المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب مراتب الوقف: - منار الهدى في بيان الوقف والابتدا ومعه المقصد لتلخيص ما في المرشد

[الأشموني، المقرئ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌فوائد مهمة تحتاج إلى صرف الهمة

- ‌الفائدة الأولى: في ذكر الأئمة الذين اشتهر عنهم هذا الفنّ وهو فنّ جليل:

- ‌الفائدة الثانية: في الوقف والابتداء

- ‌مطلب تنوع الوقف

- ‌مطلب مراتب الوقف:

- ‌تنبيهات

- ‌سورة البقرة ثمان سنين، أخرجه مالك في موطئه، وما نقل عن الصحابة فالنفس إليه أميل مما نقل عن التابعين، لأن قول الصحابي كذا له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خصوصا من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم كابن عباس حيث قال له: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل». قال ابن عباس:

- ‌التنبيه الثاني عشر: قد عدّ أربعة من الصحابة الآي: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك وعائشة

- ‌مطلب علوم القرآن ثلاثة

- ‌مطلب استخراج عمر النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن

- ‌التنبيه الرابع عشر: في بيان ثواب القارئ

- ‌[مطالب]

- ‌مطلب أهل الجنة يقرءون فيها:

- ‌مطلب كيفية قراءة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌مطلب ما لقارئ القرآن في بيت المال

- ‌مطلب الاستعاذة

- ‌مطلب البسملة

- ‌مطلب وصل أوائل السورة بأواخرها

- ‌سورة الفاتحة

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعراف

- ‌سورة الأنفال

- ‌سورة التوبة

- ‌سورة يونس عليه السلام

- ‌سورة هود عليه السلام

- ‌سورة يوسف عليه السلام

- ‌سورة الرعد

- ‌سورة إبراهيم عليه السلام

- ‌سورة الحجر

- ‌سورة النحل

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة مريم عليها السلام

- ‌سورة طه عليه الصلاة والسلام

- ‌سورة الأنبياء عليهم السلام

- ‌سورة الحج

- ‌سورة المؤمنون

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة الشعراء

- ‌سورة النمل

- ‌سورة القصص

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الروم

- ‌سورة لقمان

- ‌سورة السجدة

- ‌سورة الأحزاب

- ‌سورة سبأ

- ‌سورة الملائكة

- ‌سورة يس

- ‌سورة والصافات

- ‌سورة ص

- ‌سورة الزمر

- ‌سورة المؤمن

- ‌سورة فصلت

- ‌سورة الشورى

- ‌سورة الزخرف

- ‌سورة الدخان

- ‌سورة الجاثية

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة القتال

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سورة والذاريات

- ‌سورة والطور

- ‌سورة والنجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الصف

- ‌سورة الجمعة

- ‌سورة المنافقين

- ‌سورة التغابن

- ‌سورة الطلاق

- ‌سورة التحريم

- ‌سورة الملك

- ‌سورة القلم

- ‌سورة الحاقة

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح عليه السلام

- ‌سورة الجن

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة والمرسلات

- ‌سورة النبإ

- ‌سورة والنازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة الرحيق

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الطارق

- ‌سورة الأعلى عز وجل

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة والفجر

- ‌سورة البلد

- ‌سورة والشمس

- ‌سورة والليل

- ‌سورة والضحى

- ‌سورة الانشراح

- ‌سورة والتين

- ‌سورة العلق

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البينة

- ‌سورة الزلزلة

- ‌سورة والعاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة والعصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌سورة النصر

- ‌سورة تبت

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورتا الفلق والناس

الفصل: ‌مطلب مراتب الوقف:

الكافي، أو لا يتصل ما بعده بما قبله معنى ويتصل لفظا، وهو الحسن، والخامس متردّد بين هذه الأقسام، فتارة يتصل بالأول، وتارة بالثاني على حسب اختلافهما قراءة وإعرابا وتفسيرا، لأنه قد يكون الوقف تاما على تفسير وإعراب وقراءة، غير تام على غير ذلك وأمثلة ذلك تأتي مفصلة في محلها.

‌مطلب مراتب الوقف:

وأشرت إلى مراتبه بتامّ أو أتمّ، وكاف وأكفى، وحسن، وأحسن، وصالح وأصلح، وقبيح، وأقبح، فالكافي والحسن يتقاربان، والتام فوقهما، والصالح دونهما في الرتبة فأعلاها الأتمّ ثم الأكفى، ثم الأحسن، ثم الأصلح، ويعبر عنه بالجائز. وأما وقف البيان، وهو أن يبين معنى لا يفهم بدونه كالوقف على قوله تعالى: وَتُوَقِّرُوهُ (1) فرق بين الضميرين، فالضمير في وتوقروه للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي تسبحوه لله تعالى، والوقف أظهر هذا المعنى المراد، والتام على قوله:

وَأَصِيلًا* وكالوقف على قوله: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ (2) ثم يبتدئ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ (3) بين الوقف على عليكم أن الظرف بعده متعلق

ــ

مدّة ولم تسقط لئلا يلتبس الخبر بالاستفهام لانفتاح كل منهما، وإن لم تصحبها لام التعريف كسرت على الأصل في التقاء الساكنين، وذلك في تسعة أسماء: اسم وامرؤ وامرأة، واثنان واثنتان، وابن وابنم، وابنة واست.

الباب الثاني: في الياءات وهي ضربان: ياءات تثبت خطّا، وياءات تحذف استغناء بالكسرة قبلها، فالثابتة لا تحذف لفظا ولا وصلا ولا وقفا وهي تقع حشو الآية لا آخرها نحو:

(1) الفتح: 9.

(2)

يوسف: 92.

(3)

يوسف: 92.

ص: 28

بمحذوف، وليس متعلقا باسم لا، لأن اسمها حينئذ شبيه بالمضاف، فيجب نصبه وتنوينه. قاله في الإتقان. فالتامّ سمى تامّا، لتمام لفظه بعد تعلقه وهو ما يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده، ولا يتعلق ما بعده بشيء مما قبله لا لفظا ولا معنى. وأكثر ما يوجد عند رءوس الآي غالبا، وقد يوجد قرب آخرها كقوله: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً (1) هنا التمام، لأنه آخر كلام بلقيس، ثم قال تعالى: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (2) وهو أتمّ، ورأس آية أيضا، ولا يشترط في التام أن يكون آخر قصة كقوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ (3) فهو تام، لأنه مبتدأ وخبر، وإن كانت الآيات إلى آخر السورة قصة واحدة ونحوه: لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي (4) هنا التام، لأنه آخر كلام الظالم أبي بن خلف، ثم قال تعالى: وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (5) وهو أتمّ، ورأس آية أيضا، وقد يوجد بعد رأس الآية كقوله: مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ (6) هنا التامّ، لأنه معطوف على المعنى: أي تمرون عليهم بالصبح وبالليل، فالوقف عليه تامّ،

ــ

إني أعلم، وأنصارى إلى الله، وطهر بيتي للطائفين، وهي كثيرة إلا أن فيها ما له نظائر محذوفة خطّا. فلا بد من معرفتها لئلا تلتبس الثابتة بالمحذوفة فيذهب القارئ إلى جواز حذف الثابت منها وحاذفه

لاحن، فالثابتة في البقرة: وَاخْشَوْنِي، وفي آل عمران: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وفي

(1) النمل: 34.

(2)

النمل: 34.

(3)

الفتح: 29.

(4)

الفرقان: 29.

(5)

الفرقان: 29.

(6)

الصافات: 137: 138.

ص: 29

وليس رأس آية، وإنما رأسها مصبحين، وأَ فَلا تَعْقِلُونَ (1) أتمّ، لأنه آخر القصة، ومثله يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً (2) رأس الآية يتكئون، وزخرفا هو التمام، لأنه معطوف على سقفا، ومن مقتضيات الوقف التام الابتداء بالاستفهام ملفوظا به أو مقدّرا، ومنها أن يكون آخر قصة وابتداء أخرى وآخر كل سورة، والابتداء بياء النداء غالبا، أو الابتداء بفعل الأمر، أو الابتداء بلام القسم، أو الابتداء بالشرط، لأن الابتداء به ابتداء كلام مؤتنف أو الفصل بين آية عذاب بآية رحمة أو العدول عن الإخبار إلى الحكاية أو الفصل بين الصفتين المتضادتين، أو تناهي الاستثناء أو تناهي القوم أو الابتداء بالنفي أو النهي، وقد يكون الوقف تامّا على تفسير وإعراب وقراءة، غير تامّ على آخر نحو وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ (3) تامّ إن كان والراسخون مبتدأ خبره يقولون على أن الراسخين لم يعلموا تأويل المتشابه، غير تام إن كان معطوفا على

ــ

الأنعام: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي، وفي الأعراف: الْمُهْتَدِي، وفي هود:

فَكِيدُونِي، وفي يوسف: وَمَنِ اتَّبَعَنِي، وما نَبْغِي، وفي الحجر: أَبَشَّرْتُمُونِي وفي الكهف: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي، وفي مريم:

فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ، وفي طه: فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي، وفي القصص:

أَنْ يَهْدِيَنِي وفي يس: وَأَنِ اعْبُدُونِي. وفي المنافقين: لَوْلا أَخَّرْتَنِي، ومن ذلك: فَلا تَسْئَلْنِي في الكهف عند الجمهور. وروى عن ابن عامر حذف الياء فيه. وأما قوله: بِهادِي الْعُمْيِ، وهما موضعان في النمل والروم. قال ابن الأنباري: فالياء محذوفة منه في الروم دون النمل،

(1) الصافات: 138.

(2)

الزخرف: 34، 35.

(3)

آل عمران: 7.

ص: 30

الجلالة، وأن الراسخين يعلمون تأويل المتشابه: كما سيأتي بأبسط من هذا في محله. والكافي ما يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده واستغناء ما بعده عنه بأن لا يكون مقيدا له، وعود الضمير إلى ما قبل الوقف لا يمنع من الوقف، لأن جنس التام، والكافي جميعه كذلك، والدليل عليه ما صح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال لي رسول الله «اقرأ عليّ» فقلت يا رسول الله أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ فقال:«إني أحب أن أسمعه من غيري» ، قال:

فافتتحت سورة النساء فلما بلغت شهيدا، قال لي:«حسبك» (1) ألا ترى أن الوقف على شهيدا كاف وليس بتام، والتامّ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (2) لأنه آخر القصة وهو في الآية الثانية، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقف دون التامّ مع قربه، فدل هذا دلالة واضحة على جواز الوقف على الكاف، لأن قوله يومئذ إلخ ليس قيدا لما قبله، وفي الحديث نوع إشارة إلى أن ابن مسعود كان صيتا.

قال عثمان النهدي: صلى بنا ابن مسعود المغرب بقل هو الله أحد فوددنا أنه لو قرأ سورة البقرة من حسن صوته وترتيله، وكان أبو موسى الأشعري كذلك،

ــ

فمن وقف على التي في النمل أثبت، ومن وقف على التي في الروم جوّز الحذف كما في الخط والجمهور يحذفون كل الياءات المحذوفة عند الوقف عليها اتباعا للمصحف، وكان يعقوب يثبت الياءات كلها في الوقف وإن كانت محذوفة في الخط إلا المنوّن والمنادي كهاد ووال ويا قوم ويا عباد وسيأتي بيانه. وأما نظائر هذه الياءات وهي محذوفة خطا، ففي آل عمران: وَمَنِ اتَّبَعَنِ، وفي المائدة: وَاخْشَوْنِ، وفي الأنعام: وَقَدْ هَدانِ، وفي الأعراف: ثُمَّ كِيدُونِ، وفي الإسراء: أَخَّرْتَنِ، وفيها وفي الكهف:

(1) صحيح: أخرجه البخاري (9/ 81)، وأحمد في المسند (1/ 374) من حديث ابن مسعود.

(2)

النساء: 42.

ص: 31

ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوته وهو يقرأ القرآن. فقال «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود» كان داود عليه السلام إذا قرأ الزبور تدنو إليه الوحوش حتى تؤخذ بأعناقها، والمراد بقوله: وآتاه الله الملك هو الصوت الحسن. قاله السمين: وعلامته أن يكون ما بعده مبتدأ أو فعلا مستأنفا أو مفعولا لفعل محذوف، نحو وعد الله، وسنة الله أو كان ما بعده نفيا أو إن المكسورة أو استفهاما أو بل أو ألا المخففة أو السين أو سوف، لأنها للوعيد، ويتفاضل في الكفاية، نحو فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (1) صالح فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً (2) أصلح منه، بما كانوا يكذبون أصلح منهما، وقد يكون كافيا على تفسير وإعراب وقراءة، غير كاف على آخر، نحو يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ (3) كاف إن جعلت ما نافية، حسن إن جعلتها موصولة، وتأتي أمثلة ذلك مفصلة في محالها، والحسن ما يحسن الوقف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده إذ كثيرا ما تكون آية تامة وهي متعلقة بما بعدها ككونها استثناء، والأخرى مستثنى منها، إذ ما بعده مع ما قبله كلام واحد من جهة المعنى كما تقدم، أو من حيث كونه نعتا لما قبله أو بدلا أو حالا أو توكيدا نحو: الحمد لله حسن، لأنه

ــ

الْمُهْتَدِ، وفي الكهف: إِنْ تَرَنِ، أَنْ يُؤْتِيَنِ، ما كُنَّا نَبْغِ، أَنْ يَهْدِيَنِ. وفي المؤمن والزخرف: اتَّبِعُونِ، فالجمهور على حذفها لفظا كما حذفت خطّا ويعقوب يثبتها وصلا ووقفا والياءات الواقعة آخر الآيات كقوله: فَارْهَبُونِ*، فَاتَّقُونِ*، وَلا تَكْفُرُونِ، وَأَطِيعُونِ*، والقراء على حذف الياء منها وصلا ووقفا إلا يعقوب فأثبتها في الحالين.

(1) البقرة: 10.

(2)

البقرة: 10.

(3)

البقرة: 102.

ص: 32

في نفسه مفيد يحسن الوقف عليه دون الابتداء بما بعده للتعلق اللفظي، وإن رفع ربّ على إضمار مبتدأ أو نصب على المدح وبه قرئ، وحكى سيبويه الحمد لله أهل الحمد برفع اللام ونصبها، فلا يقبح الابتداء به كأن يكون رأس آية نحو رَبِّ الْعالَمِينَ* يجوز الوقف عليه، لأنه رأس آية، وهو سنة، وإن تعلق ما بعده بما قبله لما ثبت متصل الإسناد إلى أمّ سلمة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته يقول: بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم ثم يقف، ثم يقول الحمد لله ربّ العالمين ثم يقف، ثم يقول الرحمن الرحيم ثم يقف» (1) وهذا أصل معتمد في الوقف على رءوس الآي، وإن كان ما بعد كلّ مرتبطا بما قبله ارتباطا معنويّا، ويجوز الابتداء بما بعده لمجيئه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون الوقف حسنا على قراءة، غير حسن على أخرى، نحو الوقف على مُتْرَفِيها (2) فمن قرأ أمرنا بالقصر والتخفيف وهي قراءة العامة من الأمر: أي أمرناهم بالطاعة فخالفوا فلا يقف على مترفيها، ومن قرأ آمرنا (3) بالمد والتخفيف بمعنى كثرنا، أو قرأ أمّرنا بالقصر والتشديد من الإمارة بمعنى

ــ

ذكر ياءات حذفت خطأ لسقوطها درجا والعربية توجب إثباتها وهي الياءات التي هي لامات الفعل، وكلها في محل الرفع نحو: وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما، ويقص الحق، حقّا علينا ننج المؤمنين، لهاد الذين آمنوا، فيوقف عليها بالحذف تبعا للخط ويعقوب يثبتها وقفا، وحذفت من: إن يردن الرحمن في يس، وليست من الياءات، لأنها ليست من نفس الكلمة، وحذفت من الواد، ووقف عليها الكسائي بالياء حيث جاء وخالف أصله في اتباع الكتابة.

(1) صحيح: رواه أبو داود (1466)، والترمذي (2924)، والنسائي (3/ 214)، وأحمد في المسند (6/ 294).

(2)

الإسراء: 16.

(3)

قراءة المد والتخفيف قراءة يعقوب، وأما قراءة أمّرنا بالقصر والتشديد فشاذة.

ص: 33

سلطنا حسن الوقف على مترفيها، وهما شاذان لا تجوز القراءة بهما، وقد يكون الوقف حسنا والابتداء قبيحا نحو يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ (1) الوقف حسن، والابتداء بإياكم قبيح لفساد المعنى، إذ يصير تحذيرا عن الإيمان بالله تعالى. ولا يكون الابتداء إلا بكلام موفّ للمقصود. والجائز هو ما يجوز الوقف عليه وتركه، نحو وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ (2) فإن واو العطف تقتضي عدم الوقف، وتقديم المفعول على الفعل يقتضي الوقف، فإن التقدير ويوقنون بالآخرة، لأن الوقف عليه يفيد معنى وعلامته أن يكون فاصلا بين كلامين من متكلمين، وقد يكون الفصل من متكلم واحد كقوله لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ (3) الوقف جائز فلما لم يجبه أحد أجاب نفسه بقوله: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (4) وكقوله: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ (5) هنا الوقف. ثم يبتدئ رسول الله على أنه منصوب بفعل مقدّر، لأن اليهود لم يقرّوا بأن عيسى رسول الله، فلو وصلنا عيسى ابن مريم برسول الله لذهب فهم من

ــ

ذكر ياءات مقرونة بنون الجمع حال النصب والجرّ، والنون محذوفة للإضافة، والياء ثابتة خطّا فتثبت لفظا في الوقف نحو: حاضري المسجد الحرام، ومحلى الصيد، والمقيمي الصلاة، ولا ترد وقفا إذ لم تثبت خطّا، ولأن حكم الإضافة لم يزل بالوقف، وإلا لوجب أن لا يجرّ ما بعد الياء، لأن الجرّ إنما كان بالإضافة وقد زالت، فمن زعم ردّ النون فقد أخطأ وخرق الإجماع وزاد في القرآن ما ليس منه.

(1) الممتحنة: 1.

(2)

البقرة: 4.

(3)

غافر: 16.

(4)

غافر: 16.

(5)

النساء: 157.

ص: 34

لا مساس له بالعلم أنه من تتمة كلام اليهود فيفهم من ذلك أنهم مقرّون أنه رسول الله وليس الأمر كذلك، وهذا التعليل يرقيه ويقتضي وجوب الوقف على ابن مريم وبرفعه إلى التامّ. والقبيح وهو ما اشتدّ تعلقه بما قبله لفظا ومعنى ويكون بعضه أقبح من بعض نحو إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي (1)، فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (2) فإنه يوهم غير ما أراده الله تعالى، فإنه يوهم وصفا لا يليق بالباري سبحانه وتعالى، ويوهم أن الوعيد بالويل للفريقين، وهو لطائفة مذكورين بعده، ونحو لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ (3) يوهم إباحة ترك الصلاة بالكلية، فإن رجع ووصل الكلام بعضه ببعض غير معتقد لمعناه فلا إثم عليه، وإلا أثم مطلقا وقف أم لا، ومما يوهم الوقف على الكلام المنفصل الخارج عن حكم ما وصل به، نحو إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى (4) لأن

ــ

ذكر ياءات تثبت خطا وتحذف لفظا في الوصل للساكن بعدها وتثبت في الوقف وهي كثيرة نحو: الْقَتْلى الْحُرُّ، مُوسَى الْكِتابَ*، وَيَأْبَى اللَّهُ، يُوَفَّى الصَّابِرُونَ.

ذكر المنادى المضاف إلى ياء المتكلم ياؤه محذوفة خطّا فكذا لفظا نحو: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ*، يا قَوْمِ اذْكُرُوا، يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا، رَبِّ ارْجِعُونِ، رَبِّ اغْفِرْ لِي*، ويا عِبادِ فَاتَّقُونِ، ويا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا وهما في الزمر، لكنهم أثبتوها خطّا في يا عِبادِيَ الَّذِينَ

(1) البقرة: 26.

(2)

الماعون: 4.

(3)

النساء: 43.

(4)

الأنعام: 36.

ص: 35

الموتى لا يسمعون ولا يستجيبون، إنما أخبر الله عنهم أنهم يبعثون ومنه وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا (1) ونحو: لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ (2) ونحو: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ (3) ونحو: فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا (4) ونحو: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي (5) وشبه ذلك من كل ما هو خارج عن حكم الأول من جهة المعنى، لأنه سوّى بالوقف بين حال من آمن ومن كفر، وبين من ضلّ ومن اهتدى فهذا جليّ الفساد، ويقع هذا كثيرا ممن يقرأ تلاوة لحرصه على النفس فيقف على بعض الكلمة دون بعض، ثم يبني على صوت غيره ويترك ما فاته، ومثل ذلك ما لو بني كل واحد على قراءة نفسه، إذ لا بدّ أن يفوته ما قرأه بعضهم، والسنة المدارسة، وهو أن يقرأ شخص حزبا ويقرأ الآخر عين ما قرأه الأول وهكذا، فهذه هي السنة التي كان يدارس جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بها في رمضان، فكان جبريل يقرأ أولا ثم يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم عين ما قرأه جبريل. قال تعالى: فَإِذا قَرَأْناهُ (6) أي على لسان جبريل فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (7) وأما الأقبح فلا يخلو: إما أن يكون الوقف والابتداء قبيحين، أو يكون الوقف

ــ

آمَنُوا في العنكبوت، ويا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا في الزمر فتثبت في الوقف، واختلفوا في: يا عبادي لا خوف عليكم في الزخرف فعن أبي عمرو أنه وجدها

(1) المائدة: 9 - 10.

(2)

الرعد: 18.

(3)

الأعراف: 178.

(4)

آل عمران: 20.

(5)

إبراهيم: 36.

(6)

القيامة: 18.

(7)

القيامة: 18.

ص: 36

حسنا والابتداء قبيحا، فالأول كأن يقف بين القول والمقول نحو وَقالَتِ الْيَهُودُ (1) ثم يبتدئ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ (2) أو وَقالَتِ النَّصارى (3)، ثم يبتدئ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ (4) أو قالَتِ الْيَهُودُ (5) ثم يبتدئ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ (6) أو لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا ثم يبتدئ إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ (7) وشبه ذلك من كل ما يوهم خلاف ما يعتقده المسلم. قال أبو العلاء الهمداني: لا يخلو الواقف على تلك الوقوف: إما أن يكون مضطرّا أو متعمدا، فإن وقف مضطرّا وابتدأ ما بعده غير متجانف لإثم ولا معتقد معناه لم يكن عليه وزر، وقال شيخ الإسلام: عليه وزر إن عرف المعنى، لأن الابتداء

ــ

ثابتة في مصاحف أهل المدينة فكان يثبتها وصلا ووقفا، وأهل الكوفة يحذفونها فيهما.

وعن أبي بكر عن عاصم فتحها والوقف عليها بالياء، وكل ما ذكر من العباد مضافا غير منادى فياؤه ثابتة كقوله: يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ، قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ، ويوقف عليها بالياء إلا قوله: فَبَشِّرْ عِبادِ. فأكثر القراء على أنها محذوفة خطّا فكذا تحذف لفظا في الوقف، وقيل بتحريكها وصلا فيجب إثباتها وقفا، ومثلها في ذلك الياء في يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا في الزمر، وفي فَما آتانِيَ اللَّهُ في النمل.

ذكر المنوّن يوقف عليه بغير ياء عند الأكثر تبعا للخط نحو: باق وهاد ومهتد ومفتر، وابن

(1) التوبة: 30.

(2)

التوبة: 30.

(3)

التوبة: 30.

(4)

التوبة: 30.

(5)

المائدة: 64.

(6)

المائدة: 64.

(7)

المائدة: 73.

ص: 37

لا يكون إلا اختياريّا. وقال أبو بكر بن الأنباري: لا إثم عليه وإن عرف المعنى، لأن نيته الحكاية عمن قاله وهو غير معتقد لمعناه، وكذا لو جهل معناه، ولا خلاف بين العلماء أن لا يحكم بكفره من غير تعمد واعتقاد لمعناه، وأما لو اعتقد معناه فإنه يكفر مطلقا وقف أم لا، والوصل والوقف في المعتقد سواء. إذا علمت هذا عرفت بطلان قول من قال: لا يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقف على سبعة عشر موضعا، فإن وقف عليها وابتدأ ما بعدها فإنّه يكفر ولم يفصل، والمعتمد ما قاله العلامة النكزاوي أنه لا كراهة إن جمع بين القول والمقول، لأنه تمام قول اليهود والنصارى، والواقف على ذلك كله غير معتقد لمعناه، وإنما هو حكاية قول قائلها حكاها الله عنهم، ووعيد ألحقه الله بالكفار، والمدار في ذلك على القصد وعدمه، وما نسب لابن الجزري من تكفير من وقف على تلك الوقوف ولم يفصل فنفي ذلك نظر نعم إن صحّ عنه ذلك حمل على ما إذا وقف عليها معتقدا معناها فإنه يكفر سواء وقف أم لا، والقارئ والمستمع المعتقدان ذلك سواء، ولا يكفر المسلم إلا

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كثير يثبت بعضها كما هو مبين في محله لزوال التنوين المانع من ثبوت الياء وصلا، فإن عرّف الاسم بأل كالداعي والمهتدي جاز إثبات الياء وحذفها وصلا ووقفا في الرفع والجر.

أما في النصب فلا تحذف الياء بحال سواء كان الاسم معرّفا أو منوّنا نحو: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ، وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ، لخفة الفتحة وأما لام الأفعال المضارعة من ذوات الواو فثابتة خطّا كقوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ، وإن حذفت لفظا، وقد حذفت خطا ولفظا في أربعة مواضع استغناء عنها بالضمة وللاتقاء الساكنين وهي: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ، وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ، ويَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ، وسَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ، وعلى حذفها في الجميع الجمهور، وأثبتها فيه يعقوب، وما ثبت خطّا لم يحذف وقفا، وواو الجمع تثبت خطّا ووقفا نحو: صالوا الْجَحِيمِ، وَامْتازُوا الْيَوْمَ، وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ، وما حذف من الكلمة من واو وياء للجازم غير ما مرّ.

ص: 38

إذا جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وما نسب لابن الجزري من قوله:

[الرجز]

مغلولة فلا تكن بواقف

فإنه حرام عند الواقف

ما لم يكن قد ضاق منك النفس

فإن تكن تصغى فأنت القبس

ولا على إنّا نصارى قالوا

أيضا حرام فاعرفن ما قالوا

ولا على المسيح ابن الله

فلا تقف واستعذن بالله

فإنه كفر لمن قد علما

قد قاله الجزري نصّا حسبما

وقس على الأحكام فيما قد بقي

فإنه الحقّ فعي وحقق

ولا تقل يجز على الحكاية

فإنه قول بلا دراية

مخالف للأئمة الأعلام، وما جزاء من خالفهم إلا أن يمحى اسمه من ديوان العقلاء فضلا عن الفضلاء، وما علمت وجه تكفيره الواقف على قوله (1): فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ (2) وهو وقف جائز على أن جواب لما محذوف، وعليه فلا كراهة في الابتداء بقوله: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ (3) قال السمين: قال ابن عصفور: يجوز أن يكون الله قد أسند إلى نفسه ذهابا يليق

ــ

فهو محذوف خطّا ولفظا ووصلا ووقفا نحو: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ*، وَاتْلُ عَلَيْهِمْ*، ونحو: اتَّقِ اللَّهَ*، وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ منهم، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ.

(1) لم يفهم الشيخ مراد كلام الشيخ ابن الجزري، إنما مراده من تعمد ذلك الوقف دون عذر واعتقده فإنه بلا شك يكفر، بالإضافة إلى أن ابن الجزري لم يعمم إطلاق حكم الكفر وإنما أطلقه على من وقف على مواضع نسبة الولد والعجز- لله سبحانه وتعالى والعياذ بالله تعالى وتعمد ذلك واعتقده كما أسلفنا، ولم يعمم الحكم على بقية الوقوف القبيحة.

(2)

البقرة: 17.

(3)

البقرة: 17.

ص: 39