الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحسن منذر بن سعيد البلوطي فخر علماء الأندلس علمًا وفضلًا، وعدلًا وشجاعة ومكانة، والشاعر المبدع أبو عمر يوسف بن هارون المعروف بالرمادي، والشاعر محمد بن هانئ.
وكتاب "مطمح الأنفس" -على صغر حجمه- يضم القصائد الفريدة والأخبار الطريفة التي لم تتكرر في غيره من الكتب التي عرضت للأدب الأندلسي، وأدبائه عند من كانت لهم دراسات تاريخية، فلقد قام الفتح بعمل دراسة ميدانية حسبما يسميها علماء الاجتماع المعاصرون.
هذا وكل من "قلائد العقيان" و"المطمح" يعتبر من المصادر الأصيلة لكل من كتب أو ألف أو ترجم في نطاق الأدب الأندلسي ابتداء من أبناء سعيد في المغرب وانتهاء بلسان الدين بن الخطيب، كل في كتبه العديدة التي يقول فيها بين الحين والآخر "قال الفتح في قلائده" أو جملة "ذكره الفتح في القلائد" أو جملة "ومن القلائد"، ثم يأتي بالنص أو بالخبر.
وإذا كان ثمة عيب ظاهر في كل من القلائد والمطمح، فهو أن الفتح بن خاقان لم يضع في اهتمامه ذكر تواريخ مواليد ووفيات الأعيان الذين عرض لهم بالترجمة.
الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة:
يعتبر كتاب الذخيرة من أشهر الكتب التي ألفها العلماء الأندلسيون وأنفسها قيمة فيما يتصل بتاريخ أدب وطنهم الأندلس، ولقد قام بتأليفه علي بن بسام الشنتريني نسبة إلى بلدة شنترين التي ولد فيها وعاش في رحابها معظم سني حياته، وشنترين تقع في أقصى غرب الأندلس -أي في البرتغال المعاصرة- وتعرف المدينة الآن باسم Santarem.
ولقد هاجر ابن بسام من مدينته الجميلة حين بدأت تتعرض للغزو الأسباني المسيحي، وتضطرب أسباب العيش فيها، فاتجه مهاجرًا إلى جهة الشرق حيث ألقى عصا الترحال في إشبيليه، وبها استقر مقامه بضع سنوات وفيها ألف "الذخيرة" ثم توفي فيها سنة 524هـ وهي السنة نفسها التي فيها وقعت مدينته في يد الروم، ولعل خبر سقوط مدينته العزيزة على نفسه، وقع على قلبه في مغتربه موقعًا أليمًا فكان من الأسباب التي أودت بحياته؛ لأنه عاش في إشبيلية حياة مضطربة غير مستقرة، محوطًا بالحساد مقترًا عليه في الرزق بعد رفاهية عيش في موطنه ونعومة حياة في بلدته شنترين. وهو يذكر ذلك في مقدمة كتاب مسجلًا ذلك للتاريخ قائلًا1:
1 مقدمة الذخيرة "1/ 1/ 8".
"وعلم الله تعالى أن هذا الكتاب لم يصدر إلا عن قلب مكلوم الأحناء، وفكر خامد الذكاء، بين دهر متلون تلون الحرباء؛ لانتباذي كان من شنترين قاصية المغرب، مفلول الغرب، مروع السرب، بعد أن استنفد الطريف والتلاد، وأتى على الظاهر والباطن النفاد، بتواتر طوائف الروم، علينا في عقر ذلك الإقليم، وقد كنا عنينا بكرم الانتساب عن سوء الاكتساب، واجتزأنا بمذخور العتاد عن التقلب في البلاد، إلى أن نثر علينا الروم ذلك النظام، ولو ترك القطا ليلًا لنام، وحين اشتد الهول هنالك اقتحمت بمن معي المسالك، على مهامه تكذب فيها العين الأذن وتستشعر فيها المحن:
مهامه لم تصحب بها الذئب نفسه
…
ولا حملت فيها الغراب قوادمه
حتى خلصت خلوص الزبرقان من سراره، وفزت فوز القدح عند قماره، فوصلت حمص -أي إشبيليه- بنفس قد تقطعت شعاعًا، وذهب أكثرها التياعًا، وليتني عست منها بالذي فضلا فتغربت بها سنوات أتبوأ منها ظل الغمامة، وأعيا بالتحول عنها عي الحمامة، ولا أنس إلا الانفراد، ولا تبلغ إلا بفضلة الزاد، والأدب بها أقل من الوفاء حامله أضيع من قمر الشتاء، وقيمة كل أحد ماله، وأسوة كل بلد جهاله، حسب المرء أن يسلم وفره، وإن ثلم قدره، وأن تكثر فضته وذهبه، وإن قل دينه وحسبه".
ويبدو أن الرجل العالم الكريم قد كابد الكثير من الحرمان في إشبيليه، وكابد غير قليل من المكائد، وواجه ألوانًا من الحسد وشظف العيش. ومدينة أشبيلية لم تكن من ناحية العلم والجد على مستوى رفيع بل كانت مدينة لهو وعبث، على عكس قرطبة التي كانت مدينة العلم والثقافة والنور، وقد قال الفيلسوف ابن رشد في مناظرة له مع الشاعر المبدع ابن زهر، وكان الأول متعصبًا لقرطبة والثاني متعصبًا لإشبيلية: ما أدري ما تقول غير أنه إذا مات عالم بإشبيليه فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة، وإن مات مطرب بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت إلى إشبيليه.
لقد كانت إشبيلية إذن مدينة قصف ومجون وليست مدينة جد وعلوم الأمر الذي جعل ابن بسام يقول فيها قولًا شبيهًا بقول ابن رشد وإن كان أسبق منه زمانًا: "ولا أنس إلا الانفراد، ولا تبلغ إلا بفضلة الزاد، والأدب بها أقل من الوفاء، حامله أضيع من قمر الشتاء".
إنها إشبيلية ما بعد عصر بني عباد على كل حال، فلقد كانت على عهدهم عاصمة الأندلس ثقافة وأدبًا وفنًّا وعزةً وامتناعًا.
لقد كتب ابن بسام ذخيرته إذن في إشبيلية، ولما كانت سنة وفاته هي 524هـ وإقامته في إشبيلية سنوات -على حد تعبيره- فإن معنى ذلك أنها من قبل الاستنتاج العقلي لا تزيد