الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
"
كتاب العلم
"
بدأ الإِمام البخاري كتابه هذا " بالوحي " لأنه أصل الدين ومصدره وأساسه، وثنى " بالإِيمان " لأنه كيانه وقوامه، وثلث " بالعلم " لأنه غذاؤه، ثم أَتى بعد ذلك بأحكام العبادات والمعاملات والجنايات وغيرها، لأنها فروع الدين. " والعلم " كما قال ابن خلدون: على نوعين، منه ما هو طبيعي يهتدي إليه الإنسان بتفكيره وهو العلوم الإِنسانية أو الفلسفية، ومنه ما هو نقلي سماعي يأخذه الإِنسان عن الشارع، وهو العلوم الشرعية المستندة إلى الكتاب والسنة، ولا محل للعقل فيه إلاّ في إلحاق الفروع بالأصول، وهو ما يسمى بالقياس الشرعي. ويدخل في العلم الشرعي بمعناه العام معرفة العقائد الإِسلامية والأحكام الشرعية، ومصادرها ومراجعها من حديث وتفسير وفقه وأصول وآثار الصحابة واختلاف العلماء، وعلوم الآلة من لغة ونحو وصرف وبلاغة، وعلم الرجال وأنسابهم وصفاتهم، وأسماء الصحابة، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وعلم القراءات ومخارج الحروف إلى غير ذلك من المعارف الإِسلامية. وهو قسمان: فرض عين، وفرض كفاية: فأما فرض العين فهو ما يجب على كل مسلم معرفتِه ذكراً كان أو أنثى. قال ابن القيم (1) " وهو الذي لا يسع مسلماً جهله كأصول الإِسلام الخمسة، وشرائع الإِسلام من وضوء وغيره، والمحرمات التي اتفقت الأديان على تحريمها، وهي المذكورة في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ
(1) سفر السعادة لابن القيم.
وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الخ. وأحكام المعاشرة والمعاملة، إلا أن القدر الكافي في فقه المعاملات ما تمس الحاجة إليه " اهـ والحاصل أن العلم الواجب على كل مسلم هو معرفة الله ومعرفة رسوله، ومعرفة قواعد الإِيمان وأركان الإِسلام، وأن يعرف من الأحكام ما تتوقف عليه صحة العبادة، ويعرف من أحكام المعاملات ما يمارسه، ويحتاج إليه، فلا يقدم على شيء من بيع أو شراء أو نكاح أو طلاق حتى يعرف حكم الله فيه، ويسأل أهل العلم عنه. قال الحسن بن الربيع: سألت ابن المبارك عن قول النبي صلى الله عليه وسلم " طلب العلم فريضة على كل مسلم " فقال: ليس هو الذي يطلبونه، ولكن فريضة على من وقع في شيء من أمر دينه أن يسأل عنه حتى يعلمه. وروى ابن عبد البر عن ابن وهب قال: سُئل مالك عن طلب العلم أهو فريضة على الناس، فقال: لا، ولكن يطلب المرء ما ينتفع به في دينه. وأما فرض صلى الله عليه وسلم الكفاية: فهو ما يجب أن يتخصص فيه طائفة من المسلمين فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، ولو تركه أهل البلد كلهم لأثموا جميعاً، وقد اختلف أهل العلم فيما يدخل في فرض الكفاية من العلوم الإِسلامية والإنسانية والمدنية قال ابن القيم:(1) كل واحد يدخل في ذلك -أي في هذا العلم الذي هو فرض كفاية- ما يظنه فرضاً، فيدخل بعض الناس الطب والحساب والهندسة، وبعضهم المساحة، وبعضهم الصناعة، ومن الناس من يقول: علوم العربية كلها فرض كفاية لتوقف فهم كلام الله ورسوله عليها، ومن الناس من يقول: إن أصول الفقه منها، لأنه العلم الذي يعرف به الدليل ومرتبته وكيفية الاستدلال به، ويرى ابن القيم أن هذه العلوم من باب ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب، وهو قول الغزالي أيضاً حيث يرى أن كل علم لا يُستغنى عنه (2) في قوام أمر الدنيا كالطب الذي هو ضروري لحاجة بقاء الأبدان، والحساب الذي هو
(1)" سفر السعادة " لابن القيم.
(2)
" إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي.
ضروري في المعاملات، وقسمة الوصايا والمواريث وغيرها من العلوم المدنية والإِنسانيّة، فهو فرض كفاية، وهذا ما رجحه علماء المسلمين وقد اتسعت دائرة العلوم الإِسلامية، حتى أن الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى عد في مجلس الرشيد ثلاثة وستين علماً، ونقل السيوطي عن القاضي أبي بكر ابن العربي المالكي أنه ذكر في قانون التأويل أن علوم القرآن بلغت أضعاف كلماته أربع مرات.
***