الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد مهمة تحتاج إلى صرف الهمة
الفائدة الأولى: في ذكر الأئمة الذين اشتهر عنهم هذا الفنّ وهو فنّ جليل:
قال عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما-: لقد عشنا برهة من دهرنا، وأن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن، ولقد رأينا اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده وكل حرف منه ينادي: أنا رسول الله إليك لتعمل بي وتتعظ بمواعظي. قال النحاس: فهذا يدل على أنهم كانوا يتعلمون الوقوف كما يتعلمون القرآن حتى قال بعضهم: إن معرفته تظهر مذهب أهل السنة من مذهب المعتزلة (1)
ــ
أوساط الآي. وإن كان الاغلب في أواخرها، وليس آخر كل آية وقفا، بل المعاني معتبرة والأنفاس تابعة لها، والقارئ إذا بلغ الوقف وفي نفسه طول يبلغ الوقف يليه فله مجاوزته إلى ما يليه فما بعده، فإن علم أن نفسه لا يبلغ ذلك فالأحسن أن لا يجاوزه كالمسافر إذا لقي منزلا خصبا ظليلا كثير الماء والكلأ وعلم أنه إن جاوزه لا يبلغ المنزل الثاني واحتاج إلى النزول في مفازة لا شيء فيها من ذلك فالأوفق له أن لا يجاوزه، فإن
(1) المقصود من ذلك أن كل واحد قد يوظف الوقف في القرآن العظيم على هواه إذا لم يكن عالما من أهل السنة، فإنه حتما سيقف على الجزء الذي يبرر مذهبه الفاسد، أما المثل الذي ضربه الشيخ، فهو يقصد به المعتزلة، لأنهم ينفون المشيئة لله في خلق أفعال العباد على مذهبهم الفاسد في نفى صفة خلق الله لأفعال العباد، وهم يرون كما هو معلوم أن العباد هم الذين يختارون ويخلقون أفعالهم بأنفسهم، وهذا كلام باطل، لأنه ليس معنى أن يختار العباد أفعالهم أنهم يخلقونها أو يفعلونها بمشيئتهم دون مشيئة الله فالله تعالى يقول: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ، وليس هذا موضع بسط الكلام في هذه المسألة، ففيما قلنا كفاية والله أعلم، وللتفصيل عليك بالعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية فقد
كما لو وقف على قوله وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ، فالوقف على يختار هو مذهب أهل السنة لنفي اختيار الخلق لاختيار الحق فليس لأحد أن يختار، بل الخيرة لله تعالى، أخرج هذا الأثر البيهقي في سننه. وقال عليّ كرّم الله وجهه في قوله تعالى وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف. وقال ابن الأنباري: من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء، إذ لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن إلا بمعرفة الفواصل، فهذا أدل دليل على وجوب تعلمه وتعليمه. وحكى أن عبد الله بن عمر قد قام على حفظ سورة البقرة ثمان سنين، وعند تمامها نحر بدنة. أخرجه مالك في الموطأ، وقول الصحابي (1) كذا له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أي ولم يخالفه غيره ولم يكن للرأي فيه مجال. وهذا لا دخل للرأي فيه، فلو خالفه غيره أو كان للرأي فيه مجال لا يكون قوله حجة. واشتهر هذا الفنّ عن جماعة من الخلف، وهم:
نافع ابن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني القارئ (2) وعن صاحبه يعقوب بن
ــ
عرض له أي للقارئ عجز بعطاس أو قطع نفس أو نحوه عند ما يكره الوقف عليه عاد من أوّل الكلام ليكون الكلام متصلا بعضه ببعض. ولئلا يكون الابتداء بما بعده موهما للوقوع في محذور كقوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا فإن ابتدأ بما يوهم ذلك كان مسيئا إن عرف معناه. وقال ابن الأنباري: لا إثم عليه، لأن نيته الحكاية عمن قاله وهو غير معتقد له، ولا خلاف أنه لا يحكم بكفره من غير تعمد واعتقاد لظاهره.
أجاد وأفاد في هذا المبحث كعادته.
(1)
قول الصحابي له حكم المرفوع بثلاثة شروط: 1 - أن لا يعلم له مخالف. 2 - ليس للرأي فيه مجال. 3 - ليس معروفا بالأخذ عن أهل الكتاب.
(2)
هو إمام حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مولى جعونة بن شعوب الليثي، حليف حمزة بن عبد المطلب- رضي الله عنه، وكنيته أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو رويم، وأصله من أصفهان، ونشأ بالمدينة، وأقام بها، وكان من الطبقة الثالثة، وانظر ترجمته في:«معرفة القراء الكبار» (1/ 107 - 111)، «غاية النهاية» (2/ 330 - 334)، «السبعة» (53 - 64)، «التاريخ الكبير» (8/ 87)، «الكامل»
(7/ 2515)، «مشاهير علماء الأمصار» (141)، «وفيات الأعيان»
إسحاق الحضرمي البصري (1)، وعن أبي حاتم السجستاني (2)، وعن محمد ابن عيسى (3)، وعن أحمد بن موسى (4)، وعن عليّ بن حمزة الكسائي (5)،
ــ
ويسن للقارئ أن يتعلم الوقوف، وأن يقف على أواخر الآي إلا ما كان منها شديد التعلق بما بعده كقوله تعالى وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ وقوله:
(5/ 368، 369)، «سير أعلام النبلاء» (7/ 336 - 338)، «ميزان الاعتدال» (4/ 242)، «تقريب التهذيب» (2/ 295)، «شذرات الذهب» (1/ 270).
(1)
هو أبو محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وكان حسن القراءة كثير الرواية، مشتهرا بجودة التلاوة عالما بالنحو واللغة، وانظر ترجمته في «معرفة القراء الكبار» (1/ 157، 158)، «غاية النهاية» (2/ 386 - 389)، «طبقات ابن سعد» (7/ 304)، «تاريخ خليفة» (472)، «طبقات النحويين» (54)، «وإنباه الرواة» (4/ 45)، و «وفيات الأعيان» (6/ 390 - 392)، «الكاشف» (3/ 290)، «بغية الوعاة» (2/ 328)، «تهذيب الكمال» (3/ 1549).
(2)
هو الإمام سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد، أبو حاتم السجستاني، إمام البصرة في النحو والقراءات واللغة والعروض، عرض على يعقوب الحضرمي، وغيره، روى عنه القراءة: الزردقي، وغيره، توفي سنة 255 هـ، وقيل سنة 250 هـ وانظر:«غاية النهاية» (1/ 320)، «معرفة القراء» (1/ 219).
(3)
هو محمد بن عيسى بن إبراهيم بن رزين، أبو عبد الله التيمي الأصبهاني، إمام في القراءات، كبير مشهور، أخذ القراءة عن خلاد بن خالد، ونمير، وغيرهما روى القراءة عنه الفضل بن شاذان، وعبد الله بن أحمد البلخي، وغيرهما، صنف كتاب الجامع في القراءات، وكتاب في العدد، وغيرهما مات سنة 253، وقيل سنة 242 هـ. «غاية النهاية» (2/ 223)، «معرفة القراء» (1/ 223).
(4)
هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي، الحافظ الأستاذ، أبو بكر بن مجاهد البغدادي، شيخ الصنعة، وأول من سبع السبعة، ولد سنة 245 هـ ببغداد وتوفي سنة 324 هـ، وانظر:«غاية النهاية» (1/ 139)، «معرفة القراء» (1/ 269).
(5)
هو أبو الحسن على بن حمزة الكسائي، أعلم أهل الكوفة في زمانه بعلم العربية، ومنه نشأ علم الكوفيين، وكان علما مشهورا في زمانه، وكان يؤدب الأمين والمأمون ابني الرشيد، ومات في الري في قرية من أعمالها تعرف بأرنبوية في سنة 289 هـ وانظر:«معرفة القراء الكبار»
وعن القراء الكوفيين (1)، وعن الأخفش سعيد (2)، وعن أبي عبيدة معمر بن المثنى (3)،
ــ
لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* لأن اللام في الأول واللام في الثاني متعلقان بالآية قبلهما. ثم الوقف على مراتب: أعلاها التامّ، ثم الحسن، ثم الكافي، ثم الصالح ثم المفهوم، ثم
(1/ 120 - 128)، «غاية النهاية» (1/ 535 - 540)، «السبعة» (78، 79)، «التاريخ الكبير» (6/ 268)، «الجرح والتعديل» (6/ 182)، «مراتب النحويين» (120، 121)، «طبقات النحويين» (127 - 130)، «الفهرست» لابن النديم (4544)، «تاريخ بغداد» (11/ 403 - 415)، «الأنساب» (482)، «وفيات الأعيان» (3/ 295 - 297)، «السير» (9/ 131 - 134)، «البداية والنهاية» (10/ 201 - 202)، «بغية الوعاة» (2/ 162 - 164)، «طبقات المفسرين» للدوري (1/ 399 - 403)، «شذرات الذهب» (1/ 321).
(1)
القراء الكوفيون جماعة وأشهرهم وأهمهم معرفة هم:
1 -
الإمام: أبو بكر عاصم بن أبي النجود الأسدي الكوفي، وانظر ترجمته في معرفة القراء الكبار (1/ 88 - 94)، «غاية النهاية» (1/ 346 - 349)، «طبقات خليفة» (159)، «وفيات الأعيان» (3/ 9)، «السير» (5/ 256).
2 -
الإمام: أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيات الفرضى وانظر ترجمته في «معرفة القراء» (1/ 111 - 118)، «غاية النهاية» (1/ 261)، «السير» (7/ 90)، «ميزان الاعتدال» (1/ 605)، «شذرات الذهب» (1/ 240).
3 -
الإمام أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب، أبو محمد البزار البغدادي، أحد القراء العشرة وأحد الرواة عن حمزة في نفس الوقت، وانظر «غاية النهاية» (1/ 272)، «معرفة القراء» (1/ 208)، وقد مر ذكر الإمام الكسائي وترجمته في الترجمة السابقة.
(2)
هو أبو الحسن، سعيد بن مسعد المجاشعي بالولاء، النحوي البلخي، المعروف بالأخفش الأوسط، أحد نحاة البصرة، أخذ النحو عن سيبويه، وزاد في العروض بحر الخبب توفي سنة 215 هـ، انظر «وفيات الأعيان» (2/ 380)، «بغية الوعاة» (1/ 590).
(3)
هو أبو عبيدة معمر بن المثنى، أبو عبيدة التيمي البصري النحوي، العلامة مولى بني تميم بن مرة انظر ترجمته في «تاريخ خليفة» (19)، «المعارف» (543)، «سؤالات الآجري» لأبي داود (3/ 302)، «المعرفة» ليعقوب الفسوي (3/ 315)، «تاريخ أبي زرعة الدمشقي» (489)، «الجرح والتعديل» (8/ ت 1175)، «الثقات» (9/ 196)، «أخبار النحويين البصريين» (52 - 55)، «تاريخ الخطيب» (13/ 252 - 258)، «وفيات الأعيان»
وعن محمد بن يزيد (1) والقتبي والدينوري (2)، وعن أبي محمد الحسن بن علي العماني (3) وعن أبي عمرو عثمان الداني (4)، وعن أبي جعفر محمد بن
ــ
الجائز، ثم البيان، ثم القبيح، فأقسامه ثمانية، ومنهم من جعلها أربعة: تام مختار،
(5/ 235)، «السير» (9/ 445)، «تذكرة الحفاظ» (1/ 371)، «الكاشف» (3/ 5665)، «العبر» (1/ 359)، «الميزان» (4/ ت 869)، «شذرات الذهب» (2/ 24)، «تهذيب الكمال» (28/ ت 6107)، «تهذيب التهذيب» (10/ 246 - 248).
(1)
هو إمام النحو: أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي، البصري النحوي، الأخباري (صاحب الكامل) انظر ترجمته في «طبقات النحويين واللغويين» (1 - 101)، «تاريخ بغداد» (3/ 380)، «المنتظم» (6/ 9)، «معجم الأدباء» (19/ 110 - 122)، «إنباه الرواة» (3/ 241 - 253)، «وفيات الأعيان» (4/ 313)، «العبر» (2/ 74)، «الوافي بالوفيات» (5/ 216)، «البداية والنهاية» (11/ 79)، «طبقات القراء» (2/ 280)، «لسان الميزان» (5/ 430)، «النجوم الزاهرة» (3/ 117)، «الشذرات» (2/ 190)، «طبقات المفسرين» (2/ 267)، «بغية الوعاة» (1/ 269).
(2)
هو عبد الله بن مسلم بن عتيبة، أبو محمد الدينوري وقيل المروزي، نزل بغداد وصنف وجمع وزاع صيته وانظر ترجمته مفصلة في:«طبقات النحويين واللغويين» للزبيدي (116)، «تاريخ بغداد» (10/ 170)، «المنتظم» (5/ 102)، «إنباه الرواة» (2/ 143)، «وفيات الأعيان» (3/ 42)، «تذكرة الحفاظ» (2/ 133)، «الميزان» (2/ 503)، «العبر» (2/ 65)، «البداية» (11/ 48)، «اللسان» (3/ 357 - 359)، «الشذرات» (2/ 169 - 170)، «بغية الوعاة» (2/ 63 - 64)، «السير» (13/ 269).
(3)
هو الحسن بن علي بن عبيدة، أبو محمد الكوفي، المقرئ النحوي قرأ بالروايات على سبط الخياط، وأبي منصور بن خيرون وغيرهم، كان رأسا في القراءات وتصدى للإقراء مدة وتوفي في شوال سنة 582 هـ وانظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 504)، «إرشاد الأريب» (3/ 155)، «إنباه الرواة» (1/ 316)، «مرآة الزمان» (8/ 249)، ««المختصر المحتاج» (1/ 285)، «المشتبه» (343)، «غاية النهاية» (1/ 224)، «النجوم الزاهرة» (6/ 104)، «بغية الوعاة» (1/ 511).
(4)
هو الإمام عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي مولاهم، الإمام العلم المعروف في زمانه بابن الصيرفي وفي زماننا بأبي عمرو الداني، لنزوله بدانية ولد سنة 371 هـ، وتوفي
طيفور السجاوندي (1)، وعن أبي جعفر يزيد بن القعقاع (2) أحد أعيان التابعين وغيرهم من الأئمة الأعلام، والجهابذة العظام، بأن أحدهم آخذا بزمام التحقيق والتدقيق، وتضرب إليه أكباد الإبل من كل مكان سحيق.
[الطويل]:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
…
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وما حكاه ابن برهان عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة من أن تسمية الوقوف بالتام والحسن والقبيح بدعة ومعتمد الوقف على ذلك مبتدع. قال لأن القرآن معجز وهو كالقطعة الواحدة فكله قرآن وبعضه قرآن، فليس على ما
ــ
وكاف جائز، وصالح مفهوم، وقبيح متروك، وهذا اختاره أبو عمرو. ومنهم من جعلها ثلاثة: مختار وهو التامّ. وجائز وهو الكافي الذي ليس بتامّ، وقبيح وهو ما ليس بتامّ ولا كاف، ومنهم من جعلها قسمين: تام، وقبيح، فالتامّ هو الموضع الذي يستغني عما بعده كقوله في البقرة وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وقوله في الفاتحة: وَإِيَّاكَ
بدانية يوم الاثنين منتصف شوال سنة 444، ودفن بعد العصر وشيعه خلق عظيم، وانظر ترجمته في «جذوة المقتبس» (305)، «بغية الملتمس» (399)، «إرشاد الأريب» (12/ 121)، «إنباه الرواة» (2/ 341)، «تذكرة الحفاظ» (3/ 1120)، «العبر» (3/ 207)، «مرآة الجنان» (3/ 62)، «الديباج المذهب» (2/ 84)، «غاية النهاية» (1/ 503)، «معرفة القراء الكبار» (1/ 345)، «طبقات المفسرين» (159)، وللداودي (1/ 373)، «الشذرات» (3/ 272).
(1)
هو الإمام العلامة أبو جعفر محمد بن طيفور السجاوندي، للكتاب في الوقف والابتداء وقد طبع مؤخرا.
(2)
هو يزيد بن القعقاع، الإمام أبو جعفر المخزومي المدني القارئ، أحد القراء العشرة، تابعي مشهور ثقة صالح كبير القدر، وهو شيخ الإمام نافع، عرض القراءة على مولاه عبد الله بن عياش وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وروى عنهم، توفي سنة 103، وانظر تاريخ ابن معين (3/ 192)، «معرفة القراء» (1/ 72 - 76)، «غاية النهاية» (2/ 382).
ينبغي (1)، وضعف قوله غنيّ عن البيان بما تقدم عن العلماء الأعلام، ويبعده قول أهل هذا الفنّ: الوقف على رءوس الآي سنة متبعة، والخير كله في الاتباع، والشر كله في الابتداع، ومما يبين ضعفه ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى الخطيب لما قال:«من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما» ووقف. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى» ففي الخبر دليل واضح على كراهة القطع، فلا يجمع بين من أطاع ومن عصى، فكان ينبغي للخطيب أن يقف على قوله: فقد رشد.
ثم يستأنف: ومن يعصهما فقد غوى. وإذا كان مثل هذا مكروها مستقبحا في الكلام الجاري بين الناس فهو في كلام الله أشدّ كراهة وقبحا وتجنبه أولى وأحق، وفي الحديث «أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقرإ القرآن على حرف.
فقال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف» (2) كل شاف ما لم تختم آية
ــ
نَسْتَعِينُ لكن الأول أتمّ لكونه آخر صفة المتقين، وما بعده صفة الكافرين. والثاني وإن استغنى عما بعده، لكن له به تعلق ما، لأن قوله اهْدِنَا سؤال من المخاطب، وقوله:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ موجه للمخاطب، فمن حيث أن الكلام كله صادر من المتكلم إلى المخاطب كان في أوّله تعلق بما في آخره، ومن حيث أن قوله وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ آخر الثناء على الله تعالى كان مستغنيا عما بعده، فالتام يتفاوت، فالأعلى تامّ، وما دونه تامّ لكنه يسمى حسنا أيضا، ومنه الوقف على قوله تعالى في الصافات: مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ هو وقف تام، لكن على أَفَلا تَعْقِلُونَ أتمّ، لأنه آخر القصة، ولذلك
(1) هذا القول غير سليم تماما، لأن تقسيمات الوقوف لا تنافي إعجاز القرآن بل إن الوقوف السليمة تزيد المعنى وضوحا وبهاء وجلاء، وليس المقصود بالوقف القبيح- مثلا- أن القرآن العظيم به قبيح، بل إن المقصود أن ذلك المعنى الذي ينشأ عن وقف ما سوف يحيل المعنى وهذا هو وجه قباحته، والله أعلم.
(2)
أخرج البخاري في صحيحه (6/ 222) من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرأني جبريل عليه السلام على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف. وهو
عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب، فالمراد بالحروف لغات العرب: أي أنها مفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه (1)، على أنه قد جاء في القرآن ما قد قرئ بسبعة أوجه وعشرة أوجه
ــ
يسمى الأول حسنا أيضا، ولا يشترط في التام أن يكون آخر القصة بل أن يستغنى عما
عند البخاري أيضا من حديث عمر (9/ 21 - 23)، وهو عند أحمد في «المسند» (1/ 263 - 264).
(1)
هذا وجه مستبعد جدّا، وترده دلائل كثيرة، ولا يحتمله معنى الحديث وليس هذا مجال الرد عليها، ولكن الراجح الذي استقر عليه المحققون من علماء القراءات واختاره ابن الجزري وانتصر له، أن القراءات كلها صحيحها وشاذها، وضعيفها ومنكرها، اختلافها كلها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها وهي:
الأول: أن يكون الاختلاف في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو «يحسب» بفتح السين وكسرها».
الثاني: أن يكون بتغير في المعنى فقط دون تغير في الصورة نحو: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فقرئت آدم مرة بالرفع على أنها فاعل ومرة بالنصب على أنها مفعول مقدم.
الثالث: أن يكون في الحروف مع التغير في المعنى لا السورة نحو: «يتلوا تتلوا» .
الرابع: أن يكون في الحروف مع التغيير في الصورة لا المعنى نحو: «الصراط، السراط» .
الخامس: أن يكون في الحروف والصورة نحو: يأتل، يتأل.
السادس: أن يكون في التقديم والتأخير نحو: «فيقتلون، ويقتلون» على بناء الأول للمعلوم والثاني للمجهول والعكس.
السابع: أن يكون في الزيادة والنقصان نحو: «وأوحى، ووحى» .
فهذه الأوجه السبعة لا يخرج الاختلاف عنها.
إذا فجميع القراءات سبعية، أو عشرية، صحيحة، أو شاذة، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» ، وعلى هذا فليس المقصود بهذه الأحرف هي القراءات السبع التي بين أيدينا فهناك ثلاثة زائدة عليهم، وهي متواترة أيضا، وإنما المقصود ما بيناه، واعلم أن القراءة لكي تكون مقبولة يجب أن تتوفر فيها ثلاثة شروط وهي:
كمالك يوم الدين، وفي البحر أن في قوله وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ اثنتين وعشرين قراءة، وفي أُفٍّ* لغات أوصلها الرماني إلى سبعة وثلاثين لغة.
قال في فتح الباري: قال أبو شامة: ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وقال مكي ابن أبي طالب، وأما من ظن أن قراءة هؤلاء القراء السبعة، وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطا عظيما. قال: ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة مما ثبت عن الأئمة ووافق خط المصحف العثماني لا يكون قرآنا وهذا غلط عظيم (1)، إذ لا شك أن هذه القراءات السبع مقطوع بها من عند
ــ
بعده كما تقرر كقوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فإنه مبتدأ وخبر، فهو مستغن عن غيره وإن كانت الآيات إلى آخر السورة قصة واحدة. وبذلك علم أن الوقف الحسن هو التام، لكن له تعلق ما بما بعده، وقيل الحسن ما يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده كما تقرر لتعلقه به لفظا ومعنى كقوله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ والرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ومالِكِ يَوْمِ الدِّينِ لأن المراد مفهوم، والابتداء برب العالمين وبالرحمن الرحيم وبملك يوم الدين قبيح، لأنها مجرورة تابعة لما قبلها. والكافي ما يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده إلا أن له به تعلقا معنويّا كالوقف على حُرِّمَتْ
1 - موافقتها لرسم المصحف ولو احتمالا.
2 -
موافقتها لوجه من وجوه اللغة.
3 -
صحة إسنادها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جمع الإمام ابن الجزري هذه الشروط الثلاثة فقال في طيبته:
فكل ما وافق وجه نحو
…
وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادا هو القرآن
…
فهذه الثلاثة الأركان
وللاستزادة راجع «الإرشادات الجلية» (16، 17).
(1)
هذا كلام صحيح، لأن قراءات الأئمة الثلاثة المتممة للعشرة هي قراءات متواترة أيضا عن النبي
الله تعالى، وهي التي اقتصر عليها الشاطبي وبالغ النووي في أسئلته حيث قال: لو حلف الإنسان بالطلاق الثلاث أن الله قرأ القراءات السبع لا حنث عليه، ومثلها الثلاث التي هي قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف، وكلها متواتر تجوز القراءة به في الصلاة وغيرها، واختلف فيما وراء العشرة، وخالف خط المصحف الإمام، فهذا لا شك فيه أنه لا تجوز قراءته في الصلاة ولا في غيرها، وما لا يخالف تجوز القراءة به خارج الصلاة (1). وقال ابن عبد البر: لا تجوز القراءة بها ولا يصلى خلف من قرأ بها. وقال ابن الجزري: تجوز مطلقا إلا في الفاتحة للمصلي، انظر شرح العباب للرملي. والشاذ ما لم يصح سنده نحو لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بفتح الفاء وإِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ برفع الله ونصب العلماء، وكذا كل ما في إسناده ضعف لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء وافق الرسم أم لا. قال مكي: ما روى في القرآن ثلاثة أقسام: قسم يقرأ به ويكفر جاحده، وهو ما نقله الثقات ووافق العربية وخط المصحف. وقسم صح نقله عن الأجلاء وصح في العربية،
ــ
عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وعلى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ والصالح والمفهوم دونهما كالوقف على قوله تعالى وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ فهو صالح، فإن قال وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ كان كافيا، فإن بلغ يَعْتَدُونَ كان تاما، فإن بلغ عِنْدَ رَبِّهِمْ كان مفهوما، والجائز ما خرج عن ذلك ولم يقبح. والبيان سيأتي بيانه. والقبيح
صلى الله عليه وسلم، وهي داخلة بلا شك في معنى الأحرف السبعة، وهذا مما يقطع باستحالة أن يكون معنى الأحرف السبعة هي القراءات السبع، وقد ألف الإمام ابن الجزري خصيصا لهذا الغرض كتاب منجد المقرئين، ليبين أن القراءات الثلاثة متواترة داخلة في الأحرف السبعة، ليرد على بعض المتوهمين نفي ذلك، وأثبت تواترها، فراجع ذلك فإنه مفيد.
(1)
يجب الانتباه إلى أن ما خالف خط المصحف الإمام وضعف إسناده، أو لم يوافق وجها من وجوه النحو، فليس قرآنا فلا يجوز قراءته داخل الصلاة ولا خارجها على أنه قرآن، وإنما قد يستأنس به فقط، وأما كونه يفيد في الأحكام أم لا فهذا خلاف في الأصول شهير.
وخالف لفظه الخط فيقبل ولا يقرأ به. وقسم نقله ثقة ولا وجه له في العربية أو نقله غير ثقة فلا يقبل وإن وافق خط المصحف. فالأول كملك ومالك (1) والثاني كقراءة ابن عباس «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة» (2) واختلف في القراءة بذلك، فالأكثر على المنع لأنها لم تتواتر، وإن ثبتت بالنقل فهي منسوخة بالعرضة الأخيرة. ومثال الثالث وهو ما نقله غير ثقة كثير، وأما ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية فلا يكاد يوجد. وقد وضع السلف علم القراءات دفعا للاختلاف في القرآن، كما وقع لعمر بن الخطاب مع أبيّ بن كعب حين سمعه يقرأ سورة الفرقان على غير ما سمعها هو من النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه ومضى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد أن يقرأ، فقرأ كل واحد ما سمعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا أنزل (3)، ولا شك أن القبائل كانت ترد على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يترجم لكل أحد بحسب لغته، فكان يمدّ قدر الألف والألفين والثلاثة لمن لغته كذلك، وكان يفخم لمن لغته كذلك، ويرقق لمن لغته كذلك، ويميل لمن لغته كذلك. وأما ما يفعله قراء زماننا من أن القارئ كل آية يجمع ما فيها من اللغات (4)، فلم يبلغنا وقوعه عن رسول الله
ــ
ما لا يعرف المراد منه أو يوهم الوقوع في محذور كالوقف على بسم ورب وملك، وعلى قوله لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا وقوله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا* ويسنّ للقادر
(1) قرأ: عاصم والكسائي ويعقوب وخلف مالِكِ بإثبات الألف بعد الميم، على اسم الفاعل، وقرأ باقي العشرة ملك على الصفة المشبهة بحذف الألف وراجع «البهجة المرضية» (8)، «إرشاد المريد» (29).
(2)
الذي يبدو أن هذا تفسير منه لا قراءة، وقد يكون سبب الخلط من الرواة الذين سمعوا منه ذلك التفسير فظنوه قراءة، والله أعلم.
(3)
أخرجه أحمد في «المسند» بإسناد صحيح من حديث عمرو بن العاص.
(4)
جمع القراءات التي في الآية الواحدة حال القراءة أو الصلاة من البدع، وإنما ينبغي لمن جمع القراءات أن ينتهي بكل قراءة إلى تمام المعنى ثم يبدأ من جديد بالقراءة الأخرى، وذلك حتى لا تختلط المعاني ببعضها، وتختلط الوجوه.
صلّى الله عليه وسلّم ولا عن أحد من أصحابه. قاله الشعراوي في [الدرر المنثورة في بيان زبدة العلوم المشهورة] وينبغي للقارئ أن يقطع الآية التي فيها ذكر النار أو
العقاب عما بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة، ويقطعها أيضا عما بعدها إن كان بعدها ذكر النار: نحو قوله وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (1) هنا الوقف، ولا يوصل ذلك بقوله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ (2) ونحو يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ (3) هنا الوقف، ولا يوصله بما بعده ونحو وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (4) هنا الوقف، فلا يوصله بما بعده من قوله لِلْفُقَراءِ ونحو قوله في التوبة: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) هنا الوقف، فلا يوصله بما بعده من قوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا (6) وكذا كل ما هو خارج عن حكم الأول، فإنه يقطع. قال السخاوي: ينبغي للقارئ أن يتعلم وقف جبريل، فإنه كان يقف في سورة آل عمران عند قوله صَدَقَ اللَّهُ (7) ثم يبتدئ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً (8) والنبي صلى الله عليه وسلم يتبعه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقف في سورة البقرة والمائدة عند قوله تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (9) وكان يقف على قوله: سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ (10) وكان يقف قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ (11) ثم يبتدئ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ
ــ
على شيء من الوقوف أن يقدّم منها الأعلى مرتبة. ولا بدّ للقارئ من معرفة أمور تتعلق بالوقف والابتداء وقد أوردتها في أبواب.
(1) غافر: 6.
(2)
غافر: 7.
(3)
الإنسان: 31.
(4)
الحشر: 7.
(5)
التوبة: 19.
(6)
التوبة: 20.
(7)
آل عمران: 95.
(8)
آل عمران: 95.
(9)
المائدة: 48.
(10)
المائدة: 116.
(11)
يوسف: 108.