الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
71 - " بَابُ ما يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إذَا سُئِلَ أيُّ النَّاس أعْلَمُ فَيَكِلُ الْعِلْمَ إلى اللهِ
"
91 -
عن أبيّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه:
عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيباً في بني إسْرائِيلَ، فَسُئِلَ: أيُّ النَّاس أعْلَمُ؟ فَقَالَ: أنَا أعْلَمُ، فَعَتَب اللهُ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إلَيْهِ فأوحَى اللهُ إليْهِ أنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَع الْبَحْرَيْن هُوَ أعْلَمُ مِنْكَ،
ــ
إذا كان الحديث مما تمس الحاجة إليه دينياً أو اجتماعياً أو خلقياً، أو يتعلق بمصلحة من مصالح المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم:" استنصت الناس ". ثانياً: تحريم القتال بين المسلمين وأقل ما يقال فيه إنه كبيرة، أما إذا استحله فاعله فإنه يكفر كفراً يخرجه عن الملة الإِسلامية والعياذ بالله تعالى. والمطابقة: في قوله " استنصت الناس ".
71 -
" باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم فَيَكِل العلم إلى الله "
91 -
ترجمة الراوي: هو أبي بن كعب النجاري الأنصاري أقرأُ هذه الأمة من أصحاب العقبة الثانية، شهد المشاهد كلها وأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بغزارة العلم حيث قال له:" ليهنك العلم أبا المنذر "، وسماه سيِّد الأنصار، وكان من أصحاب الفتيا، توفي سنة ثلاثين من الهجرة رضي الله عنه وأرضاه.
معنى الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قام موسى النبي خطيباً فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم" لأنه أفضل أنبياء بني إسرائيل، وكلهم تحت شريعته، وقد اصطفاه الله لرسالته، وأنزل عليه التوراة، التي فيها علم كل
قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ؟ فقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتاً في مِكْتَل فإذَا فَقَدْتَهُ فَهُو ثَمَّ، فانْطَلَقَ، وانطَلَقَ بفَتَاهُ يُوشَعَ بْن نُونٍ، وحَمَلا حُوتاً في مِكْتَلٍ، حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُؤسَهُمَا وَنَامَا، فانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ المِكْتَلِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ في الْبَحْرِ سَرَباً.
ــ
شيء، وكلّمه تكليماً "فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه" أي فلم يرض الله له قوله هذا، ولامه عليه، لعلو قدره لديه، فكان ينبغي له مهما بلغ من العلم ما ينبغي للعالم وهو أن يقول: الله أعلم، فيكل العلم إلى الله تعالى تواضعاً وتأدباً معه عز وجل " فأوحى الله إليه أن عبداً من عبادي " وهو الخضر عليه السلام " في مجمع البحرين " وهو كما قال البقاعي: ملتقى النيل بالبحر الأبيض عند دمياط " هو أعلم منك " وليس المراد أنه أعلم من موسى على الإِطلاق، وإنما هو أعلم منه ببعض الأمور، قال الحافظ: والحق أن المراد بهذا الإِطلاق تقييد الأعلمية بأمر مخصوص لقوله بعد ذلك: إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمك الله لا أعلمه.
قال الحافظ: وقع لبعض الجهلة أن الخضر أفضل من موسى تمسكاً بهذه القصة، ولم ينظر فيما خص الله به موسى من الرسالة وسماع كلام الله وإعطائه التوراة التي فيها علم كل شيء، وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته، ومخاطبون بحكم نبوته حتى عيسى. والخضر وإن كان نبياً فليس برسول باتفاق. والرسول أفضل من نبي ليس برسول، ولو فرضنا أنه رسول فرسالة موسى أعظمُ وأمته أكثر، وغاية الخضر أن يكون كواحدٍ من أنبياء بني إسرائيل، وموسى أفضلهم " فقال يا رب وكيف به " أي وكيف أهتدي إليه وأعثر عليه " فقيل له: احمل حوتاً في مكتل " أي في زنبيل " فإذا فقدته فهو ثم " أي فإن الخضر في ذلك المكان الذي تفقد فيه الحوت " فانطلق "
وكانَ لمُوسَى وفتَاهُ عَجَباً، فانطلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمِهما، فَلمَّا أصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنَا غَداءَنَا، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفرِنَا هذَا نَصَباً، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسَّاً مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمكَانَ الذي أمِرَ به، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: أرأيت إذْا أويْنَا إلى الصَّخْرَةِ فإنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، قَالَ مُوسَى: ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا علَى آثارِهِمَا قَصَصاً، فلَمَّا انتهَيا إلى الصَّخْرَةِ، إذا رَجُلٌ مُسَجىً بِثَوْبٍ أو قَالَ: تَسَجَّى بِثَوْبِهِ فَسَلَّمَّ مُوسَى، فَقَالَ الْخَضِرُ: وأنَّي بأرْضِكَ السَّلامُ؟ فَقَالَ: أنَا مُوسَى، فقالَ: مُوسَى بني إسْرائِيلَ؟
ــ
أي فسار موسى صلى الله عليه وسلم بصحبة فتاه يوشع بن نون " حتى إذا كانا عند الصخرة " التي على الساحل " وضعا رؤوسهما فناما، فانسل الحوت فاتخذ سبيله في البحر سرباً " أي فصار الطريق الذي سار فيه الحوت مثل السرب وهو الشق الطويل الذي لا نفاذ له، لأن الله أمسك عن الحوت جري الماء وجمده فانحاز عنه، وصار كالكوة، ولم يلتئم كما كان، " وكان لموسى وفتاه عجباً " أي ورأى موسى وفتاه منظراً عجيباً " فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، فلما أصبح قال موسى (لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) " أي لقد أصبحنا نشعر بالتعب وشدة الجوع بسبب طول سفرنا فأعطنا بعض الطعام " فقال فتاه: (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) " أي هل علمت أننا عندما نمنا تحت تلك الصخرة استيقظت أنا، فرأيت الحوت قد دبت فيه الحياة، فانتفض وألقى بنفسه في البحر، وأردت إخبارك بذلك فنسيت " قال موسى:(ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ)" أي هذا ما كنا نريده ونبحث عنه، وتلك هي ضالتنا المنشودة، لأن الرجل الصالح هو في ذلك المكان الذي فقدنا فيه الحوت (فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا) أي فعادا يتتبعان آثارهما " فلما انتهيا إلى الصخرة إذا رجل مسجى بثوب " أي مغطى بثوب
قَالَ: نَعَم، قَالَ: هلْ أتَبِعُكَ على أنْ تُعَلِّمنْي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشداً: قَالَ: إِنَّكَ لنْ تَسْتَطِيعَ معَي صَبراً، يَا مُوسَى إنِّي عَلى عِلم منْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أنتَ، وأنتَ عَلَى عِلْم عَلَّمَكَهُ اللهُ لا أعْلَمُهُ، قَالَ: سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللهُ صَابِراً ولا أعْصِي لَكَ أمْراً.
ــ
" فسلم موسى، فقال الخضر: وأنَّى بأرضك السلام؟ " أي كيف سمعت منك كلمة السلام، وأهل هذه الأرض لا يعرفونها " فقال: أن موسى، فقال موسى بني إسرائيل؟ قال (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) " أي هل تأذن لي في صحبتك لأتعلم منك علماً ينفعني وأسترشد به. (قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) قال ابن كثير: أي لا تقدر على مصاحبتى لما ترى مني من الأفعال التي تخالف شريعتك " يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت " أي وإنما لا تستطيع الصبر على مصاحبتي لأني أنفرد بعلم مخالف لعلمك، وهو العلم بهذه الأمور التي أوحى الله تعالى بها إلى الخضر وأطلعه عليها، وخصه بها دون موسى (1) والتي من ضمنها علمه بذلك الملِك الذي يغتصب السفن البحرية، والغلام الذي طبع كافراً وبالغلامين اليتيمين اللذين كان أبوهما صالحاً وبالكنز الذي لهما المدفون تحت الجدار " وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه " أي وأنت على علم انفردت به عني لا أعلم منه شيئاً، وهو العلم بالشريعة وبالكتاب الذي أنزل عليك. واختلف أهل العلم في علم الخضر الذي انفرد به عن موسى هل هو علم وحي ونبوة، أم علم فراسة وإلهام وهل هو نبي أم ولي؟ والصحيح أنه نبي، قال في فيض الباري: "الخضر نبي عند الجمهور ليس داخلاً في شريعة موسى. وقال الآلوسي: فيه أقوال ثلاثة فالجمهور على أنه عليه السلام
(1) ويترتب على ذلك أن موسى سيرى من الخضر أموراً غريية ينكرها وهو ما وقع.
فانْطَلَقَا يمْشِيَانِ علَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ فَمرَّتْ بِهِمَا سَفِينَة فَكَلَّمُوهُمْ أنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعُرِفَ الخِضْرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْل، فجاءَ
ــ
نبى وليس برسول، وقيل: هو رسول، وقيل هو ولي، وعليه القشيرى وجماعة، والصحيح ما عليه الجمهور، وشواهده من الآيات والأخبار كثيرة، وبمجموعها يكاد يحصل اليقين. اهـ. واستدل القائلون بنبوته بقوله كما حكى الله عنه:(وما فعلتة عن أمري) أي وإنما فعلت ما فعلت بأمر الله تعالى، لأن تنقيص أموال الناس، وإراقة دمائهم لا يكون إلا بنص وأمر إلهي صادر عن وحي سماوي، وذلك للأنبياء خاصة، ولهذا قال العيني: إن قوله: (وما فعلته عن أمري) يدل على أنه فعله بالوحي، فلا يجوز لأحد أن يقتل نفساً لما يتوقع وقوعه منها، لأن الحدود لا تجب إلاّ بعد الوقوع، وكذا الإِخبار عن أخذ الملك السفينة، وعن استخراج الغلامين الكنز، لأنّ هذا كله لا يدرك إلاّ بالوحي. اهـ. قال الآلوسي " وهو أي الاستدلال بهذه الآية الكريمة على نبوة الخضر ظاهر في ذلك، واحتمال أن يكون هناك نبي أمر بذلك عن وحي كما زعمه القائلون بولايته احتمال بعيد. ومما اختلف فيه أهل العلم أيضاً مسألة هل الخضر حي الآن أم هو قد مات؟ والصحيح أنه قد مات، فقد سئل البخاري عنه وعن الياس عليهما السلام هل هما حيان، فقال: كيف يكون هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أي قبل وفاته بقليل: " لا يبقى على رأس المائة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ". اهـ والذي في صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته: " ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنه وهي يومئذ حية " وهذا أبعد عن التأويل، وسئل شيخ الإِسلام ابن تيميّة عن الخضر فقال: لو كان الخضر حياً لوجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويجاهد بين يديه ويتعلم منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "اللهم
عُصْفُور فوَقَعَ عَلى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ نَقْرَةً أوْ نَقْرَتَيْنِ فِي البَحْرِ، فَقَالَ الخَضِرُ: يا مُوسَى ما نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلم اللهِ إلا كنَقْرَةِ هذَا الْعُصْفُورِ في البَحْرِ، فَعَمَدَ الخَضْرُ إلى لَوْحٍ مِنْ الوَاحِ السَّفينَةِ فَنزَعَهُ، فَقَالَ موسى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْل عَمَدْتَ إلى سَفِينَتِهِم فَخَرَقْتَها لِتُغرِقَ أهْلَهَا، قَالَ: ألَمْ أقُلْ: إِنَّكَ لَنْ تَستَطِيعَ مَعي صَبراً، قَالَ: لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسيتُ، وَلا ترهِقْنِي مِنْ أمْرِي عُسْراً، فَكَانَتِ الأولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَاناً، فانْطَلَقَا فإذا غُلَام يَلعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فأخَذَ الخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ
ــ
إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم فأين الخضر حينئذ اهـ (قال ستجدني إن شاء الله صابراً) على ملازمتك " فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهما فعرف الخضر فحملوهما بغير نول) أي بغير أجرة " قال فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة " أي فنزل على طرفها " فقال الخضر يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ كنقرة هذا العصفور في البحر " وليس النقص هنا على حقيقته، لأن علم الله لا ينقصه شيء، وإنما المراد أن علمي وعلمك بالنسبة إلى العلم الإِلهي كنسبة قطرة الماء إلى هذا البحر، وهذا التشبيه أيضاً ليس على حقيقته وإنما المراد به التوضيح والتقريب للأذهان " فعمد " بفتح العين " الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه " أي فلما بلغت السفينة لجج البحر عَمدَ الخضر إليها بيده عمداً، فاقتلع بفأسه لوحاً أو لوحين من جهة البحر، ولكن الماء لم يدخلها " فقال موسى: قوم حملونا بغير نول " أي بدون أجرة " عمدت " بفتحٍ الميم " إلى سفينتهم فخرقتها " أي مددت يدك إلى سفينتهم، فخرقتها عمداً " لتغرق أهلها " أي ألا تعْلم أن خرقك لهذه السفينة يؤدي إلى دخول الماء إليها فيكون نتيجة فعلك هذا
أعلَاهُ فاقْتَلَعَ رَأسَهُ بيده، فقالَ مُوسَى: أقَتَلْتَ نفْساً زكِيَّةً بغَيْر نَفْسٍ؟ قال: ألم اقُل لَكَ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً - قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَهَذَا أوكَدُ - فانْطَلَقَا حتَّى إذَا اتيَا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أهْلَهَا فأبَوْا أنْ
ــ
وعاقبته (1) إغراق السفينة بمن فيها. (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً) أي قال الخضر لموسى مذكِّراً له بما قاله له سابقاً: ألم أقل لك إنك لا تقدر على مصاحبتي لأنك لا تطيق السكوت على ما تراه مني من أمور غريبة (قال لا تؤاخذني بما نسيت) أي فاعتذر موسى للعبد الصالح وقال له: لا تلمني على سؤالي هذا، فإنما سألتك ناسياً وغافلاً عن الوعد الذي قطعته لك على نفسي، ولا حرج على الناسي فيما يصدر عنه وقال في الآية التي في سورة الكهف (ولا ترهقني من أمري عُسْراً) أي ولا تشدد علي أثناء مصاحبتي لك بكثرة اللوم والمعاتبة " فانطلقا فإذا بغلام يلعب مع الغلمان " أي فسارا في طريقهما فإذا بهما يجدان صبياً صغيراً لم يبلغ الحلم بعد " فأخذ الخضر برأسه من أعلاه " أي فأمسك الخضر برأس ذلك الصبي " فاقتلع رأسه " أي فانتزع رأسه من جسده " فقال موسى:(أقتلت نفساً زكيَة بغير نفس)" أي فلم يطق موسى صبراً على ما رأى، ووجه إلى الخضر إنكاراً شديداً على فعلته هذه، وقال له: كيف تقتل نفساً بريئة لم تقتل أحداً مع أنها لو قتلت لم تستوجب القتل، لأنها لا تزال صغيرة لم تبلغ الحلم، " وهنا أعاد الخضر على موسى ما سبق أن قاله له بصيغة أقوى وآكد حيث قال له: (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً) فأتى بضمير المخاطب المسبوق بلام الجر لزيادة التأكيد (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل القرية) وهي قرية
(1) فإن اللام في قوله " لتغرق أهلها " ليست للتعْليل لأن الخضر عندما خرق السفينة لم يقصِدْ قطعاً أن يكون فعله هذا سبباً في إغراقها وإهلاك ركابها، ولم يكن موسى يعتقد ذلك، وإنما اللام هنا للعاقبة، لأن موسى أراد أن يقول للخضر إن عاقبة فعلك هذا، والنتيجة الحتمية له هي غراق السفينة.
يُضَيِّفُوهُمُا، فَوَجَدَا فيها جِدَاراً يُرِيدُ أن يَنْقَضَّ فأقَامَهُ، قَالَ الْخَضِرُ بِيَده فأقَامَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْراً، قَالَ: هذَا فِرَاقُ بِيْني وَبَيْنكَ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حتَّى يَقُصَّ عَلَيْنَا مِنْ أمرِهِمَا".
ــ
أنطاكية وكانا جائعين. (اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا) أي فطلبا من أهل تلك القرية الطعام، ولكنهم كانوا بخلاء فشحّوا عليهم (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا) أي فامتنعوا عن إطعامهم وضيافتهم (فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض) أي فوجدا في تلك القرية جداراً خَرِباً موشكاً على السقوط " قال الخضر بيده فأقامه " قال الطبري (1) ذُكِر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: هدمه ثم قعد يبنيه، وعن ابن عباس قال: رفع الجدار بيده فاستقام، ثم قال: والصواب أن صاحب موسى وموسى وجدا جداراً يريد أن ينقض فأقامه صاحب موسى، بمعنى عدل ميله، حتى عاد مستوياً، وجائز أن يكون ذلك بإصلاح بعد هدم، وجائز أن يكون برفع منه له بيده، فاستوى بقدرة الله، وزال عنه ميله بلطفه فقال موسى:(لو شئت لاتخذت عليه أجراً) أي لو أردت أن تأخذ على عملك هذا أجراً لكان من حقك، لا سيما من قوم أشحاء بخلوا علينا ونحن جياع (قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) أي سؤالك هذا هو السؤال الأخير المفِّرق بيننا ثم فسر له هذه الأمور الثلاثة، فقال: أما السفينة فكانت لأناس ضعفاء يعيشون منها وكان هناك ملك ظالم لا يدع سفينة سليمة إلّا اغتصبها، فخرقتها لتنجو منه، وأما الغلام فمطبوع على الكفر وأخشى على والديه أن يحملهما حبهما له على الكفر بالله تعالى. قال الحافظ: فلعل قتل الغلام الذي هو على هذه الحالة جائز في شريعتهم. وأما الجدار فهو لغلامين
(1) تفسير الطبرى ج 16.