الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوات الوفيات:
قديمًا قالوا: "الكتاب يقرأ من عنوانه" ولعلّ هذا المثل لا يكتمل انطباقه على شيء قدر انطباقه على كتاب "فوات الوفيات" أي ما فات ابن خلكان ذكره في كتابه "وفيات الأعيان".
إن مؤلف فوات الوفيات ينص على ذلك نصًّا في مقدمته لكتابه فيقول "
…
إن علم التاريخ مرآة الزمان لمن تدبر، ومشكاة أنوار يطلع بها على تجارب الأمم من أمعن النظر وتفكر، وكنت ممن أكثر لكتبه المطالعة، واستحلى من فوائده المراجعة، فلما وقفت على كتاب "وفيات الأعيان" لقاضي القضاة ابن خلكان، قدس الله روحه! وجدته من أحسنها وضعًا لما اشتمل عليه من الفوائد الغزيرة، والمحاسن الكثيرة، غير أنه لم يذكر أحدًا من الخلفاء، ورأيته قد أخل بتراجم فضلاء زمانه، وجماعة ممن تقدم على أوانه، ولم أعلم أذلك ذهول عنهم، أو لم يقع له ترجمة أحد منهم؟!
فأحببت أن أجمع كتابًا يتضمن ذكر من لم يذكره من الأئمة الخلفاء، والسادة الفضلاء، من وفاته إلى الآن، فاستخرت الله تعالى، فانشرح لذلك صدري وتوكلت عليه، وفوضت إليه أمري. وسميته بـ"فوات الوفيات".
والله تعالى المسئول أن يوفق في القول والعمل، وأن يتجاوز عن هفوات الخطأ والزلل
…
".
أما مؤلف كتاب "فوات الوفيات" فهو محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الكتبي الداراني الدمشقي المولود في داريا من قرى دمشق، فلما نما عوده اشتغل بتجارة الكتب فأصاب ربحًا كبيرًا وغنًى وافرًا وظل وفيًّا للعلم فأسهم على قدر طاقته في التأليف والتصنيف وأهدى إلى المكتبة العربية كتابين نفيسين هما هذا الكتاب الذي نتناوله بالدراسة، وكتابًا آخر لا يزال
مخطوطًا في مجلدات ستة سماه "عيون التواريخ" وتوفي سنة 764هـ في دمشق.
ويمكن أن نقدم الكتاب على النحو التالي:
أولًا: ضم الكتاب الذي بين يدي وأقدم من خلاله هذه الدراسة أربعمائة وثلاثًا وثمانين ترجمة سار في تقديم أصحابها على الحروف الأبجدية، تمامًا كما فعل أستاذه ياقوت، بادئًا بالترجمة لإبراهيم بن آدم العجلي الزاهد المجاهد المتوفى سنة 161هـ منتهيًا بالترجمة ليونس بن مودود بن محمد بن أيوب، وهو نفسه الملك الجواد بن الملك العادل الأيوبي، وتشكل التراجم للأدباء والعلماء الجانب الأوفر عددًا من بين تراجم الكتاب، وهو المسار نفسه الذي انتهجه سلفه ابن خلكان.
وبصدد عدد من ترجم لهم ابن شاكر، فإننا قد ذكرنا أن النسخة التي بين يدي من الكتاب، وهو في مجلدين تضم أربعمائة وثلاثًا وثمانين ترجمة في حين يذكر الشيخ محيي الدين عبد الحميد محقق النسخة ذاتها في المقدمة التي قدم بها للكتاب أن عدد من ترجم لهم المصنف ثمانمائة وستة وأربعون، ولا ندري ما الذي جعل المحقق يكتب هذا العدد الكبير في مقدمته بينما لا يضم الكتاب إلا العدد الذي أشرنا إليه آنفًا، وهو ما يقارب نصف العدد أو يزيد قليلًا على النصف، ثم يحدث خلاف آخر في العدد حين يذكر الأستاذ محمد خير الدين الزركلي في ترجمته لابن شاكر في كتاب الأعلام أن كتاب فوات الوفيات، يقع في مجلدين اشتملا على خمسمائة واثنتين وسبعين ترجمة.
والرأي عندي في ذلك ربما كان العدد الذي ذكره المحقق صحيحًا، غير أنه لم يتوفر بين يديه إلا العدد الذي ضمته دفتا الكتاب، وقد كان من الواجب عليه أن يشير إلى ذلك في مقدمته معللًا السبب في الاختلاف بين العدد الفعلي الذي ضمه الكتاب المحقق والعدد الذي ذكره في المقدمة.
ثانيًا: للكتاب ميزة كبرى من حيث إنه ترجم لمن فات ابن خلكان أن يترجم لهم، وذلك واضح من عنوان الكتاب على ما أسلفنا، فضلًا أنه مضى في الترجمة لمشاهير الأعيان عام 753 أي قبل وفاته بأحد عشر عامًا، وكان آخر من ترجم لهم من حيث الزمان الشاعر علي بن محمد بن غالب المعروف بمجد العرب المتوفى في الموصل في العام الذي أسلفنا، وهو بذلك غطى مساحة كبيرة من أعلام المائة الثامنة.
هذا ويكثر ابن شاكر من الترجمة لأعيان الأندلس، ولبعض شهيرات النساء مثل السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن، وحمدونة الأندلسية الشاعرة وليلى الأخيلية وعلية بنت المهدي وفضل جارية المتوكل.
ثالثًا: هناك بعض نواحي النقص أو القصور في الكتاب، ذلك أن المؤلف لا يهتم بسنوات وفاة أعيانه، فإن عددًا كبيرًا منهم قد أغفل ذكر سنوات وفاتهم، بل إنه يخطئ في بعض الأحيان في تحديد سنة الوفاة، فعلى سبيل المثال ذكر أن أبا العباس الأعمى الشاعر "واسمه الحقيقي السائب بن فروخ" قد توفي في حدود المائة. ومن الثابت تاريخيًّا أن حوارًا ممتعًا يتعلق ببني أمية قد جرى بينه وبين المنصور العباسي أثناء تولي المنصور الخلافة أي بعد سنة 136 هـ على وجه اليقين وبذلك يكون الخطأ في تحديد زمن وفاة أبي العباس الأعمى خطأ كبيرًا. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه لا يضبط الأسماء والألقاب والكنى والبلاد كما فعل ياقوت، ولعل ذلك أمر طبيعي، إنه طبيعة الفارق الكبير بين ابن خلكان العالم وابن شاكر الوراق. والأمر الثالث أن المؤلف يتناول بعض الأعيان بما لا يشفي غلة أو يعطي فائدة فلا يزيد على أن يذكر للعين مقطوعة أو مقطوعتين من الشعر لا تتعدى المقطوعة بيتين، وتلك ظاهرة واضحة في كثير من صفحات الكتاب في عدد غير قليل من التراجم. وأما الأمر الرابع فهو أن ابن شاكر في ترجماته عالة على معاصره العالم الكبير صلاح الدين الصفدي في كتابه الكبير الوافي بالوفيات الذي سوف يأتي ذكره بعد قليل فإنه يكاد ينقل منه نقلًا، وهوأمر واضح في كثير من الترجمات لعل أقربها إلينا ترجمته لابن خلكان، فضلًا عن أنه كثيرًا ما ينقل من معجم الأدباء لياقوت1.
ومع ذلك فإن الكتاب جهد مفيد لا غنى لمن يعمل في حقل الأدب، والمعرفة العامة عن الاستعانة به والاطلاع عليه كلما أراد أن يستجلي أمرًا متصلًا بعين من أعيان تاريخنا وأدبنا.
1 انظر مقدمة مرجوليوت لمعجم الأدباء "1/ 11".