الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
34 - " بَابُ مَا جَاءَ أنَّ الأعْمَالَ بِالنيةِ والْحِسْبَةِ
" (1)
42 -
عنْ عمرَ بْنِ الْخَطابِ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهَ صلى الله عليه وسلم: "الأعْمَالُ بِالنيةِ، وَلِكُلِّ امْرِىءٍ ما نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ، ومَنْ كَانَتْ
ــ
وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلى ذَمِّهِ
…
ذَمُّوْهُ بِالحَقِّ وَبِالبَاطِلِ
خامساً: ينبغي للمسلم إذا خشي اشتباه الناس فيه وتوقع سوء الظن منهم أن يشرح لهم حقيقة أمره محافظة على سلامة عرضه، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج مع صفية من المسجد ووقف يتحدث معها مر رجلان فأسرعا فقال صلى الله عليه وسلم " على رسلكما إنها صفية " فقالا: سبحان الله، يا رسول الله، أي هل نظن بك إلاّ خيراً، " فقال صلى الله عليه وسلم: إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً "، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقف موقف التهم، والله أعلم. مطابقة الحديث للترجمة: في كونها جزءاً منه.
34 -
باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة
42 -
الحديث: أخرجه الستة، وسائر كتب الحديث ما عدا الموطأ (2).
معنى الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم " الأعمال بالنية " أي لا تصح جميع العبادات الشرعية إلاّ بوجود النيَّة فيها، سواء كانت من المقاصد كالصلاة والصوم ونحوها، أو من الوسائل كالوضوء والغسل، فإذا وقعت العبادة بدون
(1) هذا الحديث ذكره الإمام البخاري في أول الكتاب، في باب بدء الوحي، ولكن المؤلف حفظه الله تعالى حذفه هناك، وذكره هنا بهذه الرواية، وبهذا اللفظ الذي جاء هنا، مع شرحه لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. (ع).
(2)
أخرجه " الموطأ " ص (401) برواية محمد بن الحسن.
هِجْرَته لِدُنيا يُصِيبها أوِ امْرَأةٍ يَتَزَوَّجهَا فهِجْرَتة إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".
ــ
نية كانت باطلة. أما المعاملات والجنايات، وأعمال القلوب، والأعمال العادية فإنها لا تتوقف صحتها على النية، لأن الأعمال وإن كانت في الأصل تطلق على جميع الأقوال والأفعال الصادرة من الإِنسان عبادة أو معاملة أو غيرها، إلّا أن المراد بها في هذا الحديث العبادات خاصة. " ولكل امرىء ما نوى " أي وإنما يعود على المسلم من عمله ما قصده منه، والحكم في هذه العبارة عامٌّ في جميع الأعمال من العبادات والمعاملات والأعمال العادية فمن قصد بعمله منفعة دنيوية، لم ينل إلاّ تلك المنفعة، ولو كان عبادة، فلا ثواب له عليها. ومن قصد بعمله التقرب إلى الله تعالى، وابتغاء مرضاته، نال من عمله المثوبة والأجر، ولو كان عملاً عادياً كالأكل والشرب والجماع، فإن عمل الدنيا يتحول بحسن النية إلى عبادة فنتائج الأعمال بنياتها إلاّ المحرمات فإن حسن النية لا يبرر اقتراف المعصية، فالحرام حرام، ولو حسنت نية فاعله.
ثم ختم النبي صلى الله عليه وسلم حديثه هذا بضرب الأمثلة العملية لبيان تأثير النيات في الأعمال، واختلاف النتائج باختلافها حيث قال:" فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله " أي فمن قصد بهجرته امتثال أمر ربه، وابتغاء مرضاته، والفرار بدينه من الفتن، فهجرته هجرة شرعية مقبولة عند الله تعالى، مأجور عليها بأجر المهاجرين، ولو مات في طريقه قبل الوصول إلى مهجره كما قال عز وجل:(ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)" ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها " أي ومن قصد بهجرته منفعة دنيوية وغرضاً شخصياً من مال أو تجارة أو زوجة حسناء، أوْ وَجَاهَة وسمعة، أو مركز يحصل عليه " أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " أي فلا ينال من هجرته إلاّ تلك المنفعة التي نواها، ولا نصيب له من الأجر والثواب. لأنَّه لا هجرة له شرعاً، وإنما هي رحلة عادية.
ويستفاد منه ما يأتي: أولاً: أن العبادات تتوقف صحتها على النية، سواء كانت مقاصد أو وسائل، وهو مذهب الجمهور، وذهب أبو حنيفة إلى تخصيص النية بالمقاصد فهي التي تحتاج إلى نية، أما الوسائل كالوضوء والغسل فإنه لا تتوقف صحته على النية، قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في شرح هذا الحديث:" وقد اتفق العلماء على أن العبادة المقصودة لنفسها، كالصلاة والصوم والحج لا تصلح إلاّ بالنية، وتنازعوا في الطهارة مثل من يكون عليه جنابة، فينساها ويغتسل للنظافة، فقال مالك والشافعي وأحمد: النية شرط لطهارة الأحداث كلها، وقال أبو حنيفة: لا تُشترط في الطهارة بالماء، بخلاف التيمم، وقال زفر: لا يُشترط في هذا ولا هذا. والذين يوجبون النية في طهارة الأحداث يحتجون بهذا الحديث على أبي حنيفة، قال ابن تيمية: وأبو حنيفة يسلم أن الطهارة غير المنْوية ليست عبادة ولا ثواب فيها، وإنما النزاع في صحة الصلاة بها فقوله: " إنما الأعمال بالنيات " لا يدل على محل النزاع إلّا إذا ضمت إليه مقدمة أخرى وهي أن الطهارة لا تكون إلاّ عبادة، والعبادة لا تصح إلاّ بنية (1). فالمسألة مدارها على أن الوضوء هل يقع على غير العبادة -أم لا- والجمهور يحتجون بالنصوص الواردة في ثوابه، كقوله صلى الله عليه وسلم " إذا توضأ العبد المسلم خرجت خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء " يقولون ففيه الثواب، والثواب لا يكون إلاّ مع النية فالوضوء لا يكون إلاّ بنية. وأبو حنيفة يقول: الطهارة شرط من شرائط الصلاة فلا تشترط لها النية كاللباس وإزالة النجاسة. وأولئك يقولون: اللباس والإِزالة يقعان عبادة وغير عبادة، ولهذا لم يرد نص بثواب الإِنسان على جنس اللباس والإِزالة، وقد وردت النصوص بالثواب على جنس الوضوء اهـ. والحاصل أن الجمهور يرون أن الوضوء والغسل " لا يقعان إلاّ عبادة يثاب عليهما كسائر العبادات بخلاف أبي
(1) رسالة في شرح هذا الحديث لابن تيمية، طبع دار الجيل، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة.
حنيفة، فإنه يرى أنّهما يقعان عبادة وغير عبادة، ولذلك لم يوجب النية فيهما، فإنْ نوى صح الوضوء والغسل وأثيْبَ عليهما وإن لم ينو صح الوضوء والغسل، ولم يثب عليهما. فالفرق بين من نوى ومن لم ينو إنما هو في الأجر والثواب، فهذا يؤجر، وذاك لا يؤجر، هذا هو قول أبي حنيفة عن النية في الوسائل، والحاصل أن النية عند المالكية فرض في الوضوء والغسل والتيمم والصلاة والزكاة والصوم، وركن في الحج، وعند الشافعية فرض في الوضوء والغسل والصوم وشرط في الزكاة، وركن في التيمم والصلاة والحج (1) وعند الحنابلة شرط في الوضوء والغسل والتيمم والصلاة والزكاة والصوم، وركن في الحج، وعند الحنفية شرط في التيمم والصلاة والزكاة والصوم والحج، سنة في الوضوء والغسل (2)، قال شيخ الإِسلام ابن تيمية:" وقال بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد: تشترط لإزالة النجاسة، وهذا القول شاذ، فإن إزالة النجاسة لا يشترط فيها عمل للعبد، بل تزول بالمطر النازل والنهر الجاري ونحو ذلك، فكيف تشترط لها النية، وأيضاً فإن إزالة النجاسة من باب التروك لا من باب الأعمال، ولهذا لو لم يخطر بباله في الصلاة أنه مجتنب النجاسة صحت صلاته إذا كان مجتنباً لها، ولهذا قال مالك وأحمد في المشهور عنه والشافعي في أحد قوليه: لو صلّى وعليه نجاسة لم يعلم بها إلّا بعد الصلاة لم يعد، لأنه من باب التروك (3) ". ثانياً: أن الأعمال العادية كالأكل والشرب والنكاح تتحول بحسن النية وقصد القربة والتقوّي على طاعة الله بإعفاف النفس، وصيانتها عن المآثم إلى عبادة يثاب عليها، كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم " وإنما لكل امرىء ما نوى " وكما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث
(1) فيض الإله للشيخ محمد أحمد الداه الشنقيطي.
(2)
فيض الإله للشيخ محمد أحمد الداه الشنقيطي.
(3)
رسالة ابن تيمية في شرح حديثاً " إنما الأعمال بالنيات "، طبع دار الجيل، بروت، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة.
43 -
عَنْ أبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إذَا أنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهْ صَدَقَة ".
ــ
القادم: " إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهو له صدقة ". ثالثاً: أن من نوى عملاً صالحاً لم يعمله لعذر حال بينه وبينه كتب له أجر ذلك كما يدل عليه عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " ولكل امرىء ما نوى " ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " إن الله يقول للحفظة يوم القيامة اكتبوا لعبدي كذا وكذا من الأجر، فيقولون يا ربّنا لم يحفظ ذلك عنه ولا هو في صحفنا، فيقول الله تعالى: إنه نواه ". مطابقة الحديث للترجمة: أنها جزء منه.
43 -
الحديث: أخرجه الشيخان والنسائي.
ترجمة راوي الحديث: هو أبو مسعود الأنصاري الخزرجي اسمه عقبة يقال له: البدري، وإن لم يشهد بدراً، لأنه سكنها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة وخمسين حديثاً، اتفقا منها على تسعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بسبعة سكن الكوفة ومات بها سنة إحدى وثلاثين من الهجرة رضي الله عنه وأرضاه.
معنى الحديث: أن أبا مسعود الأنصاري رضي الله عنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أنفق الرجل على أهله " أي إذا صرف الرجل ماله على أهله الذين يعولهم، وتجب عليه نفقتهم من زوجة وأولاد وغيرهم من أقاربه أي شيء من المال قليلاً كان أو كثيراً " يحتسبها " أي حال كونه يريد بتلك النفقة وجه الله وابتغاء مرضاته، ويقصد بها القربة إليه وامتثال أمره، راجياً منه الأجر والمثوبة، لا لمجرد العاطفة الإِنسانية، أو لكونه ملزماً بالنفقة عليهم " فهو له صدقة " أي فإن ذلك الانفاق يحتسب له عند الله عملاً صالحاً، وحسنة يثاب عليها ثواب الصدقة وليس معناه أن تلك النفقة تعطى حكم الصدقة، وإلا لما جاز الإنفاق على الزوجة الهاشمية.