الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن هذا محال أن يكون في كلام الله تعالى. وهو إما في اللفظ فقط والمعنى واحد. وإما فيهما مع جواز اجتماعهما في شيء واحد أو اختلافهما معا مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد، بل يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد. فالأول كالاختلاف في الصراط، والثاني نحو مالك بالألف وملك بغيرها، والثالث نحو وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا مشدّدا ومخففا، فمعنى المشدّد أن الرسل تيقنوا أن قومهم قد كذبوهم، ومعنى المخفف أن الرسل توهموا أن قومهم قد كذبوهم فيما أخبروهم به، فالظنّ في الأولى يقين، وفي الثانية شك، والضمائر الثلاثة للرسل، فكل قراءة حق وصدق نزلت من عند الله نقطع بذلك ونؤمن به.
التنبيه الثاني عشر: قد عدّ أربعة من الصحابة الآي: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك وعائشة
، ونقله عنهم التابعون. فمن أهل المدينة عروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، ومن أهل مكة عطاء بن أبي رباح وطاوس. ومن أهل الكوفة أبو عبد الرحمن السلمى وزر بن حبيش وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب. ومن أهل البصرة الحسن البصري وابن سيرين ومالك بن دينار وثابت البناني وأبو مجلز. ومن أهل الشام
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والفرقان والعنكبوت والنجم وصلا أثبت ألفها وقفا، ومن لم ينوّن حذفها: ومنهم من يثبت الألف وقفا وإن لم ينوّن وصلا، واتفقوا على تنوين مصرا في: اهبطوا مصرا، ويوقف عليها بالألف: ومنع الحسن صرفها فتحذف الألف، ومن نوّن تترى في سورة المؤمنين وقف عليها بالألف ولا تمال، ومن منع صرفها جعلها بوزن فعلى وقرأها وصلا ووقفا بالألف وجاز إمالتها، وأجمعوا على الوقف بالألف في: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي واختلفوا في الوصل فمنهم من أثبتها ومنهم من حذفها. وكل ما في القرآن من أيها يوقف عليه بالألف إلا في ثلاثة مواضع وهي: أيه المؤمنون في النور، وأيه الساحر في الزخرف. وأَيُّهَ الثَّقَلانِ في الرحمن فيجوز الوقف عليها بالهاء تبعا للخط.
كعب الأحبار فكان هؤلاء لا يرون بأسا بعدّ الآي، وروى أن عليّا عدّ الم آية، وكهيعص آية، وحم آية، وكذا بقية الحروف أوائل السور فهي عنده كلمات لا حروف لأن الحرف لا يسكت عليه ولا ينفرد وحده في السورة وقد يطلق الحرف على الكلمة والكلمة على الحرف مجازا، فما عدّه أهل الكوفة عن أهل المدينة ستة آلاف آية ومائتا آية وسبع عشرة آية. ثم عدّ ثانيا ستة آلاف آية ومائتي آية وأربع عشرة آية، وعدّه المكيون ستة آلاف آية ومائتي آية وتسع عشرة آية، وعدّه الكوفيون ستة آلاف آية ومائتي آية وثلاثين وست آيات، وعدّه البصريون ستة آلاف ومائتين وأربع آيات. وأما عدد كلمه وحروفه على قول عطاء بن يسار فسبعة وسبعون ألفا وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة.
وحروفه ثلاثة مائة ألف وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا. وقال ابن عباس حروف القرآن ثلاثمائة ألف وثلاثة وعشرون ألف حرف وستمائة حرف وأحد وسبعون حرفا. فحروف القرآن متناهية ومعانيها غير متناهية، وفي الجامع الصغير «القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابرا
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الباب الثامن: في كلا وهي حرف على الأصح والوقوف عليها مختلفة الأحوال، فمنها ما يصلح للوقف عليه والابتداء به، ومنها ما لا يصلح لهما، ومنها ما يصلح لأحدهما دون الآخر، وسنذكر كلا منها في السورة التي هي فيها. والوارد منها في القرآن ثلاثة وثلاثون موضعا كلها في النصف الأخير وتكون لمعان، لأنها قد تكون حرف ردع وزجر نحو:
رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ، كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها.
ونحو: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ، وقد تكون حرف جواب بمعنى إي ونعم نحو: وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ كَلَّا وَالْقَمَرِ، معناه إي والقمر، وقد تكون بمعنى ألا الاستفتاحية نحو: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ، كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ، وقد تكون بمعنى حقا. ونقله ابن الأنباري عن المفسرين نحو:
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى، وكَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، وردّ الأول بأن إن لا
محتسبا كان له بكل حرف زوجان من الحور العين» طس عن عمر. قال أبو نصر: غريب الإسناد والمتن.
أوّل من جمع الناس في القرآن على حرف واحد، ورتب سوره عثمان بن عفان، وأوّل من نقطه أبو الأسود الدؤلي بأمر عبد الملك بن مروان، وعدد نقطه مائة ألف وخمسون ألفا وإحدى وخمسون نقطة، وعدد جلالاته ألفان وستمائة وأربعة وتسعون. وليس الاختلاف في عدد الحروف اضطرابا في عدّها بل هو إما باعتبار اللفظ أو الخط. لأن الكلمة تزيد حروفها في اللفظ، والشارع إنما اعتبر رسمها دون لفظها، لقوله في الحديث:«اقرءوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه، أما إني لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تعلموا القرآن واتلوه فإنكم تؤجرون فيه بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول الم حرف ولكن ألف ولام وميم ثلاثون حسنة» أما ترى أن الم في الكتابة ثلاثة أحرف، وفي اللفظ تسعة أحرف، فلو كانت الكلمة تعدّ حروفها لفظا على سبيل البسط دون رسمها لوجب أن يكون لقارئ الم تسعون حسنة، إذ هي في اللفظ تسعة
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تكسر بعد حقا ولا بعد ما هو بمعناها، وإذا كانت للردع والزجر جاز الوقف عليها والابتداء بما بعدها. وإذا صلحت لذلك ولغيره جاز الوقف عليها والابتداء بها على اختلاف التقديرين.
الباب التاسع في الكلمتين اللتين ضمت إحداهما إلى الأخرى فصارتا كلمة واحدة لفظا وهي ضربان: أحدهما أن يضمّ المعنى أيضا فلا يفصل بينهما بحال، لأنهما كلمة واحدة. وثانيهما أن لا يضمّ المعنى فيجوز الفصل بينهما لضرورة، وكذا هما في الخط ضربان: أحدهما أن تكتبا منفصلتين. والثاني أن تكتبا متصلتين، والوقف عليهما مبنيّ
أحرف، فلما قال الصحابي وبعضهم يرفعه أنها ثلاثة أحرف وأن لقارئها ثلاثين حسنة لكل حرف عشر حسنات ثبت أن حروف الكلمة إنما تعدّ خطّا لا لفظا، وأن الثواب جار على ذلك، والمضاعفة مختلفة فنوع إلى عشرة ونوع إلى خمسين، كما هو في لفظ:«من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف خمسون حسنة» والمعتبر ما رسم في المصحف الإمام.
التنبيه الثالث عشر (1): اختلف في الحروف التي في أوائل السور.
قال الصدّيق والشعبي والثوري وغيرهم: هي سرّ الله تعالى في القرآن، وهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه. قال الأخفش: كل حرف من هذه الأحرف قائم بنفسه يحسن الوقف عليه، والأولى الوقف على آخرها اتباعا للرسم العثماني، وبعضهم جعلها أسماء للسور. وحاصل الكلام فيها أن فيها أقوالا
ــ
على الخط، فمن ذلك قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ، فماذا على وجهين: أحدهما أن تكون ما مع ذا كلمة واحدة، والآخر أن تكون ذا بمعنى الذي فيكونان كلمتين، فالعفو على الأول منصوب بفعل مقدّر: أي قل ينفقون العفو، وعلى الثاني مرفوع خبر مبتدإ محذوف: أي قل الذي ينفقونه هو العفو، ومن الأول قوله تعالى في النحل: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً. ومن الثاني قوله فيها: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، ومن ذلك قوله تعالى: أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى، وقوله: أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ*، قرئ بإسكان الواو وفتحها، فمن فتحها بجعلها واو عطف والهمزة للاستفهام كانت مع ما بعدها كلمة واحدة، لأنها وحدها لا
(1) المختار في هذه الحروف أحد أمرين:
الأول: إما أن الله تعالى استأثر بعلمها.
الثاني: أن الله تعالى أنزلها على جهة الإعجاز وكأنه يقول للكفار هذه الحروف التي تؤلفون منها كلامكم هي الحروف التي ألف منها القرآن العظيم ومع تشابه أجناس الحروف، فلن تستطيعوا أن تأتوا بمثله، وللتفصيل انظر التفسير الكبير للرازي (1/ 356)، روح المعاني للآلوسي (1/ 98).