الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن: المرزباني
…
محمد بن عمران المرزباني: 297-384هـ
هو أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني الذي ولد بعد أن قتل ابن المعتز وابن الجراح بعام واحد إذ إنه ولد سنة 297هـ وعمر حتى عام 384، والمرزباني واحد من ألمع العلماء الأدباء الذين أثروا المكتبة العربية بكل نفيس جليل من فيض العقل العربي، وإن كان الرجل فارسيًّا كما هو بادٍ من لقبه، غير أن المرزباني لم تكن تربطه بالفارسية إلا رابطة النسب، وأما العقل والفكر والنتاج والولاء الثقافي فعربي محض.
إن أشهر كتب الطبقات التي ألفها المرزباني وما زالت بين أيدينا نرجع إليها ونعتمد عليها وننهل من فيض عطائها كتاباه "معجم الشعراء" و "الموشح". كما أن له كتابًا آخر على جانب كبير من الأهمية هو "أشعار النساء" غير أنه لا يزال مخطوطًا لم تمتد إليه يد التحقيق، والإخراج والطبع والنشر، ونلاحظ أن المرزباني قد خص شعر النساء بكتاب مستقل يقع في نحو ستمائة ورقة، وبذلك يكون المرزباني ثاني اثنين من الأدباء الذين أعطوا أدب المرأة اهتمامًا خاصًّا، أما الأول فهو ابن طيفور حسبما مر بنا فيما مضى من صفحات، وكان أدب المرأة يجيء قبل ذلك، وبعد ذلك أيضًا، في جملة ما يقدمه المؤلفون تبعًا لطبيعة الموضوع الذي يطرقون، أو حسب إطار المنهج الذي يتبعون. على أن الأمر عند المرزباني يكاد يكون أقرب إلى التخصص منه عند ابن طيفور، فإن ابن طيفور عرض في كتابه "بلاغات النساء" لبلاغة المرأة أيا كان طابع بلاغتها شعرًا أو نثرًا، وأما المرزباني فإنه قد خص بكتابه شعر النساء دون نثرهن.
والمرزباني صاحب كتب كثيرة في الأدب والتاريخ والنوادر والثقافة بصفة عامة،
والشعر بصفة خاصة، ووضع على قدم المساواة مع كل من العالمين الكبيرين الجليلين الجاحظ وابن قتيبة، بل إن بعض العلماء قال: إنه أحسن تصنيفًا من الجاحظ1 وكان أبو علي الفارسي يقول: إن أبا عبد الله المرزباني من محاسن الدنيا.
وكان المرزباني صاحب منهج دقيق يلتزمه حين يقبل على تأليف أحد كتبه، فقد كان يجمع المادة العلمية للكتاب كما نفعل في عصرنا، ومن هذه المادة ينتقي ما يصلح لأن يضمه بين دفتي كتاب. فقد ذكر أنه سود ذات مرة عشرة آلاف ورقة صح له منها ثلاثة آلاف2.
وكان المرزباني يعيش مع العلم وأهل العلم، وقد ذكر أنه كان عنده خمسون لحافًا ودواجًا -والدواج هو اللحاف الذي يلبس- لأهل العلم الذين كانوا يبيتون في داره3، وليس من شك في أن هؤلاء جميعًا كانوا إما أدباء أصدقاء أندادًا وإما تلامذة كبارًا يساعدون شيخهم نسخًا أو إملاء، فإن العدد الكبير الذي تركه من الكتب يدفع بنا إلى الاستنتاج أن الرجل كان يستعين ببعض تلامذته.
هذا وكان المرزباني يجمع بين التشيع والاعتزال وشرب النبيذ، فأما الاعتزال والتشيع فأمر منطقي مقبول لارتباط التشيع بالاعتزال للأسباب التي يعرفها المهتمون بالمذاهب. وأما الجمع بين التشيع والاعتزال وشرب النبيذ فأمره غريب، وقد تواترت الأخبار على أن المرزباني كان يضع المحبرة وقنينة النبيذ بين يديه فلا يزال يكتب ويشرب4.
وكان المرزباني من سمو المكانة بحيث كان عضد الدولة الملك البويهي الأديب يزوره بين الحين والحين سائلًا عن حاله، وقد سأله ذات مرة: كيف الحال؟ فأجابه بصيغة الاستفهام الاستنكاري الفكه: كيف حال من هو بين قارورتين؟!! يعني المحبرة وقدح النبيذ.
هذا ومن كانت تلك حاله من مصافاة الكأس ومنادمتها، ومن صفاء القريحة وعطائها فلا بد أن يصور بعض خواطره وينسجها شعرًا ما دامت ملكة الشعر حاضرة لديه. فمن شعر المرزباني قوله5:
ولي ولها إذا الكاسات دارت
…
رقى سحر يفك عرى الهموم
1 تاريخ بغداد "3/ 135".
2 المصدر السابق "3/ 135، 136".
3 معجم الأدباء "18/ 269".
4 تاريخ بغداد "3/ 136".
5 وفيات الأعيان "4/ 355".
معاتبة ألذ من الأماني
…
وبث جوى أرق من النسيم
وأما مؤلفات المرزباني فمن الكثرة والتنوع والقيمة بمكان، لقد كتب المرزباني في موضوعات الأدب وأخبار الأدباء من كتاب وشعراء، وكتب في التاريخ وكتب في اللغة وكتب في الزهد وعلم الكلام والدين والأخلاقيات، كما كتب في الموضوعات العامة التي تتصل بالثقافة في شتى فروعها ومختلف ألوانها.
أولًا: ففي مجال الشعر والشعراء ترك لنا المرزباني هذه الكتب:
1-
كتاب أخبار الشعراء المشهورين والمكثرين من المحدثين: مبتدئًا ببشار منتهيًا بابن المعتز وقد أسمى مؤلفه "المستنير" وذلك حسبما أورده الثعالبي في كتابه "ثمار القلوب" وكان يقع في عشرة آلاف ورقة أي ما يعادل خمسة آلاف صفحة في الطباعة المعاصرة.
2-
كتاب أخبار أبي تمّام.
3-
كتاب أخبار عبد الصمد بن المعذل، وكان شاعرًا سكيرًا هجاءً شديد العارضة بصريًّا توفي سنة 240هـ.
4-
كتاب أشعار النساء، ويقع في ستمائة ورقة.
5-
كتاب أشعار الجن الممثلين في من يتمثل منهم بشعر.
6-
كتاب شعر حاتم الطائي.
7-
كتاب المعجم، وهو معجم الشعراء المعروف لدينا والذي سوف يأتي حديثه عند حديثنا عن كتب طبقات الشعراء، وكان يقع في ألف ورقة، وهو الآن حسبما هو في أيدينا يقع في خمسمائة صفحة وبضع صفحات.
8-
كتاب أشعار الخلفاء.
9-
ديوان يزيد بن معاوية الأموي، وقد سلف القول إن الهيثم بن عدي المتوفى سنة 207 هـ قد جمع الديوان نفسه.
10-
كتاب المفيد في أخبار الشعراء في الجاهلية والإسلام وديانتهم ونحلهم، ويقع في نيف وخمسة آلاف ورقة. وقد سبق ابن الكلبي المتوفى قبل ذلك بما يناهز قرنين من الزمان أن كتب في مثل هذا الموضوع.
11-
كتاب المونق في أخبار الشعراء "الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين على طبقاتهم" ويقع في خمسة آلاف ورقة.
12-
كتاب الرياض في أخبار المتيمين من الشعراء الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين.
13-
كتاب المراثي، ويقع في خمسمائة ورقة.
14-
كتاب أخبار شعبة بن الحجاج المتوفى سنة 160هـ، وهو عالم الأدب والشعر وشيخ المحدثين في العراق.
ثانيًا: ما كتبه المرزباني من كتب تجمع بين الأدب والحياة الاجتماعية والنوادر والطرف:
1-
كتاب أخبار الأولاد والزوجات والأهل وما جاء فيهم من مدح وذم.
2-
كتاب الأنوار والثمار فيما قيل في الورد والنرجس وجميع الأنوار من الأشعار وذكر الثمار والفواكه وما جاء فيها من مستحسن النظم والنثر.
3-
كتاب الشباب والشيب، ويقع في ثلاثمائة ورقة.
4-
كتاب نسخ العهود إلى القضاء، ويقع في مائتي ورقة.
5-
كتاب المديح في الولائم والدعوات، ويقع في خمسمائة ورقة.
6-
كتب المستطرف في الحمقى والنوادر، ويقع في ثلاثمائة ورقة.
7-
كتاب المزخرف في الإخوان والأصحاب ويقع في أكثر من ثلاثمائة ورقة.
8-
كتاب الرائق في أحوال الغناء وأخبار المغنين والمغنيات.
ثالثًا: وفي مجال التاريخ ألف المرزباني الكتب الآتية:
1-
كتاب أخبار أبي مسلم الخراساني، ويقع في مائة ورقة.
2-
كتاب أخبار البرامكة، ويقع في خمسمائة ورقة.
3-
كتاب الأوائل في أخبار الفرس القدماء وأهل العدل والتوحيد، وشيء من مجالسهم ويقع في ألف ورقة.
4-
كتاب المغازي، ويقع في ثلاثمائة ورقة، وهو نمط من التأليف درج على الكتابة فيه الكثير من العلماء السابقين.
5-
كتاب أخبار ملوك كندة، وقد سبق لابن الكلبي المتوفى سنة 204هـ أن كتب كتابًا في أخبارهم.
رابعًا: وفي مجال اللغة والنقد كتب المرزباني الكتب الآتية:
1-
كتاب المفصل في البيان والفصاحة، ويقع في ثلاثمائة ورقة.
2-
كتاب المقتبس في أخبار النحويين.
3-
كتاب الموسع في ما أنكره العلماء على بعض الشعراء من كسر ولحن وعيوب في الشعر.
4-
كتاب الشعر: محاسنه، وعيوبه، وأوزانه وأجناسه، وضروبه، ومختاره وأدب قائليه.
ومنشديه ومنحوله ومسروقه.
خامسًا: موضوعات الزهد والعبادة والعلوم الدينية وأعلام العلماء:
1-
كتاب الدعاء ويقع في مائتي ورقة.
2-
كتاب ذم الحجاب ويقع في مائتي ورقة ويدخل في باب الأخلاق والاجتماع وهما موضوعان مرتبطان بالعنوان الذي اخترناه لهذه المجموعة.
3-
كتاب ذم الدنيا، ويقع في خمسمائة ورقة.
4-
كتاب الزهد وأخبار الزهاد.
5-
كتاب العبادة، ويقع في أربعمائة ورقة.
6-
كتب الفرج، ويقع في مائة ورقة.
7-
كتاب المحتضرين، ويقع في مائة ورقة.
8-
كتاب المرشد في أخبار المتكلمين، ويقع في مائة ورقة.
9-
كتاب المشرف: في حكم النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه، ومواعظه ووصاياه.
10-
كتاب المنير: في التوبة والعمل الصالح، ويقع في أربعمائة ورقة.
11-
كتاب المتوج: في العدل وحسن السيرة.
12-
كتاب أخبار محمد بن حمزة العلاف، ولعله قصد من وراء ذلك التحدث عن المعتزلة، ذلك أن المشهور هو محمد بن الهذيل، ولعل خطأ في النقل قد غير تكوين الاسم على هذه الصورة.
13-
كتاب أخبار أبي حنيفة النعمان بن ثابت ويقع في خمسمائة ورقة.
سادسًا: كتب في موضوعات المعرفة العامة.
1-
كتاب تلقيح العقول، ويقع في ثلاثة آلاف ورقة، مقسم على مائة باب.
2-
كتاب الأزمنة ويقع في ألف ورقة، ويتكلم عن الفصول الأربعة، وبخاصة أوصاف الربيع والخريف، والحر والغيوم، والبروق والرياح والأمطار، وطرف من الفلك، وأيام العرب والعجم، وما يلحق بذلك من أخبار وأشعار1.
لقد كانت حياة المرزباني المديدة موقوفة على العطاء العقلي والسخاء العلمي، التزم بيته حيث يفد إليه العلماء والباحثون عن المعرفة، بل كان الملك البويهي يسعى إليه بنفسه تكريمًا لعلمه وتبجيلًا لقدره، فإن من هذا عطاؤه جدير بالتوقير والتكريم.
1 راجع مؤلفات المرزباني في الفهرست "ص196-199".