الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 - " بَابُ مَنْ شِلَ عَنِ الْفُتْيَا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ في حَدِيبهِ فَأتمَّ الحَدِيثَ، ثُمَّ أجَاَب السَّائِلَ
"
46 -
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
بَيْنَمَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مَجلِس يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أعرَابِيّ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَومِ: سَمِعَ مَا قَالَ فكرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهم: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: أيْنَ -أرَاهُ- السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ، قَال: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ،
ــ
36 -
باب من سئل عن الفتيا وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل
46 -
الحديث: أخرجه البخاري فقط. قال القسطلاني: وهو مما تفرد به عن بقية الكتب الستة.
معنى الحديث: يقول أبو هريرة رضي الله عنه " بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم " أي يتحدث مع أصحابه " جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ " أي حضر إلى مجلسه الشريف رجل أعرابي، فلما وصِل إليه قال: متى تقوم الساعة؟ وتنتهي هذه الدنيا؟ " فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث " أي استمر النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه مع من يحدثه لئلا تضيع الفائدة " فقال بعض القوم: سمع ما قال وكره ما قال " أي سمع كلام الأعرابي، وكره سؤاله، لأنَّ الساعة لا يعلمها أحد، ولذلك أعرض عن جوابه، ولم يلتفت إليه "وقال بعضهم: لم يسمع" سؤاله لانشغاله بالحديث مع غيره " حتى إذا قضى حديثه " أي ولكن النبي صلى الله عليه وسلم استمر في حديثه الأول حتى انتهي منه، ثم التفت إلى السائل، وسأل عنه " فقال أين -أراه- السائل عن الساعة "
قَالَ: إِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فانتظِر السَّاعَة"، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: " إِذَا وُسِّدَ الأمْرُ إِلى غَيْرِ أهْلِهِ فانتظِرِ السَّاعَةَ ".
ــ
أي أين السائل عن الساعة؟ "قال: ها أنا يا رسول الله" أي لبيك يا رسول الله أنا حاضر بين يديك، قريب منك " قال: فإذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة " أي إذا ارتفعَتِ الأمانة، وصار الناس لا يشعرون بالمسؤولية نحو أي حق يتعلق بذمتهم، سواء كان هذا الحق مالاً أو عملاً أو سراً فقد أوشكت تلك الأمة أن تنتهي، ويقضى عليها، فانتظر ساعة نهايتها وزوالها، فإنها قد دنت، أو أوشكت الدنيا على الزوال إذا ارتفعت الأمانة منها. " قال: كيف إضاعتها " أي ما هي الأسباب المؤدية إلى إضاعتها وما علامة ذلك " قال: إذا وسدَ الأمر إلى في أهله فانتظر الساعة " أي إذا أسندت الأمور الهامة التي ترتبط بها مصالح المسلمين من إمارة وقضاء وحسبة وشرطة إلى غير أصحاب الكفاءات الشرعية والإِدارية والعلمية والفنية وسلمت لغير ذوي الاختصاص فقد ضاعت الأمانة وأوشكت الساعة أن تقوم، لأن الولاية أمانة ومسؤولية لا يمكن أن يؤديها إلاّ من كان عالماً بها ناصحاً فيها، مقدراً لمسؤوليته نحوها، فإذا وليها غير أهلها من الجهلة أو الخونة لم يقوموا بأدائها، فتضيع مصالح الناس، وتنتشر الفوضى، ويعم الظلم، وتتفشى العداوة والبغضاء، فينهار كيان المجتمع، ويؤدي ذلك إلى القضاء على الأمة، وعند ذلك انتظر الساعة، إما ساعة تلك الأمة خاصة إذا كان ضياع الأمانة في نطاقها، أو ساعة العالم كله إذا ارتفعت الأمانة من الدنيا كلها، فإنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ويستفاد من الحديث ما يأتي: أولاً: وجوب العناية بالسائل وطالب العلم، والاهتمام به، وإجابته على سؤاله (1)، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال،
(1) وقد أمر الله تعالى بالعناية بالسائل وطالب العلم فقال عز وجل (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) قال بعض المفسرين: ليس السائل الذي يسأل الطعام، وإنما هو من يسأل العلم.
" أين السائل " فسأل عنه، واهتم به، وتوجه إليه، وهذا هو واجب العالم، فإن كان السؤال مما يمكن الإجابة عليه أجابه، وإلا أقنعه بكل لطف عن عدم إمكانية الإجابة عن سؤاله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر العلماء أن يرحّبوا بطلاب العلم، لأنهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: من الأدب أن لا تسأل العالم ما دام مشغولاً بالحديث مع غيرك، فإذا سئل العالم أثناء حديثه مع الغير أخر الإجابة حتى ينتهي من حديثه لئلا تضيع الفائدة، هذا مع الرفق بالسائل إذا أخطأ في سؤاله، لأن الأعرابي قد أخطأ في سؤاله عن الساعة ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذه أو يعاتبه على سؤاله هذا، بل أجابه بما يمكن الإِجابة عليه، وهو بيان العلامات الدالة عليها، أو الدالة على الساعة الخاصة. ولم يعاتبه أيضاً على سؤاله أثناء حديثه، وإنما اكتفى بتأخير إجابته. ثالثاً: أنه لا حياء في السؤال عن العلم، والإِلحاح فيه وتكراره، لزيادة العلم، لأن السائل كرر السؤال بقوله: وكيف إضاعتها.
رابعاً: أن الولايات كلها من قضاء أو إمارة أو شرطة أو غيرها أمانة ومسؤولية يجب إسنادها إلى مستحقيها من ذوي الدين والأمانة والاختصاص، وإلا فسدت البلاد والعباد، وكان ذلك إيذاناً بانهيار الأمة، والقضاء عليها. خامساً: قال الحافظ: فيه إشارة إلى أن العلم سؤال وجواب، ومن ثَمَّ قيل: السؤال نصف العلم. والمطابقة: في قوله: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه.
***