الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الكتاب
منذ سنوات عديدة كانت فكرة إصدار كتاب يعالج مناهج التأليف عند العلماء المسلمين تراودني وتروق لي، ولكن ما إن كنت أبدًا في التنفيذ حتى أراني أحجم وأتردد وقد تمثل أمامي خطر الموضوع الذي أحاول علاجه؛ لأنه من الاتساع والعمق بحيث يتناول تراث أمة عظيمة، تبلورت عظمتها في عقيدتها وتراثها: لغة وأدبًا وفكرًا. فلما كانت السنوات الأخيرة ألحت فكرة الكتاب على خاطري بحيث لم أستطع منها فرارًا على الرغم من اقتناعي بأن مثل هذا العمل يحتاج إلى فريق من العلماء يضطلعون به ويسهرون عليه ويولونه كل اهتمامهم ويضمنونه ثمرات تجاربهم وحصاد أفكارهم، فاستخرت الله وقررت أن أبدأ في إصدار هذا المجلد وجعلته خاصًّا بمناهج التأليف في الأدب، آملًا إن وهبني الله القدرة وفسحة الأجل أن أضطلع بمتابعة الجهد في إصدار كتب تالية تتناول مناهج التأليف في بقية موضوعات التراث.
أما وإني أقدم مناهج التأليف عند العلماء العرب والمسلمين في نطاق الأدب، فإنه يجمل بي أن أعرض منهجي في هذا الكتاب.
لقد حاولت أن أقدم منهجًا وسطًا بعيدًا عن التدخل بريئًا من التعقيد، بل هو أقرب إلى اليسر والبساطة، فقد جعلت الكتاب ينتظم أحد عشر بابًا، خصصت الباب الأول منه للحديث، عن فجر التحرك العقلي العربي والإسلامي والتدوين في نطاق العلوم القرآنية والحديث الشريف وألوان من العلوم والمعارف.
ولما كان المؤلف لا يستطيع أن يخط حرفًا دون أن يكون متقنًا للكتابة والإنشاء، وكلاهما ثمرة للتحرك الثقافي الإسلامي -إذ لم يكن العرب يقرأون أو يكتبون قبل الإسلام- فقد خصصت الباب الثاني للحديث عن حركة الكتابة والإنشاء وتطورها ومسيرتها في إيجاز مع ذكر مصادر النثر العربي على سبيل الإجمال.
وأما الفصل الثالث فقد أفردناه للحديث عن رواد التأليف الأدبي غير المتخصص، فقد كان المؤلفون آنئذ يجمعون بين الأخبار والأشعار والنوادر واللغة والتاريخ وقضايا النحو وانتجاع الحكمة بين دفتي الكتاب الواحد، وممن سلك هذا النهج على سبيل المثال النضر بن شميل وابن الكلبي وأبو عبيدة والأصمعي والهيثم بن عدي والمدائني. ونلاحظ أن أكثر هؤلاء العلماء قد عاشوا حياتهم العقلية في القرن الثاني الهجري.
وبمرور السنين أخذ التأليف الأدبي يتجه نحو المنهجية الواضحة والتخصص الموضوعي، الأمر الذي جعلنا نكرس الباب الرابع من كتابنا للتأليف الأدبي المنهجي، وقد شمل هذا الباب الحديث عن الجاحظ وابن قتيبة الدينوري وأبي حنيفة الدينوري والمبرد وثعلب وابن طيفور وأبي بكر الصولي والمرزباني والثعالبي، والموضوعات التي تناولوها، ومناهجهم في الكتب التي ألفوها.
ولما يتمتع به كل من العقد الفريد، والأغاني من مكانة عند صفوة العلماء وخاصة الباحثين في ميدان الدراسات الأدبية، خصصنا الباب الخامس للحديث عنهما في فصلين متتاليين حديثًا أقرب إلى الشمول وأدنى إلى الغاية.
والباب السادس جعلناه للحديث عن كتب الأمالي وما هو في حكمها، وذكرناها على الترتيب الزمني، ووقفنا وقفة مستأنية أمام كل كتاب.
ومن الأمالي انتقلنا إلى الحديث عن كتب طبقات الشعراء، فأفردنا الباب السابع لهذا الموضوع سالكين سبيل التدرج الزمني مبتدئين بابن سلام الجمحي في كتابه طبقات الشعراء الذي ألفه في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث، منتهين بسلافة العصر لابن معصوم المتوفى على رأس السنة العشرين من القرن الثاني عشر الهجري.
والباب الثامن جعلناه للحديث عن كتب الاختيارات الشعرية والحماسات، وإذا كانت حماسة أبي تمام هي أشهر هذه الأنماط من الكتب، فإن مصنفها لم يكن صاحب السبق في التأليف في هذا النوع من الكتب، وإنما سبقه إلى ذلك أصحاب المفضليات والأصمعيات وجمهرة أشعار العرب وشعر الهذليين، غير أن أبا تمام قد ارتقى بهذا الفن من حيث الذوق في الجمع والانتقاء في الموضوع والعناية في التبويب ثم تبعه في ذلك بقية أصحاب الحماسات.
والباب التاسع من كتابنا هذا خصصنا به كتب التراجم ومناهجها ونظام ورود الأعلام فيها وابتدأنا بذكر الفهرست لابن النديم وانتهينا عند المحبي في "خلاصة الأثر".
ولما كان الأدب الأندلسي من الرقة والسمو والقرب إلى أنفسنا بحيث يحتاج إلى عناية خاصة، فقد أفردنا الباب العاشر من هذه الطبعة الثانية للحديث عن مصادره ومناهج العلماء الذين عكفوا على التأليف فيه من مشارقة ومغاربة وأندلسيين، وحاولنا قدر الاستطاعة أن نيسر على دارس هذا الأدب بوضع مصادره مدروسة بين يديه.
وأما الباب الحادي عشر والأخير في كتابنا هذا، فقد جعلناه للحديث عن الموسوعات بصفة عامة والمملوكية بصفة خاصة.
هذا ولا يفوتني أن أنوه بالجهد الذي بذله معي تلميذاي الأستاذان حسان ماضي وأحمد عبد العزيز عمرو في إعداد النصوص التي وجهتهما إلى جمعها والإسهام في مراجعة تجارب المطبعة وهي أعمال جديرة بالشكر حرية بالتقدير.
والله نسأل أن يهدينا إلى سبيل الرشاد ونهج السداد.
بيروت في 1/ 12/ 1973 مصطفى محمد الشكعة