الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رفيقه أي عام 764هـ، أما تاريخ مولده فغير معروف لنا؛ لأن الرجل ولد في قرية من قرى دمشق هي داريا من أسرة خاملة الذكر، ولذلك فإنه ينسب إلى قريته حين يذكر اسمه كاملًا، وهو -وقد مر حديثه أيضًا- محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن الكتبي الداراني الدمشقي1. ومن الطريف أنه اتخذ لنفسه صفة هي "صلاح الدين" تمامًا مثل معاصره خليل بن أيبك الصفدي، الذي اتخذ لنفسه الصفة ذاتها.
إن ابن شاكر -وقد أسلفنا بعض خبره- كان وراقًا يشتغل بتجارة الكتب التي غيرت حاله من الفقر المدقع إلى الثراء الوفير، وربما رأى أن الوفاء يقتضيه أن يرد بعض الجميل إلى المهنة التي دفعت به إلى عالم الثراء، فأقبل على العلم دراسة، وعلى التأليف إنتاجًا فقدم لدينا المعرفة موسوعتين نفيستين إحداهما مرتبطة باسمه دائمًا، وهي "فوات الوفيات" التي طبعت في مجلدين، وأما الموسوعة الثانية، فهي "عيون التواريخ" التي تقع في ستة مجلدات لا تزال مخطوطة تنتظر من يفرج عنها ويحققها ويطبعها.
غير أن الأمر الجدير بالذكر أن الكتابين سالفي الذكر يدخلان في نطاق علم التراجم الذي يحدده منهج لا يستطيع المؤلف أن ينفلت منه إلا في القليل؛ لأن كل ما يذكر فيها من أحداث إنما يكون سوقها مرتبطًا بحياة شخص معين بخلاف الموسوعات المصطلح عليها بهذا الاسم فإنها تنطلق في دنيا المعرفة طولًا وعرضًا وفي ميادين العلوم تنوعًا وشمولًا.
1 نحب أن نلفت نظر القارئ إلى أن معجم مطبوعات سركيس قد أخطأ حين حاول التعريف بابن شاكر الكتبي وذكر أن اسمه غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري، فذلك أديب آخر عاش بعد ابن شاكر بأكثر من قرن من الزمان.
ابن فضل العمري ومسالك الأبصار
…
ابن فضل الله العمري ومسالك الأبصار:
وثالثة الموسوعات المملوكية من حيث التاريخ، وأوفرها شهرة، وأكثرها حظًّا من حيث احتفال الأدباء والدارسين بها هي موسوعة "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" لشهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العمري الذي عاش بين سنتي 700 - 749هـ، والذي شغل وظيفة رئيس ديوان الإنشاء التي تعتبر في زماننا هذا مساوية لوظيفة رئيس الوزراء ووزير الخارجية.
إن شخصية العمري شخصية فذة فريدة قليلة المثال في التاريخ، فالرجل لم يعش أكثر من تسع وأربعين سنة وصل فيها إلى أوج الرتب بتوليه ديوان الإنشاء وتدحرج إلى الحضيض حينما غضب عليه السلطان الناصر، وقطع يده وزج به في غيابة السجن لفترة غير قصيرة الأمد1 ثم ما لبث أن أفرج عنه، فإذا ما أسقطنا من عمر أديبنا الكبير سنوات طفولته وفترة
1 انظر ترجمته في الدرر الكامنة.
تحصيله العلم في سنوات يفاعه التي تتلمذ فيها لصفوة علماء العصر، وفي مقدمتهم الإمام العالم الفارس الورع أحمد بن تيمية، وإذا أسقطنا من حسابنا أيضًا سنوات المحنة التي تعرض لها العالم الجليل والوزير النابه، لم نستطع أن نخفي دهشة ليس إلى تجاهلها من سبيل؛ لأن الآثار العلمية لابن فضل الله العمري تكون قد كتبت في أقل من خمس وعشرين سنة مزدحمة إلى جانب ذلك بهموم الوزارة ورئاسة ديوان الإنشاء، لقد خلف العمري بالإضافة إلى موسوعنه الكبيرة عددًا كبيرًا من الكتب النفيسة التي يبلغ الواحد منها أحيانًا بضعة مجلدات مثل "فواصل السمر في فضائل آل عمر" الذي يقع في أربعة مجلدات، ويسبب تأليفه -فيما يذكر صاحب الدرر الكامنة- لقب شهاب الدين بالعمري. ومن كتبه المطولة أيضًا كتابه "صبابة المشتاق" في المدائح النبوية ويقع هو الآخر مثل سالفه في أربعة مجلدات، وبقية كتبه تدل دلالة واضحة على عبقرية الرجل وتعدد ميادين ثقافته، وموهبة أصيلة في اقتناص المعرفة وهضمها بحيث تنبثق من خواطره بعد ذلك علمًا غزيرًا فياضًا كما تتفجر ينابيع الجبال إثر شتاء سكوب المطر وافر الثلوج، فمن هذه الكتب الأخرى ما هو في التاريخ والجغرافيا مثل كتابيه "ممالك عباد الصليب" والدائرة بين مكة والبلاد، ومنها ما يتصل بعلوم الحديث مثل كتابه "التعريف بالمصطلح الشريف" ومنها ما يتصل بتعليم الإنشاء مثل كتابه "النبذة الكافية في معرفة الكتابة والقافية" ومنها ما كان فيض وجدانه وذوب خواطره في ميادين الأدب مثل "نفحة الروض" و "يقظة الساهر" ومجموعة رسائله التي أسماها "الثنويات".
الحق أننا أمام شخصية أدبية فكرية علمية سياسية فريدة، قصيرة العمر خصيبة الإنتاج، مجرد ظهورها وظهور أترابها ممن نحن بصدد ذكرهم يرفع من قيمة العصر الذي يعيشون فيه ويعلي شأنه ويمجد أيامه.
فإذا ما رجعنا بالحديث إلى كتاب "مسالك الأبصار" وهو فيما يرى مؤرخو الرجل، أجل أعماله وأرجحها وزنًا وأعلاها قيمة، وجدنا أنفسنا أمام موسوعة طابعها العام التخصص غير المقيد بحدود، وهو تعبير قد يبدو غريبًا بعض الشيء، ولكن منهج العمري الجغرافي لم يمنعه من أن يستطرد في حدود المنطق والمنهج إلى التاريخ والأدب والعمارة والآثار والمساجد والكنائس والمعابد والديارات والحانات والأجناس، إن ابن فضل الله العمري في موسوعته "مسالك الأبصار" ينتقل بقارئه في غير ما ملل ولا سأم من واحة أدبية إلى جنة فكرية إلى باحة تاريخية إلى عمائر أثرية، وهو في ذلك كله أدبي السرد جغرافي المنهاج.
والعمري يشرح بنفسه منهج كتابه -في مقدمته- رابطًا بين المنهج والعنوان حين يقول: إنه قسمان "أولهما في الأرض وثانيهما في سكان الأرض، والقسم الأول منهما -أي الأرض- على نوعين: أولهما المسالك وثانيهما الممالك" ويمضي العالم الجليل يقدم