الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - " بَابُ أمُورِ الإيمَانَ
"
8 -
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
عَنِ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قال: " الإِيمَانُ بضع وَسِتُّوْنَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِن الإيمَانَ ".
ــ
3 -
باب أمُور الإِيمان
باب الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي.
ترجمة راوي الحديث: هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر، أسلم عام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم وأسلمت أمه ميمونة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم نشأ أبو هريرة يتيماً، وهاجر مسكيناً، وعمل أجيراً ليسرة بنت غزوان، فزوجه الله إيّاها، وقد كان عريف أهل الصُفة. أما مكانته في رواية الحديث. فقد كان رضي الله عنه أكثر الصحابة روايةً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أجمع عليه كافة أهل العلم، وسائر المحدثين، وروى من الأحاديث ما لم يروه غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد بلغ عدد أحاديثه خمسة آلاف وثلثمائة حديث، وأربعة وسبعين حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على ثلثمائة وخمسة وعشرين حديثاً، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين حديثاً ومسلم بمائة وتسعين حديثاً.
رُوي عنه أنه لمّا مرض مرض موته دخل عليه مروان فقال: شفاك الله، فقال أبو هريرة: اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي، فما بلغ مروان وسط الدار حتى مات. وكان ذلك بالمدينة سنة تسع وخمسين من الهجرة رضي الله عنه وأرضاه.
معنى الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الإِيمان بضع " بكسر الباء وفتحها وهو في الأصل القطعة من الشيء، ثم استعمل في العدد، وأطلق على ما بين الثلاثة إلى العشرة. وخصه الخليل بسبعة " أي أنه بمنزلة السبعة ومعناها،
فيعامل معاملتها في التذكير والتأنيث، فيذكر مع المؤنث ويؤنث مع المذكر، فيقال:" بضعة رجال وبضع نسوة " أي سبعة رجال وسبع نسوة " بضع وستون شعبة " بضم الشين وسكون العين وهي في الأصل غصْن الشجرة، تقول: أمسكت بشُعْبةِ الشجرة، أي بغصنها، والمراد بها هنا الخصلة الواحدة من خصال (1) الخير. وقد اختلفت الأحاديث في عدد شعب الإيمان، ففي رواية البخاري " بضع وستون "، وفي رواية مسلم وأصحاب السنن ما عدا ابن ماجه " بضع وسبعون " وهو الراجح، كما قال القاضي عياض وغيره ولهذا قالوا ليس المقصود " تحديد العدد " وإنما المراد به التكثير. والمعنى: كما قال العيني: " إن الإِيمان ذو خصال متعددة، ويتكون من أعمال كثيرة، منها أعمال القلوب كالتوحيد، والتوكل، والرجاء، والخوف، ويدخل في ذلك عواطف الخير من رحمة ومحبة وغيرها " ومنها " أعمال اللسان من ذكر ودعاء، وتلاوة قرآن وغيرها " ومنها " أعمال الجوارح كالصلاة والصوم، وإغاثة الملهوف، ونصر المظلوم ". ومعرفة هذه الشعب على وجه التفصيل ليس بواجب، وإنما الواجب الإِيمان بها إجمالاً لأنّ الشارع لم يوقفنا عليها حداً وعداً، كما رجحه الخطابي والقاضي عياض، ويمكننا التعرف عليها من الكتاب والسنة، كما أفاده في فيض الباري ثم قال صلى الله عليه وسلم " والحياء شعبة من الإِيمان "، أي والحياء خصلة من خصال الإِيمان، وهو في الأصل انفعال نفسي يحدث للنفس عند نفورها من القبيح، وشعورها بقبحه، وإحساسها بالخجل منه، تظهر آثاره على الوجه حمرة أو صفرة، ولهذا عرفه بعضهم بأنه رقة تعتري وجه الإِنسان عند فعل القبيح، أو إرادة النفس له. والحياء نوعان: فطري وشرعي. والمراد في هذا الحديث " الحياء الشرعي " الذي هو في الحقيقة حياء من الله تعالى أن يراك حيث نهاك، وأن يفقدك حيث أمرك، وهو بهذا المعنى أقوى باعث
(1) فيكون المعنى اللفظي لقوله صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وستون شعبة " على حد قول الخليل: إن الإيمان سبعة وستون خصْلة من خصال الخير.
على الخير، ورادع عن الشر، ولذلك كان من الإِيمان، بل من كمال الإيمان.
قال العيني: " الحيي يخاف فضيحة الدنيا وفضيحة الآخرة. فينزجر عن المعاصي ويمتثل الطاعات، ولهذا أفرد النبي صلى الله عليه وسلم الحياء بالذكر دون سائر الأخلاق الأخرى، فقال: " الحياء من الإيمان ".
ويستفاد من الحديث ما يأتي: أولاً: أن الأعمال جزء من الإيمان كما يقول جمهور أهل السنة لقوله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وستون شعبة " ومن هذه الشعب أعمال اللسان والجوارح. ثانياً: أن الإِسلام دين أخلاقي، أهم عناصر الأخلاق فيه الحياء، ولهذا قال في فيض الباري (1):" وإنما نبه الرسول صلى الله عليه وسلم على كون الحياء شعبة من الإيمان لكونه أمراً خلقياً يذهل الذهن عن كونه من الإِيمان، فدل على أن الأخلاق الحسنة منه. ثالثاً: أن الحياء من الله، كما قال الحليمي، هو طريق إلى فعل كل طاعة وترك كل معصية، فيفوز صاحبه بكمال الإِيمان في الدنيا ودخول الجنة في الآخرة، كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحياء من الإيمان، والإِيمان في الجنة -أي يوصل إليها- والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار " أخرجه الترمذي. رابعاً: أن الحياء كما أفاده الماوردي (2) على ثلاثة أوجه، أحدها الحياء من الله تعالى، بامتثال أوامره، والكف عن زواجره - وهو إنما ينشأ عن قوة الدين وصحة اليقين. والثاني: الحياء من الناس، وترك المجاهرة بالقبيح، واجتناب كل ما يدعو إلى إساءة الظن بفاعله ولو كان بريئاً. فقد روي عن حذيفة أنه أتى الجمعة، فوجد الناس قد انصرفوا، فتنكب الطريق عن الناس، وقال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس، وذلك لأن الناس لا يعلمون عذره أمّا ربه فإنه مطلع عليه. والثالث: حياء المرء من نفسه بالعفة والصيانة في الخلوة. وذلك ينشأ عن معرفة المرء قدر نفسه، أو تكريمه
(1)" فيض الباري على صحيح البخاري " الشيخ محمد أنور الكشميرى، ج 1.
(2)
" أدب الدنيا والدين " للماوردي.