الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنسيان قد يؤدي بالشعر الذي في الحافظة إلى الضياع ما لم يتلقه راوية آخر.
لم يكن الحال والأمر كذلك ليستمر طويلًا، وبخاصة بعد أن أخذت أسباب الرقي الفكري تعم المجتمع الإسلامي. وعرف العرب الكتابة والقراءة. فكان من الطبيعي أن تولد ظاهرة التدوين، التدوين في كل مجال في الحديث وفي الأحكام وفي الشعر أيضًا، وكان الشعراء المحدثون على عهد بني العباس يكتبون شعرهم ويجمعونه في دواوين، أما الشعر السابق على تلك الفترة فكان إعادة تدوينه مع التعريف بأصحابه ومدى تقدم الواحد منهم على أقرانه أو تخلفه عنهم، أي دراستهم على أنهم طبقات يتفاوتون جودة ورداءة، نقول كان ذلك ضرورة أملتها طبيعة التطور فبدأت الحياة الأدبية تثمر، وظهر بعض العلماء الذين تحملوا هذا العبء كل على قدر استطاعته.
هذا وينبغي أن نلفت النظر بشدة إلى الدقة الكبيرة التي كان الشعر يروى بها في نطاق من أمانة الرواية واهتمام الرواة، وإذا وجدت حالات انتحال أو خطأ في الرواية فليس معنى ذلك أن المسألة كانت ظاهرة متفشية، وإنما هي حالات قليلة جرت في فترة بعينها ابتغاء كسب المال، وأما الأصل فهو الرواية الصحيحة الدقيقة ذات النهج الواضح، ولعل أمة من الأمم لم تحتفل بالرواية الصادقة، ووضع أصول لها كما فعل المسلمون عند اهتمامهم بجمع الحديث الشريف. إن الذين جمعوا الشعر لم يكونوا بعيدين كثيرًا عن الذين جمعوا الحديث ورووه، وقد وجد المدلس، والوضاع عند كل من الفريقين، فليس معنى وجود بعض المدلسين والوضاعين بين المحدثين أن حديث رسول الله لم يرو رواية صالحة، وبالتالي لا يعني وجود طبقة أو بالأحرى عدد من الوضاعين والملفقين في نطاق رواية الشعر أن الشعر المروي القديم قد فقد شيئًا من قيمته ومدى نسبته إلى أصحابه.
طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي:
إن محمد بن سلام الجمحي، هو أول من ألف كتابًا على هذا النحو في طبقات الشعراء، ونحن لا نعرف تاريخ ولادة ابن سلام على وجه التحديد، وإذا كان كل من الخطيب البغدادي وياقوت يذكر أنه مات سنة 231 أو 232هـ وأنه مات كبيرًا، وذكر صاحب تاريخ بغداد أن ابن سلام قدم على الحسين بن فهم سنة 222هـ فاعتل علة شديدة فما تخلف عنه أحد، وأهدى إليه الأجلاء أطباءهم، وكان ابن ماسويه الطبيب المشهور ممن أهدى إليه، أي ممن دعوا إلى فحص علته، فلما جسه ونظر إليه قال له: ما أرى من العلة كما أرى من الجزع، فقال: والله ما ذاك لحزني على الدنيا مع اثنتين وثمانين وسنة، ولكن الإنسان في غفلة حتى يوقظ بعلة، ولو وقفت بعرفات وقفة، وزرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم زورة، وقضيت أشياء
في نفسي لرأيت ما اشتد علي من هذا قد سهل. فقال له ابن ماسويه: لا تجزع فقد رأيت في عرقك من الحرارة الغريزية وقوتها ما إن سلمك الله من العوارض بلغك عشر سنين أخرى1. ومن الطريف أن يوافق القدر كلام الطبيب ابن ماسويه، فيعيش ابن سلام عشر سنوات أخرى ويموت سنة 232هـ ويكون قد عمر تبعًا لذلك اثنين وتسعين عامًا، وبحسبة بسيطة يكون ابن سلام الجمحي قد ولد سنة 140هـ، ونحن لا نعرف من اهتم بجمع الشعر والتأليف فيه من قد ولد في هذا التاريخ أو قبله.
ويذكر ياقوت الحموي أن لابن سلام فضلًا عن طبقات الشعراء كتاب غريب القرآن2.
وإن مثل ابن سلام، وهو مقدم على تأليف كتاب طبقات العشراء لا بد له أن يكون متسلحًا بالرواية، رواية الشعر ورواية الحديث.
وتذكر المصادر التي ترجمت له أنه كان محدثًا، وأن الشيخ الجليل الإمام ابن حنبل قد أخذ عنه، وإن كانت هناك أخبار تشكك في قدره كمحدث؛ لأنه كان يرمي بالقدر، ومن ثم فقد قيل عنه: إنما يكتب عنه الشعر وأما الحديث فلا. وإن الذي نهتم له هنا هو الشعر، فقد روى الرجل الشعر وهو أيضًا أول من ألف فيه، وهو إلى جانب ذلك أي إلى جانب كونه راوية، يذكر عنه أنه أخباري نحوي لغوي من مدرسة البصرة، ونستطيع أيضًا أن نلمح لديه سمات النقد التي تتمشى مع طبيعة مثل هذا الفن في أول نشأته.
ولابن سلام رأي في الشعر وله معايير في تمييز الجيد من الرديء، والصحيح من المنحول فيقول، وكأنه أراد أن يقدم لكتابه بدراسة مختصرة عن الشعر:
"وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم، والصناعات منها ما تثقفه العين ومنها ما تثقفه الأذن ومنها ما تثقفه اليد ومنها ما يثقفه اللسان، من ذلك اللؤلؤ والياقوت لا يعرف بصفة ولا وزن دون المعاينة ممن يبصره ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم لا يعرف جودتها بلون ولا مس ولا طراز ولا حس ولا صفة ويعرفها الناقد عند المعاينة فيعرف بهرجها وزائفها وستوقها ومفرغها. ومنه البصر بغريب النخل والبصر بأنواع المتاع وضروبه واختلاف بلاده وتشابه لونه ومسه وذرعه، حتى يضاف كل صنف منها إلى بلده الذي خرج منه، وكذلك بصر الرقيق فتوصف الجارية، فيقال ناصعة اللون جيدة الشطب نقية الثغر حسنة العين والأنف جيدة النهود طريفة اللسان واردة الشعر، فتكون هذه الصفة بمائة دينار وبمائتي دينار
1 تاريخ بغداد "5/ 329".
2 معجم الأدباء "18/ 204".
وتكون أخرى بألف دينار، وأكثر لا يجد واصفها مزيدًا على هذه الصفة، قال ابن سلام وإن كثرة المدارسة تعين على العلم قال محمد. قال خلاد بن يزيد الباهلي لخلف بن حيان أبي محرز، وكان خلاد حسن العلم بالشعر يرويه ويقوله:"بأي شيء ترد هذه الأشعار التي تروى؟ قال له: هل تعلم أنت منها ما إنه مصنوع لا خير فيه؟ قال: نعم، قال: أفتعلم في الناس من هو أعلم منك بالشعر؟ قال: نعلم قال: فلا تنكر أن يعرفوا من ذلك ما لا يعرفه أنت، قال: ابن سلام. وقال قائل لخلف: إذا سمعت أنا بالشعر واستحسنه فما أبالي ما قلت فيه أنت وأصحابك، فقال له: إذا أخذت أنت درهمًا فاستحسنته فقال لك الصراف: إنه رديء هل ينفعك استحسانك له"1.
وأما الكتاب من حيث تقسيمه فهو قسمان: قسم جاهلي وقسم إسلامي، ويفهم من بعض كلام المؤلف أنهما كانا كتابين: أمي جاهلي ألفه وانتهى منه ثم ألحقه بالقسم الثاني، وهو الخاص بالشعراء الإسلاميين.
والكتاب من حيث منهجه ينطبق على عنوانه كل الانطباق، فقد قسم الشعراء جميعًا من جاهليين وإسلاميين إلى طبقات متتابعة كل حسب قيمتها الغنية من وجهة نظره وتبعًا لمعاييره الخاصة التي لم يفصح عنها كل الإفصاح وإنما جعل نفسه كالخبير الذي يميز الجيد من الرديء والصيرفي الذي يميز الدينار الصحيح من الدينار المزيف.
لقد قسم ابن سلام الشعراء الجاهليين إلى عشر طبقات، جعل امرأ القيس والنابغة الذبياني وزهيرًا والأعشى في الطبقة الأولى وحدهم دون غيرهم، ولعل ذلك يفسر لنا القضية النقدية المبكرة التي تجيب على سؤال عن أفضل الشعراء الجاهليين، فكانت الإجابة: امرؤ القيس إذا ركب، وزهيرًا إذا رغب، والنابغة إذا رهب والأعشى إذا طرب.
وفي الطبقة الثانية من الشعراء الجاهليين يضع ابن سلام الحطيئة وكعب بن زهير، ولسنا ندري إلى أي جانب من الصواب هو محق في حكمه، فإنه لكل من الشاعرين صفة أخرى غير الجاهلية، فلقد شهد كلامهما الإسلام واعتنقه، ومن ثم فإنهما يعتبران شاعرين مخضرمين، وهي التسمية الصحيحة علمًا أن لكل منهما شعرًا كثيرًا في الإسلام وبخاصة الحطيئة رغم رقة دينه وارتداده بعد وفاة الرسول. ولكنه ما لبث أن آمن أو تظاهر بالإيمان وعاش إلى ما بعد عهد عمر بن الخطاب.
وفي الطبقة الثالثة يضع النابغة الجعدي وأبا ذؤيب الهذلي والشماخ بن ضرار، ولبيد بن ربيعة، وأربعتهم شعراء فحول ولكن اعتراضنا على أن نسبتهم إلى الجاهلية لا تزال قائمة،
1 طبقات ابن سلام صفحة "3، 4".
فكلهم أسلموا وعاشوا في الإسلام طويلًا، بل إن منهم من عاش في الإسلام خمسين سنة مثل النابغة الجعدي الذي هجر الخمر، والأوثان قبل الإسلام، ثم أسلم وأدرك صفين مع علي بن أبي طالب، ومنهم من حضر الفتوحات وأبلى فيها بلاء حسنًا، وهو أبو ذؤيب الهذلي واسمه خويلد بن خالد بن محرث ومات سنة 27هـ بعد أن شهد فتح إفريقية، والشماخ بن ضرار من كبار الشعراء المخضرمين وألمعهم، وقد بايعه الحطيئة قبل أن يموت، وقال وهو يحتضر: أبلغوا الشماخ عني أنه أشعر غطفان، وأما لبيد فإنه رغم إسلامه وأنه عمر بعد الإسلام طويلًا فإنه احترامًا لتدينه أقلع عن قول الشعر منذ أن أسلم، ولم يقل غير بيت واحد هو:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه
…
والمرء يصلح الجليس الصالح
وكان كريمًا جوادًا وهو صاحب المعلقة المشهورة:
عفت الديار محلها فمقامها
…
بمنى تأبد غولها فرجامها
وقد يكون ابن سلام على حق في نسبته لبيدًا إلى الشعراء الجاهليين فشعره كله جاهلي أما شخصيته فإسلامية أو بالأحرى مخضرمة.
ويمضي ابن سلام على رسله في هذا التصنيف الذي تفرد به فيجعل طرفة بن العبد، وعبيد بن الأبرص وعلقمة بن عبدة -وهم من الشعراء في الذروة- من الطبقة الرابعة. ويضع عمرو بن كلثوم، وعنترة بن شداد والحارث بن حلزة في الطبقة السادسة ولا يذكر سببًا لتأخير هؤلاء الثلاثة المبرزين وزحزحتهم إلى هذا السفح البعيد كثيرًا عن القمة.
وبين شعراء الطبقة التاسعة يضع ابن الجمحي سحيمًا عبد بني الحسحاس وكان ذلك مثارًا لتساؤلنا عن السبب الذي جعل الجمحي يضع سحيمًا في موكب الشعراء الجاهليين مع أنه ولد في أوائل عصر النبوة ورآه الرسول، ويقال إنه أعجب بشعره وكان عبدًا حبشيًّا يجيد الشعر ولا يجيد النطق، وكان كلما أعجب ببيت شعر له قال: أحسنك والله أي أحسنت والله، ولقد قتله سادته بنو الحسحاس سنة 40هـ؛ لأنه كان يشبب بنسائهم، وقد قص ابن سلام بنفسه بعض الأبيات التي أنشدها لعمر بن الخطاب، وهي أبيات جيدة رغم خبث غرضها، وكان عبد الله بن أبي ربيعة قد اشتراه وكتب بذلك إلى عثمان بن عفان وذكر له أنه -أي العبد- شاعر، فكان رد عثمان عليه أن أردده فلا حاجة بنا إليه فإنما حظ أهل العبد الشاعر منه أنه إذا شبع أن يشبب بنسائهم، وإذا جاع أن يهجوهم1، ويذكر ابن سلام قول
1 الشعر والشعراء لابن قتيبة "ص408".
عثمان ولكن بألفاظ أخرى وهي قوله: لا حاجة لي به إن الشاعر لا حريم له1.
إن تساؤلنا لا يزال قائمًا إزاء نسبة شاعر إسلامي إلى الجاهلية، وعلى النهج نفسه يجعل ابن سلام الكميت بن معروف الأسدي، وهو غير الكميت بن زيد من الطبقة العاشرة من الشعراء الجاهليين مع أن الشاعر عاش أكثر حياته في الإسلام، فلقد مات سنة 60هـ ويسميه الكميت الأوسط تمييزًا له عن جده الكميت بن ثعلبة والكميت بن زيد الشاعر المتشيع المعروف المتوفى سنة 126. وابن سلام يقول عنه أي عن الكميت الأوسط: إنه أشعرهم قريحة.
وهكذا ينهي ابن سلام تقديم الطبقات العشر من الشعراء الجاهليين وقد جهلنا كل الجهل الأساس الذي عليه رتبهم طبقات والأسباب التي من أجلها جعل المخضرمين والإسلاميين جاهليين.
وفي القسم الأول نفسه من الكتاب أي القسم الخاص بالجاهليين يفرد ابن سلام بابًا لأصحاب المراثي من الشعراء ويجعلهم "طبقة بعد العشر طبقات" وهو باب قصير لم يشغل من كتابه أكثر من أربع صفحات ولم يشمل أكثر من ثلاثة شعراء وشاعرة. فأما الشعراء الثلاثة فمنهم جاهليان هما أعشى باهلة "عامر بن الحارث" وكعب بن سعد الغنوي، وأما الثالث فهو متمم بن نويرة الشاعر الفارس المخضرم، وأما الشاعرة فهي الخنساء "تماضر بنت عمرو بن الحارث" وهي مخضرمة صحبت أولادها الأربعة إلى موقعة القادسية ودفعت بهم إلى خضمها فخاضوها ببسالة وهم يرتجزون واستشهد أربعتهم، فلما بلغها خبر استشهادهم، قالت: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وأرجو أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
ويفرد ابن سلام بابًا ثالثًا في القسم الأول من كتابه تحت عنوان شعراء القرى العربية، وهي المدينة، ومكة، والطائف، واليمامة، والبحرين، ويقول: وأشهرهن قرية المدينة أي شعراء المدينة، ويعدد من شعرائها حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وقيس بن الخطيم وأبا قيس بن الأسلت، ثم يقدم حسانًا عليهم جميعًا.
ويعدد بعد ذلك شعراء مكة ويذكر منهم عبد الله بن الزبعري الذي حارب الدعوة الإسلامية وهجا المسلمين وألب عليهم العرب، كما يذكر منهم مسافر بن أبي عمرو وآخرين، ومن الطائف يعدد أربعة من بينهم أمية بن أبي الصلت الذي كان متحنفًا قبل الإسلام فلما جاءت الدعوة الإسلامية امتنع عن الإسلام، ويقول عنه ابن سلام إنه أشعرهم
1 طبقات ابن سلام "ص43".
أي أشعر أهل الطائف.
ومن شعراء البحرين يعدد ثلاثة بينهم المثقب العبدي المتوفى سنة 35 قبل الهجرة واسمه العائذ بن محصن بن ثعلبة، وقد مدح النعمان بن المنذر وعمرو بن هند.
فإذا ما أراد الحديث عن شعراء اليمامة قال: "ولا أعرف باليمامة شاعرًا مشهورًا".
هذا وقد أفرد ابن سلام قسمًا للشعراء اليهود ووصف شعر بعضهم بالجودة، وعدد منهم السموأل بن عادياء، والربيع بن أبي الحقيق، وكعب بن الأشرف وغيرهم، وهذان الأخيران ممن خاضوا معارك الشعر والحرب ضد المسلمين.
وأما القسم الثاني من كتاب طبقات ابن سلام فقد خصصه للشعراء الإسلاميين ويعني بذلك الشعراء الذين عاشوا في عصر بني أمية ويقسمهم إلى طبقات عشر أيضًا يعمد في بعضها إلى النصفة والاعتدال حين يجعل جريرًا والفرزدق والراعي، والأخطل في الطبقة الأولى ويكثر من ذكر الاستشهاد بشعرهم وبخاصة في النقائض، وحين يجعل البعيث والقطامي وكثيرًا وذا الرمة في الطبقة الثانية.
ولكنه يجحف كل الإجحاف حين يجعل جميل بن معمر، والأحوص في الطبقة السادسة، وحين يجعل عدي بن الرقاع وزيادًا الأعجم في الطبقة السابعة، ويشتط في الإجحاف حين يضع كبار الرجاز من أمثال أبي النجم العجلي، والعجاج وولده رؤبة في الطبقة التاسعة، وليس لدينا من تفسير لذلك إلا أن ابن سلام كان يكره الغزل ويحط من قدر الرجز.
هذا وقد أهمل ابن سلام ذكر عمر بن أبي ربيعة على سمو قدره في الشعر وصدارته بين شعراء العرب، كما أنه جرد قريشًا من صفة الشعر مع أنها قد أنجبت خمسة من الشعراء العظام هم عمر والحارث المخزومي والعرجي وأبو دهبل وعبيد الله بن قيس الرقيات. لا بد أن ذلك الأمر قد غاب عن ذاكرة ابن سلام، وإذا كان ذلك كذلك فلا شك أنه قرأ آراء كل من جرير والفرزدق وهما يشكلان ذروة الشعر الإسلامي في نظره، حين قال الأول في شعر عمر لما سمع رائيته: ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر، وحين قال الثاني أي الفرزدق لما سمعها أيضًا: هذا الذي كانت الشعراء تطلبه فأخطأته وبكت الديار ووقع عليه هذا.
لقد أهمل ابن سلام شأن شاعرين آخرين عظيمين هما الطرماح بن حكيم شاعر الخوارج، والكميت بن زيد الأسدي صاحب الهاشميات الرائعة وشاعر آل البيت.
ومهما كان الأمر، فهذه صورة الكتاب الأول الذي اهتم بالشعر والشعراء ولئن خانه
التوفيق في الإنصاف في ترتيب الشعراء فإن شفيعه للقارئين أنه قدم لنا المحاولة الأولى في التأليف المتخصص في موضوعات الشعر والشعراء.