الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطرب في أشعار أهل المغرب:
وهذا مصدر آخر من مصادر الأدب الأندلسي له سمعة طيبة ومكانة حسنة وعند جمهرة المتخصصين والدارسين، ألفه ابن دحية أبو حفص عمر بن الحسن بن علي المولود في بلنسية سنة 547 أو 548 حسب اختلاف الروايات، والمتوفى في القاهرة والمدفون بسفح المقطم سنة 633هـ، فيكون بذلك أندلسي المولد والنشأة، مغربي الشباب والتكوين، مصري الإنتاج والوفاة، شأنه في ذلك شأن الكثرة الوافرة من العلماء والأدباء والشعراء من معاصريه، حيث كانت الرحلة بين المشرق والمغرب العنصر الأساسي في حياة الأديب، ولم تكن الرحلة مجرد أسفار، وإنما كانت إقامة تمتد لسنين عدة، وتوفرًا على الدرس والتحصيل، وتلقيًا من المشايخ والأساتذة في مدينة بعينها أو إقليم بعينه، ويتكرر هذا الحال في العديد من البلدان مع العديد من الأعيان.
وابن دحية الكلبي لم يكن مؤلفًا ومصنفًا فحسب بل كان كاتبًا بارعًا وشاعرًا مبدعًا ولغويًّا ثبتًا، وقاضيًا مرموقًا، تولى قضاء "دانية" في الأندلس واشتغل أستاذًا للملك الكامل الأيوبي ابن الملك العادل حين كان الأول وليًّا للعهد.
وقد أحصى المؤرخون لابن دحية اثني عشر كتابًا، بعضها في الأدب "كالمطرب" الذي نحن بصدد الحديث عنه، و "مرج البحرين في فوائد المشرقين والمغربين". وبعضها في التاريخ مثل "النبراس في أخبار بني العباس" و "الإعلام المبين في المفاضلة بين أهل صفين" كما اهتم بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أحد الأحفاد البررة من ناحية جدته لأبيه الزهراء فاطمة البتول، فمن مؤلفاته في هذا السبيل "الآيات البينات في ذكر ما في أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعجزات" و"التنوير في مولد السراج المنير" و"شرح أسماء النبي". كما كان صاحبنا من مؤلفي كتب المعاجم، فإن له "المعجم في أسماء من لقي من أهل العلم".
أما كتاب "المطرب في أشعار أهل المغرب" فهو أشبه بكراسة أو بكناشة منه إلى كتاب واضح المنهج، إنه يضم مختارات لطائفة من شعراء الأندلس وإفريقية وصقلية وجزر البليار، ابتداء من القرن الثاني من أمثال يحيى الغزال، مارًّا بالقرون حتى يصل إلى أوائل القرن السابع الذي عاش فيه، وهو لا يكاد يطيل في الترجمة لشاعره بأكثر من صفحتين كما أنه يوجز في بعض الأحيان إلى إيراد البيتين أو الثلاثة، لكنه ينتقي بحاسة الأديب النصوص التي يوردها لكل شاعر أو أديب، وفي الكتاب مسحة تاريخية، فهو يتحدث عن بعض الدول والملوك والسلاطين، ويترجم لهم مثل قيام دولة الموحدين، وتغلب الملثمين على الأندلس،
ومثل سفارة الغزال إلى بلاد المجوس ويذكر بعض الأحداث التاريخية والوقائع الحربية مثل الزلاقة، وغيرها من المعارك التي شهدتها الأندلس والمغرب.
ومن منطلق عدم التزامه بمنهج معين فإن ابن دحية يترجم لشاعر بعينه مثل ابن الزقاق ويأتي له بمقتطفات من شعره، ثم ينتقل إلى الترجمة لشاعر آخر، ولا يكاد يقطع في هذا السبيل شوطًا قصيرًا حتى يتذكر مقطوعات أخرى فيعود إليه ليثبت ما فاته إثباته ويورد له المزيد من مقطوعاته الشعرية، ولقد فعل الصنيع عينه مع أبي إسحاق ابن خفاجة حين أتيت له مقطوعات في صفحات عدة من كتاب "المطرب".
ويعمد ابن دحية إلى تخصيص فصول بعينها لموضوع بذاته على صفحات كتابه، فيخصص على سبيل المثال فصلًا للنرجس، ويأتي بفقرات شعرية فيه لأكثر من شاعر، أو فصل في الرياح ويفعل الصنيع نفسه. وقد يحشر نكتة لطيفة ذات دلالة نحوية ينثرها هنا وهناك على صفحات كتابه.
ومجمل القول في "المطرب" أننا نطرب لمحتواه، لكننا نتعب في متابعته لخروجه على المنهج المألوف في تصنيف الكتب ونده عن المنهج المألوف في تصنيف الكتب ونده عن المنهج السوي في تقديم مادته لقارئه.
هذا ومن الكتب الهامة في فصل التراجم كتاب الكتيبة الكامنة للوزير لسان الدين بن الخطيب، وقد رأينا أن يكون الحديث عنها مرتبطًا بالحديث عن لسان الدين، إذ إنه يحتاج إلى شيء من التعريف به لفضله على الدراسات الأندلسية، وهو ما سوف نعرض له في الفصل التالي.