الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
64 - " بَاب لِيُبْلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الغائِبُ
"
79 -
عَن أبي شُرَيْحٍ رضي الله عنه قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ يَقُولُ قَولاً سَمِعَتْهُ أذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ (1) حِيْنَ تَكَلَّمَ بِهِ، حَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ
ــ
بعد هذا العتاب الرقيق فيقول له: سترت عليك في الدنيا، وأنا أغفر لك اليوم " ولكن من نوقش الحساب يهلك " أي يعذب لا محالة ويتعرض للهلاك ودخول النار.
ويستفاد منه ما يأتي: أولاً: أن من حق طالب العلم أن يسأل فيما اشكل عليه، وأن يراجع كما فعلت عائشة رضي الله عنها، وعلى العالم أن يقابل مراجعته برحابة صدر، وأن يجيبه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ثانياًً: أن الحساب نوعان، حساب مناقشة وهو عسير وشديد، ولا يخلو من العذاب، وحساب عرض ومعاتبة، وهو حساب يسير لا عذاب فيه. الحديث: أخرجه الشيخان والنسائي. والمطابقة: في قول عائشة يقول الله: (فسوف يحاسب حساباً يسيراً).
64 -
" باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب "
79 -
ترجمة راوى الحديث: هو أبو شريح بفتح الراء خويلد بن عمرو الخزاعي، أسلم رضي الله عنه قبل فتح مكة، وكان من عقلاء المدينة، وذوي الرأي فيها، روى عشرين حديثاً اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بحديث. توفي سنة ثمان وثمانين من الهجرة.
معنى الحديث: يقول أبو شريح رضي الله عنه: "سمعت رسول الله
(1) أي وشاهدت النبي صلى الله عليه وسلم بعيني وهو ينطق به.
قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ، ولَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلا يَحِلُّ لامْرِىءٍ يُؤْمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ أنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً، ولا يَعْضِدَ بهَا شَجَرَةً، فإن أحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقولُوا: إنَّ اللهَ قَدْ أذنَ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَأذَنْ لَكُمْ، وِإنَّمَا أذنَ لي فيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بالأمْس، وَلِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ".
ــ
صلى الله عليه وسلم يوم الفتح يقول قولاً سمعته أذناي، ووعاه قلبي " أي سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم قولاً تلقيته منه بإنصات كامل وعناية تامة، وقلب حاضر، حفظه ورسخ فيه، وحواه كما يحوي الوعاء مما وضع فيه، وذلك لما لهذا القول من الأهمية البالغة. " حمد الله " أي استهل النبي صلى الله عليه وسلم كلامه هذا أو خطبته البليغة بالثناء على الله تعالى " ثم قال: إن مكة حرّمها الله تعالى " أي حرمها بنفسه، وفي محكم كتابه حيث قال في سورة الحج: (والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء) وقال أيضاً: (قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) " فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً " أي لا يجوز فيها القتال وإراقة الدماء، ولا يحل للمؤمن أن يفعل ذلك " ولا يعضد بها شجرة " بفتح الياء وسكون العين وكسر الضاد أي ولا يقطع فيها شجرة من الأشجار البرية التي تنبت بنفسها، " فإن أحدٌ ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي فإن استباح أحد القتال في مكة مستدلاً على ذلك بقتال النبي صلى الله عليه وسلم فيها يوم الفتح " فقولوا له: إن الله قد أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم " أي فقولوا له لا حجة لك في قتال الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة، لأن قتاله هذا كان رخصة استثنائية خاصة به صلى الله عليه وسلم، فإن الله قد أحل له القتال فيها ذلك اليوم، وأذن له فيه " ولم يأذن لكم " أي ولم يحل لكم القتال فيها أبداً " إنما أذن لي " بالقتال فيها " ساعة من نهار " أي في وقت محدود وجزء معين من يوم الفتح، وذلك
من طلوع الشمس إلى العصر. كما في حديث ابن عمر. " وليبلغ الشاهد الغائب " ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل من حضر ذلك المجلس أن يبلغ حديثه هذا لمن غاب عنه، ويرويه لغيره حتى يصل إلى مسامع أكبر عدد ممكن من المسلمين. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي.
ويستفاد منه ما يأتي:
أولاً: وجوب تبليغ الدعوة، ورواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليمه للناس. قال ابن بطال: إن كان من خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ العلم ممن كان في زمنه، فالتبليغ عليه متعين - أي فرض عين، يجب على كل من سمع حديثاً منه أن يرويه لغيره، وأمّا من كان بعده فالتعليم عليهم فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين. فالحديث أصل في رواية السنة وتبليغها، وإن لم يكن المحدث عالماً بشرحها، فقيهاً في معانيها وأحكامها، لأن المحدث لا يلزم منه أن يكون فقيهاً، ولكن عليه أن يروي الأحاديث التي حفظها لغيره، فقد قال صلى الله عليه وسلم:" ربَّ مبلَّغ أوعى من سامع " وقال في حديث آخر: " رب حامل فقه ليس بفقيه " فإن جمع المحدث بين الرواية والفقه فهو نور على نور. ثانياً: تحريم القتال في مكة، وسفك الدماء فيها، وقطع أشجارها، والاصطياد من صيدها، وسيأتي إيضاح ذلك. والمطابقة: في قوله صلى الله عليه وسلم: " ليبلغ الشاهد الغائب "، وإن شئت قلت: في كون الترجمة جزءاً من الحديث. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي.
***