الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
25 - " بَابٌ إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ
"
32 -
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأبشِرُوا، وَاسْتَعِيْنُوا بِالغُدْوَةِ والرَّوْحَةِ وَشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ".
ــ
" مسنده ".
معنى الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان إيماناً واحتساباً " أي من صام هذا الشهر معتقداً أنه من أعمال الإِيمان منتظراً المثوبة عليه " غفر له ما تقدم من ذنبه " وفي رواية غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، والمعنى، أن صيامه هذا يكفر جميع ذنوبه السابقة واللاحقة إذا كانت من الصغائر.
ويستفاد من الحديث ما يأتي: أولاً: فضل رمضان، وفضل صيامه وكونه يكفر الذنوب المتقدمة والمتأخرة. ثانياًً: أن الصيام الذي هو عمل من أعمال الجوارح جزء من الإِيمان لقوله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيماناً. وإذا كان الصوم جزءاً من الإِيمان، فإن هذا يدل على أن جميع الأعمال الصالحة من الإِيمان أيضاً. وهو ما ترجم له البخاري، أو ما أراد من هذه الترجمة.
والمطابقة: في قوله " من صام رمضان إيماناً ".
25 -
" باب إنَّ الدين يسر "
32 -
الحديث: أخرجه الشيخان.
معنى الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الدين يسر " أي أن هذا الدين الذي هو دين الإِسلام يمتاز على غيره من الأديان السماوية بسهولة أحكامه،
وعدم خروجها عن الطاقة البشرية، وملاءمتها للفطرة الإِنسانية، وتجردها وخلوها من التكاليف الشاقة، التي كانت في الشرائع السابقة فقد كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب ذنباً لا تقبل توبته إلا بقتله، وإذا أصابته النجاسة لا يطهر إلا بقطع ما أصابته من ثوب أو بدن، أما هذا الدين فقد تنزه عن كل ذلك كما قال تعالى:(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) ومن سماحة هذا الدين ويسره أن الاستطاعة شرط في جميع تكاليفه الشرعية حيث قال صلى الله عليه وسلم " ما أمرتكم به فأدوا منه ما استطعتم " ومن ذلك أيضاً ما شرعه لهذه الأمة من رخص وأحكام استثنائية راعى فيها الظروف والأحوال كالقصر والإِفطار في السفر. " ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " بنصب الدين على المفعولية، قال النووي الأكثر في ضبط بلادنا النصب -أي لا يبالغ أحد في نوافل العبادات، ويتجاوز فيها حدود الشريعة والسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويتعدى حدود الطاقة البشرية، بحيث لا يدع وقتاً للراحة وأداء حقوق النفس والجسد والزوجة والولد إلا أرهق نفسه، وانقطع في النهاية لسآمته وملله، وكانت النتيجة عكسية، فإن لكل فعل كما يقوٍل العلماء رد فعل، وردُّ الفعل الذي يترتب على التنطع في الدين سيء جداً، لأنه يؤدي حتماً إلى ترك العبادة وقد ذم الله أقواماً شددوا على أنفسهم، وحبسوها في الصوامع، رهبانية ابتدعوها، وذمهم النبي صلى الله عليه وسلم، ونهي أمته أن يشددوا على أنفسهم، ويصنعوا صنيعهم، فقال " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار- رهبانية ابتدعوها، ما كتبناها عليهم " رواه أبو داود.
وأمر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالاقتصاد والتوسط في العبادة حيث قال: " فسدّدوا وقاربوا "، وهو أمر بالسداد، أي بالتوسط والاعتدال في الأعمال دون إفراط ولا تفريط، كما قال الشاعر:
خَيْرُ الأمُورِ الوَسَطُ الوَسِيطُ
…
وَشرُّهَا الإفْرَاطُ والتَّفْرِيطُ
ثم قال صلى الله عليه وسلم " وقاربوا " أي إذا لم تستطيعوا الإِتيان بالأفضل من النوافل والطاعات والإتيان بها جميعاً، فأتوا بما يقارب الأفضل، لأن ما لا يدرك كله، لا يترك جله، فمن لم يستطع أن يصوم يوماً ويفطر يوماً - الذي هو أفضل الصيام، فليأت بما يقارب ذلك، كصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ومن لم يستطع ذلك فليصم يوم عاشوراء ويوم عرفة، وستة أيام من شوال.
" وأبشروا " أي ولا تظنوا أن القليل من العبادة لا ينفع بل أبشروا بحسن القبول متى حسن العمل وخلصت النية، فإن العبرة بالكيف لا بالكم.
" واستعينوا بالغدوة " بضم الغين المعجمة، وهي السير أول النهار إلى الزوال " والروحة " بفتح الراء، وهي السير بعد الزوال إلى الليل. " والدلجة " بضم الدال وإسكان اللام كذا جاءت الرواية ويجوز فتحها وهي السير آخر الليل (1) وقد استعار هذه الأوقات الثلاثة لأوقات النشاط أي واستعينوا على أداء هذه العبادات والصلوات بفعلها في أرقات النشاط وفراغ القلب للطاعة، ولا تشغلوا بالعبادة كل أوقاتكم لئلا تسأموا فتنقطعوا عنها بالكلية، فينبغي للعبد إذا أراد المداومة على العمل، وأحَبُّ العمل إلى الله وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم أدْوَمُهُ، وإن قل- أن يختار للعبادة بعض الأوقات المناسبة كوقت الصباح وبعد الزوال وساعة من آخر الليل.
ويستفاد منه ما يأتي: أولاً: يُسر هذا الدين، وسهولة أحكامه، وملاءمته للفطرة الإِنسانية. ثانياًً: أن قدرة الإِنسان وطاقته البدنية شرط في جميع التكاليف الشرعية. ثالثاً: أن رفع الحرج عن المكلفين أصل من أصول التشريع الإِسلامي لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن هذا الدين يسر " وقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله صلى الله عليه وسلم: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا ". رابعاً: الترغيب في الأخذ بالرخص كالقصر
(1) وقال العيني: وهي بالضم سير آخر الليل، وبالفتح سير الليل اهـ.