الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
164 - " بَابُ الصَّعِيدِ الطيَبِ وَضُوءُ الْمُسْلمِ يَكْفِيهِ مِنَ المَاءِ
"
196 -
عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن رضي الله عنه قَالَ:
ــ
وكفيه. قال: وإنْ تَيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جازَ. قال المقدسي: وذلك لحديث ابن الصمة، فإنه دل على جواز التيمم بضربتين وحديث عمار يدل على الإِجزاء بضربة، ولا تنافي بينهما، لأن الله سبحانه قال:(فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ولم يذكر عدداً فمن ضرب ضربتين أو مسح أكثر من اليد إلى الكوع فقد وفَّى بموجب النص (1). اهـ. وذهب أبو حنيفة والشافعي في الجديد إلى أن التيمم ضربتان واجبتان، الأولى للوجه، والثانية لليدين إلى المرفقين، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:"التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين " رواه الدارقطني (2). وأما المالكية فقد قال ابن جُزَيّ: " يسن تجديد ضربة لليدين إلى المرفقين (3)، وقيل يجب " قال النفراوي " وعلى كل لو اقتصر على كوعيه فصلى يستحب له الإِعادة في الوقت (4). ثانياً: أن النفخ في الكفين بعد ضربهما بالأرض أو غيرها سنة أو مستحب كما أفاده العيني، والحكِمة فيه إزالة التلويث عن الوجه والكفين، خشية أن يكون علق بهما شيء فيصيب الوجه. والمطابقة: في قوله: " ونفخ فيهما ".
164 -
" باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء "
196 -
ترجمة الراوي: هو عمران بن حصين رضي الله عنه الخزاعي أسلم عام خيبر، وكان صاحب راية خزاعة يوم الفتح، وهو من فضلاء
(1) العدة في شرح عمدة الفقه لبهاء الدين المقدسي.
(2)
وقد تقدم قبل أنه حديث ضعيف. (ع).
(3)
القوانين الفقهية لابن جزي.
(4)
الفواكه الدواني للنفراوي.
كُنَّا في سَفَرٍ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإنَّا أسْرَيْنَا حتَّى إِذَا كُنَّا في آخِرِ اللَّيْلِ وَقَعْنَا وَقْعَةً، لَا وَقْعَةَ أحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْها، فَمَا أيقَظَنَا إلَّا حَرُّ الشَّمس، وكانَ أوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ وَفُلانٌ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ الرابعُ، وَكَان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا نامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ لأنَّا لا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ في نوْمِهِ، فلمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأى مَا أصَابَ النَّاسَ، وكَانَ رَجُلاً جَلِيداً، فَكَبَّر، وَرَفَعَ صَوْتَهُ بالتَّكْبِير، فما زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ
ــ
الصحابة وفقهائهم، ومن مزاياه ومناقبه المشهورة أنه كانت الملائكة تسلم عليه، ويرى الحفظة وتكلمه، وكان مجاب الدعوة، روى رضي الله عنه مائة وثمانين حديثاً، اتفقا على ثمانية، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بتسعة، قال الذهبي، وكان ممن اعتزل الفتنة، وقال ابن سيرين سقى بطن عمران ابن حصين ثلاثين سنة، كل ذلك يعرض عليه الكي فيأبى حتى كان قبل موته بسنتين فاكتوى، وتوفي عمران سنة اثنتين وخمسين (1) من الهجرة، وله مسند من مائة وثمانين حديثاً. اهـ.
معنى الحديث: يقول عمران بن حصين رضي الله عنه: " كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنَّا أسرينا " أي سرنا في آخر الليل " حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا وقعة لا وقعة أحلى عند المسافر منها " أي فسرنا مسافة طويلة، فأجهدنا السير وطال علينا السهر، فنزلنا في آخر الليل، ونحن في أشد الحاجة إلى النوم والراحة فنمنا نومة لذيذة حلوة، ليس لدى المسافر أحلى منها " وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يوقظ فإنا لا ندري ما يحدث له في نومه " أي لا نحب أن نوقظه من نومه، لأننا لا ندري ما يقع فيه من الرؤى، فقد يرى صلى الله عليه وسلم رؤيا، والرؤيا من الوحي فكيف نوقظة "فلما استيقظ عمر رأى ما أصاب
(1) سير أعلام النبلاء للذهبي ج 2.
بالتَّكْبِيرِ حتى اسْتَيْقَظَ بِصَوْتِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أصَابَهُمْ، قالَ: لا ضَيْرَ -أوْ لا يَضِيرُ- ارْتَحِلُوا، فارْتَحَلَوا، فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأ، ونُودِيَ بالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاس، فلما انْفَتَلَ مِنْ صَلَاِتهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، قال: مَا مَنَعَكَ يا فُلَانُ أن تُصَلِّىَ معَ الْقَوْمِ؟ قَالَ: أصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ولا مَاء، قَالَ: عَلَيْكَ بالصَّعِيدِ فإنَّهُ يَكْفِيكَ، ثمَّ سَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فاشْتكَى
ــ
الناس" من النوم عن صلاة الصبحٍ حتى طلعت الشمس " وكان رجلاً جليداً " أي وكان عمر رجلاً قوياً صلباً حازماً " فما زال يكبر " أي فكبر وتابع التكبير، وما زال يتابع التكبير " حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوته " على صوت عمر رضي الله عنه وعرف ما حدث لهم " قال لا ضَيْر " أي فطمأنهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم: لا ضير ولا حرج، ولا إثم عليكم في تأخيركم لصلاة الصبح عن وقتها بسبب النوم الذي غلب عليكم، لأن النوم عذر شرعي " ارتحلوا، فارتحلوا، فسار غير بعيد ثم نزل، فدعا بالوضوء " أي فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فانتقلوا من ذلك المكان، ثم طلب ماء يتوضأ به " فلما انفتل من صلاته " أي فلما انتهي النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته نظر، وتفقد الصحابة، فلما تفقدهم " إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم " فلفت ذلك انتباه النبي صلى الله عليه وسلم إليه، ودفعه إلى التساؤل عن حاله، وسبب اعتزاله لذلك " قال " للرجل " ما منعك أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد " أي إذا كنت لم تجد الماء، فإن هذا لا يمنعك من الصلاة، بل تيَمَّم بالصعيد الطاهر وصلِّ، " فإنه يكفيك " أي فإن التيمُّمَ بالصعيد الطاهر يكفيك عن الغسل بالماء عند عدم وجوده، لأنَّ الله قد شرع لعباده التيمم بدلاً عن الغسل عند عدم الماء أو عدم القدرة عليه. والصعيد
إليْهِ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ، فنَزَلَ فَدَعَا فُلَاناً، كَانَ يُسَمِّيهِ أبُو رَجَاءٍ، نَسِيَهُ عَوْفٌ، وَدَعَا عَلَيَّاً فَقَال: اذْهَبَا فابْتَغِيَا الْمَاءَ، فانْطَلَقَا، فَتَلَقَّيَا امْرأَة بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ أو سَطِيحَتَيْن مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فقالا لَها: أيْنَ الْمَاءُ؟ قَالَتْ: عَهْدِي بالْمَاءِ أمْسِ هَذ السَّاعةَ، ونَفَرُنَا خُلُوفٌ، قالا لَهَا: انطَلِقِي إذَنْ، قَالَت: إلى أين؟ قَالا: إلَى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الصَّابِىءُ؟ قالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، فانطَلِقِي، فجاءَا بِهَا إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وحَدَّثَاهُ الحدِيثَ، قَالَ: فاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا، ودَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
ــ
كل ما صعد على وجه الأرض من تراب أو حجارة أو حصى أو غيره " فدعا فلاناً كان يسميه أبو رجاء نسيه عوف " وهو عمران بن حصين راوي الحديث نفسه " ودعا علياً، فقال: اذهبا فابتغيا الماء " أي ابحثا عنه " فانطلقا " أي فذهبا يبحثان عن الماء " فتلقيا امرأة بين مزادتين " أي فوجدا امرأة راكبة على بعير مدلية رجليها بين قربتين " فقالا لها: أين الماء؟ فقالت - عهدي بالماء أمس هذه الساعة " أي عهدي بمكان الماء أمس في مثل هذه الساعة " ونفرنا خلوف " أي ورجالنا مسافرون وغائبون، ولا يوجد في ديارنا إلَّا النساء " فقالا لها انطلقي إذن " أي اذهبي معنا " قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: الذي يقال له الصابىء؟ " أي أتعنون برسول الله ذلك الرجل الذي تصفه قريش بالصابىء أي الخارج على دينه، وكانوا يصفونه بذلك ذماً له وطعناً فيه، ونسبة له إلى الكفر والضلال بمفارقة دينه، وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما خرج عن دينهم الباطل إلى الدين الحق الذي بعثه الله به، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الحق " فجاءا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثاه الحديث قال: فاستنزلوها عن بعيرها " أي فطلبوا منها أن تنزل عن بعيرها تنفيذاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم "ودعا
بإنَاءٍ فَفَرَّغَ فِيِه مِنْ أفْوَاهِ الْمزَادَنَيْنِ أو السَّطِيْحَتَيْنِ، وأوكأ أفْوَاهَهمَا، وأطْلَقَ العَزَالِي، ونودِيَ في النَّاسِ: اسْقوا واسْتَقُوا، فَسَقَا مَنْ شَاءَ، واستقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أنْ أعْطى الَّذِي أصَابَتْه الْجَنَابَة إِنَاءً مِنْ مَاءٍ، قالَ: اذْهَبْ فافرِغْهُ عَلَيْكَ، وَهِي قَائِمَةٌ تَنْظر إلى ما يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وأيم اللهِ لَقَدْ أقْلِعَ عَنْهَا، وإِنَّه لَيخَيَّل إِلَيْنَا أنهَا أشَدُّ مِلأة مِنْهَا حين ابْتَدَأ فيهَا، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اجْمَعوا لَهَا، فجَمَعُوا لها مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيْقَةٍ حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَاماً، فَجَعَلُوهَا في ثَوْبٍ، وَحَمَلُوْهَا عَلى بَعِيرِهَا، وَوَضَعوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا، قَالَ لَها: تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم بإناء ففرغ فيه من أفواه المزادتين" أي ففرغ الماء في ذلك الإِناء من أفواه المزادتين " وأوكأ أفوههما " أي ربط أفواه القربتين العليا " وأطلق العزَالِي " بفتح الزاي وكسر اللام، أي وفتح أفواه القربتين السفلى لكى يخرج الماء منها، " ونودي في الناس اسقوا واستقوا " أي اسقوا دوابكم واشربوا من هذا الماء الذي ساقه الله إليكم " فسقا من شاء، واستقى من شاء " أي فشربوا وسقوا دوابهم ومواشيهم " وهي قائمة تنظر " أي وهي واقفة تشاهد هذه الحوادث العجيبة بعينيها " وايم الله " وهو لفظ من ألفاظ القسم، أصله أيمن الله بضم الميم والنون، فحذفت النون تخفيفاً " قد أقلع عنها " بضم أوله وكسر ثالثه والبناء للمجهول، أي تُركتْ وكف الناس عنها " وإنه ليخيل إلينا أنها أشد مِلْأةً " بكسر الميم وسكون اللام أي امتلاءً " منها حين ابتدأ فيها " ومعنى ذلك أن الراوي يقسمٍ بالله تعالى على أن هاتين القربتين لم ينقصْ من مائهما بعد الشرب منهما شيئاً، بل إنه ليتراءى لأعينهم أن الماء قد زاد بعد شربهم منه عما كان عليه قبل أن يشربوا منه "فجمعوا من بين عجوة
شَيئَاً، وَلَكِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي أسْقَانَا، فَأتتْ أهلَهَا، وَقَدْ احتبست عَنْهُمْ قَالُوا: مَا حبسَكِ يَا فُلَانَةُ؟ قَالَتِ: الْعَجَبُ، لَقِيَني رَجُلَانِ فَذَهَبَا بي إلى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَه الصَّابِىءُ، ففعل كَذَا وكَذَا، فواللهِ إِنَّهُ لأسْحَرُ النَّاس من بين هذِه وَهَذِه، وقَالَتْ بأصْبَعَيْهَا الْوُسْطى والسَّبَّابَةِ فَرفَعَتُهُمَا إِلى السَّمَاءِ تَعْنِي السَّمَاءَ والأرْضَ، أو إِنَّهُ لَرَسُولُ الله حِقاً، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ
ــ
ودقيقة وسويقة" أي فجمعوا لها من أصناف الطعام، والأزواد الموجودة لديهم " وحملوها على بعيرها " أي وأركبوها على بعيرها " قال: تعلمين ما رزئنا (1) من مائك شيئاً " أي لقد علمت يقيناً، وشاهدت ببصرك، ورأيت رأي العين أننا لم ننقص من مائك شيئاً فنكون سبباً في إيذائك وإلحاق الضرر بك " ولكن الله هو الذي سقانا " أي ولكننا قد شربنا من الماء الذي ساقه الله إلينا وسقانا منه وقد أراد صلى الله عليه وسلم من كلامه هذا أن يلفت نظر تلك المرأة إلى أنّهم حين شربوا من القربتين لم يضروها بشيء وإنما شربوا من الماء الذي سقاه الله لهم، حيث أن ماء القربتين زاد ولم ينقص، فكان ذلك معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم نبهها إليها لتحدث قومها عنها، وهذا ما وقع منها عند رجوعها إليهم كما قال الراوي " فأتت أهلها وقد احتبست عنهم " أي تأخرت عنهم بعض الشيء " فقالوا ما حبسك يا فلانة، قالت: العجب " أي الذي أخرني عنكم أمرٌ عجيب، وقصة غريبة، ثم حكت لهم قصتها فقالت: " لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الرجل الذي يقال له الصابىء " أي فذهبا بي إلى محمد بن عبد الله الذي تسميه قريش " الصابىء " أي الخارج عن دينه، وكانوا يصفونه بذلك طعناً فيه وتشنيعاً عليه كما ذكرنا " ففعل كذا وكذا " أي فسقى الجيش كله من هاتين المزادتين دون أن ينقص من مائهما شيئاً، إلى غير ذلك
(1) مَا رَزِئْنَا بفتح الراء وكسر الزاي.
بَعْدَ ذَلِكَ، يُغِيرُونَ على مَنْ حَوْلَهَا مِنَ المُشْرِكِينَ ولا يُصيبُونَ الصِّرْمَ الذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْماً لِقَوْمِهَا: ما أرَى أنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمداً، فهلْ لكُمْ في الإِسْلامِ؟ فأطَاعُوهَا، فَدَخَلُوا في الإِسْلامِ.
ــ
من العجائب التي شاهَدَتْها، وحدثتهم عنها " فوالله إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه (1)، أو إنه لرسول الله حقاً " أي إنه لا يخلو من أمرين: إما أن يكون أسحر شخص موجود بين السماء والأرض، أو يكون نبياً ورسولاً صادقاً في نبوته ورسالته، لأن هذه الخوارق إما أن تكون سحراً، أو معجزةً " فكان المسلمون بعد ذلك يغزون مَنْ حولها من المشركين، ولا يصيبون الصِّرم " بكسر الصاد " التي هي فيه " أي ولا يغيرون على بيوت الشعر التي يسكنها قومها " فقالت يوماً لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمداً " أي الذي أراه وأعتقده أن المسلمين قد تركوا قتالكم متعمدين قاصدين ذلك حفظاً للجميل ووفاءً لصحبتي معهم، لا صدفة ولا خوفاً منكم " فهل لكم في الإسلام " أي فإني أرغبكم في الإِسلام، وأحثكم عليه وأنصح لكم به ما دامت هذه هي أخلاق المسلمين وشيمهم وهذه معجزات نبيهم صلى الله عليه وسلم " فأطاعوها فدخلوا في الإِسلام " أي وشرح الله صدورهم لدين الإِسلام.
ويستفاد منه ما يأتي: أولاً: مشروعية التيمُّم بجميع أجزاء الأرض من تراب ورمل وحجارة وغيرها متى كانت طاهرة لأنّ هذا ما يعنيه الصعيد الطيب في لغة العرب وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتيمم بالصعيد في قوله: " عليك بالصعيد الطيب فإنه يكفيك " وهو مصداق قوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) وفيه حجة للجمهور على جواز التيمم بكل أجزاء الأرض لا
(1) أي وأشارت بأصبعها الوسطى والسبابة إلى السماء والأرض مشيرة بالسبابة إلى السماء وبالوسطى إلى الأرض. والله أعلم.