة بدون إجازة فقد أجاز الرواية بها كثير من المتقدمين والمتأخرين منهم السختياني والليث بن سعد وبعض الشافعية وجعلها أبو المظفر السمعاني وبعض الأصوليين أقوى من الاجازة ومنع بعض الشافعية الرواية بها، قال ابن الصلاح: والمذهب الأول هو الصحيح المشهور بين أهل الحديث (1)، وكثيراً ما يوجد في مسانيدهم قولهم: كتَبَ إلَيَّ فلان قالَ: حدثنا فلانٌ، والمراد به هذا. وذهب غير واحد من علماء المحدثين وأكابرهم إلى جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمكاتبة، والمختار قول من يقول فيها كتب إلي فلان. قال ابن الصلاح: " أما المكاتبة المقرونة بلفظ الإِجازة فهي في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقرونة بالإجازة. قلت: وتدخل هذه المكاتبة في مضمون حديث الباب، ويدل عليها دلالة مباشرة.
ثانياًً: دل الحديث، على جواز المناولة في الحديث كما ترجم له البخاري، وأقوى أنواعها المناولة المقرونة بالإِجازة، وهي كما عرفها القسطلاني " أن يعطي الشيْخ الكتاب للطالب ويقول له فيه: هذا سماعي من فلان، وقد أجزت لك أن ترويه عنه، اهـ. ولها صور أخرى أيضاً، منها: أن يعير الشيخ الكتاب للطالب لينسخه ويقابل به ثم يعيده للشيخ، أو يعطي الطالب للشيخ الكتاب فينظر فيه الشيخ ويتأمله حتى يتأكد أنه أصل صحيح، وأنه من روايته، ثم يُعيده الشيخ للطالب، ويخبره أنه من روايته، ويأذن له بأن يرويه عنه.
قال فضيلة الشيخ أحمد شاكر: فهذه الصور كلها مناولة مقرونة بالإِجازة، وهي أعلى أنواع الإِجازة. اهـ. واختلف المحدثون في حكمها: هل هي كالسماع فيقال فيها حدثنا وأخبرنا أم لا؟ فذهب الزهري وربيعة ويحيى بن
(1) المقدمة لابن الصلاح.