الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: معجم الشعراء للمرزباني:
إنه أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني 297-384هـ وقد مر حديثه، وأما كتابه الذي نعنيه هنا في جملة طبقات الشعراء فهو "معجم الشعراء" ولعل كلمة معجم تصلح لأن تكون عنوانًا لقاموس لغوي أكثر من صلاحها عنوانًا لكتاب ألفه صاحبه للتعريف بالشعراء، والترجمة لهم، وتقديم نماذج لأشعارهم، ولكن المرزباني أقدم على هذه التسمية وفي ذهنه المقصد المعجمي، فكما أن المعجم اللغوي يعرف بمعنى الكلمة، فإن معجم الشعراء يعرف بالشاعر بشكل أو بآخر. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد يمكن القول أيضًا إن المرزباني قد اعتمد أول حروف المعجم وهو العين مفتاحًا لتقديم أسماء شعرائه، وهو والأمر كذلك لم يلتزم التقسيم الزمني أو التحديد الموضوعي حين قدم الشعراء.
أما وإن حروف المعجم تبدأ بالعين حسبما هو معروف فإن المرزباني قدم أول ما قدم من شعراء أولئك الذين تبدأ أسماؤهم بحرف العين، التي كادت أن تحل محل الأسماء، وهو يعني الأسماء بحقائقها وليس بالكنى أو أسماء الشهرة أو الصفات، فالقطامي مثلًا لا يجيء تحت حرف القاف وغنمًا يقدمه المؤلف تحت العين؛ لأن اسمه الحقيقي عمير بن شييم، والفرزدق على سبيل المثال لا يجيء تحت حرف الفاء وإنما يقدمه المؤلف تحت الهاء؛ لأن اسمه الحقيقي همام بن غالب، وأبو سعد المخزومي يقدمه المؤلف تحت اسمه الأصيل عيسى بن خالد بن الوليد، ومن ثم فإنه يصعب على القارئ الوصول إلى موضع شاعر ذي كنية أو صفة ما لم يكن يعرف اسمه الأصيل كما هو الحال في القطامي والفرزدق، وهذا يشكل بطبيعة الحال عيبًا من عيوب الكتاب.
نعود إلى الحديث عن ترتيب الشعراء في المعجم فنجد أن المؤلف قد ابتدأ بالشعراء الذين تبدأ أسماؤهم بحرف العين حسبما سلف القول، ثم يثني بأولئك الذين تبدأ أسماؤهم بحرف الفاء، ثم القاف، ثم الكاف فاللام فالميم فالهاء فالياء، وهكذا تتوالى الأسماء بعد العين
في ترتيبها الطبيعي المعروف.
وإذا كان لنا أن نتتبع طريقة عرض المؤلف لشعرائه من خلال حرف من الحروف وليكن حرف العين على سبيل المثال فإننا نلاحظ أنه بدأ باسم عمرو، وأتى بمائة وثلاثة وسبعين شاعرًا اسم كل منهم عمرو، وابتدأ بعمرو بن عبد مناف، وهو الاسم الحقيقي لهاشم بن عبد مناف جد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يأت له بأكثر من مصراع في أرجوزة له هو قوله:
عذت بما عاذ به إبراهيم
وفي الوقت نفسه يذكر كنية هاشم، وهي أبو نضلة، ولما كان عمرو بن عبد مناف قد لقب هاشمًا؛ لأنه هشم الثريد لقومه أيام الجدب والمجاعة، فإن المؤلف يورد بيت مطرود بن كعب الخزاعي الذي يفيد أن عمرًا هو نفسه هاشم يقول فيه:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه
…
ورجال مكة مسنِتُون عجاف1
ويفعل المؤلف بطرفة بن العبد ما فعله بهاشم بن عبد المطلب، فيذكره مع الطائفة التي اسمها "عمرو" من الشعراء، ذلك أن اسمه الحقيقي عمرو بن عبد بن سفيان، وإنما لقب بطرفة لقوله هذا البيت:
إذا نحن قلنا أسمعينا انبرت لنا
…
على رسلها مطروفة لم تشدد
ويبدو لنا أن عددًا كبيرًا من شعراء العرب كانوا يحملون اسم عمرو، فمؤلفنا يذكر بين ما ذكر من الشعراء الذين تبدأ أسماؤهم بحرف العين مائة وثلاثة وسبعين عمرًا، ولقد أسلفنا القول أن لكل من محمد بن داود بن الجراح والجاحظ كتابًا مفردًا تحت عنوان "من سمي عمرًا من الشعراء".
وتحت حرف العين أيضًا يذكر المرزباني اثنى عشر شاعرًا يحملون اسم "عمير" منهم من هو مشهور كبير، ولكن تحت اسم آخر كالقطامي "عمير بن شييم" ومنهم من فاتته الشهرة كعمير بن جيدع العجلي -وجيدع هي أمه- ويذكر له هذه الأبيات2
تركت أخا البطاح على ثلاث
…
يكوس كأنه بكر عقير*
1 معجم الشعراء "ص2".
2 معجم الشعراء "ص72".
* كاس الإنسان يكوس مشى على رجل واحدة، وكاس الحيوان عرقبت إحدى قوائمه فمشى على ثلاث، وكاس العقير يكوس يعني سقط على رأسه.
وتتبعه بصائر واردات
…
كما قدت من الجزر السيور
فلا تفخر علي فإن عجلًا
…
لها عدد إذا حسبوا كثير
ويورد المرزباني شاعرين تحت اسم "عويمر" وسبعة تحت اسم "عمارة"، وثمانية عشر تحت اسم "عدي" منهم من هو معروف مشهور كعدي بن الرقاع العاملي الشاعر الدمشقي في عصر بني أمية، ومنهم من ليس كذلك مثل عدي بن حاتم الطائي الذي كان يكنى بأبي طريف، وفي مقام التعريف به يذكر المرزباني أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم، فلما قامت حركة الردة ثبت على إسلامه، ويذكر المرزباني لقاء له مع الخليفة عمر بن الخطاب، يقول عدي أثناءه: أتعرفني يا أمير المؤمنين؟ فيقول له الخليفة: نعم، أنت الذي آمن إذ كفروا ووفى إذ غدروا، وكان عدي مع الخليفة علي بن أبي طالب يوم الجمل وفقئت عينه في المعركة، وقد عمر حتى بلغ المائة والعشرين، وقد عبر عن كبر سنه بشعر إنساني رقيق، ذلك أنه لما استولى المختار بن أبي عبيد على الكوفة، وكان بينه وبين عدي شجار، هم عدي أن يخرج إليه ولكنه لم يستطع أن يفعل لكبر سنه وضعف جسمه فأنشأ يقول:
أصبحت لا أنفع الصديق ولا
…
أملك ضرًّا للشانئ الشرس
وإن جرى بي الجواد منطلقًا
…
لم تملك الكف رجعة الفرس1
ومع حرف العين يذكر المرزباني، سبعة عشر شاعرًا يحملون اسم "عثمان" وقد جعل الخليفة الثالث عثمان بن عفان واحدًا منهم وأورد له شعرًا جليل المعنى مما يتمشى مع خلق عثمان الرفيع2، ثم ذكر المؤلف أحد عشر شاعرًا تحت اسم "عيسى" منهم عيسى بن خالد بن الوليد المشهور بأبي سعيد المخزومي الذي تهاجى ودعبل الخزاعي في معركة شعرية حامية مثيرة طريفة3 ومنهم عيسى بن موسى بن محمد، وهو من مشايخ بني هاشم ورءوس العباسيين وكان السفاح عهد له بالخلافة العباسية بعد المنصور، ولكن المنصور آثر ابنه محمدًا بها ونقض العهد، فقام عيسى مهددًا في شعر من أجود فن القول:
1 معجم المرزباني "ص84، 85".
2 المصدر السابق "ص88".
3 راجع ذلك في كتابنا "رحلة الشعر من الأموية إلى العباسية" في الفصل الخاص بدعبل.
بدت لي أمارات من الغدر شمتها
…
أظن رواياها ستمطركم دما
وما يعلم العالي متى هبطاته
…
وإن سار في ريح الغرور مسلما
أتهضمني حقًّا تراه مؤخرًا
…
بحكم إلهي حين صرت مقدمًا
سننت انتقاض العهد فاصبر لمثله
…
بنقضك من عهدي الذي كان أُبرِما
وكأنما أحس المرزباني أن صفات عيسى ومكانته قد تحجبه عن عالم الأدب كواحد من أجود الذين يقولون شعرًا في العربية فحرص على أن يورد له أكثر من أنموذج شعري، ولكنه شعر مرتبط بحياة الشاعر السياسية والحربية والمحنة التي حلت به بإقصائه عن ولاية العهد وبالتالي عن تولي الخلافة، فمن قوله هذا الذي يضعه في صف الشعراء الفرسان الفحول:
صليت بنار الحرب آلام لفحها
…
ولم يصلها منصورها ونصيرها
أقاتل عنهم عصبة ما أردتها
…
بسوء، كبيرٌ في العيون صغيرها
أقطِّع أرحامًا علي أعزةً
…
وأسدي مكيداتٍ لها وأنيرها
فلما وضعت الأمر في مستقره
…
ولاحت به شمس تلألأ نورها
دفعت عن الحق الذي أستحقه
…
وسارت بأوساق من العذر عِيرها1
ويمضي المرزباني في التعريف بشعرائه ممن تبدأ أسماؤهم بحرف العين فيذكر سبعة شعراء تحت اسم "العباس"، واثنين تحت اسم "عتبة"، وثلاثة تحت اسم "عتاب" بينهم بطبيعة الحال "عتاب بن ورقاء" ويذكر لعتاب بن ورقاء أسمى قصائده، وهل هناك أسمى من وصف القلم. إن المرزباني يورد لعتاب بن ورقاء قصيدته في وصف القلم التي منها2:
1 المصدر "96، 97".
2 المصدر "ص107".
لك القلم الذي لم يجر إلَّا
…
أبان لك العدو من الولي
إذا استرعفته ألقى سوادًا
…
على القرطاس أبهى من حلي
فيا طوبى لمن أولى إليه
…
بإحسان وويل للمسي
شباة سنانه في الخطب أمضى
…
وأنفذ من شباة السمهري
وتحت اسم "عِتبان" بكسر العين، يورد المرزباني شاعرًا واحدًا هو عتبان بن أصيلة الشيباني1، وهو من الشعراء الفحول غير المشهورين. ويمضي المؤلف في عرض شعرائه الذين يختلفون عدًّا بين القلة والكثرة على هذا الترتيب "عيينة" ثم "عياض" ثم "عصام" ثم "عاصم" ثم "عصمة" ثم "عصم" بالضم فالسكون، ثم "عوف" ثم "عابس" ثم "عياش" ثم "علي" وقد ذكر منهم -أي من اسمهم علي- تسعة وأربعين ثم "العلاء" ثم "عطية" ثم "عطاء" ثم "عطاف" ثم "العوام" ثم "عقيل" بفتح العين، ثم "عقيل بضم العين، ثم "عجلان" ثم "عائذ" ثم "عباءة" ثم "علباء" ثم علبة" ثم "عدل" ثم "عش" ثم "عرنس" ثم "عزيز" ثم "عنبر"، ثم "علاته" ثم "عرعرة" ثم "عتيك" ثم "عويذ" بالضم فالفتح.
وهذا ولم يلتزم المرزباني في معجمه خطة التمثيل لكل شاعر بشيء من شعره، ففي حالات غير قليلة كان يكتفي بذكر اسم الشاعر، وبعض خبره حسبما فعل مع "عمارة بن عطية" فإن كل الذي قاله عنه هو:"لقيه الأصمعي وأخذ عنه"2 وحسبما فعل مع "علي بن عبد الكريم المدائني" فلم يزد على أن قال في خبره: يتشيع ويكثر من مدح آل البيت عليهم السلام"3 بل إن المرزباني لم يأت في التعريف بعدي بن وداع الأزدي الشاعر بأكثر من صفة "الأعمى". إن مثل هذه الحالات يمكن أن تشكل نقدًا لمنهج المرزباني في طريقة تأليفه الكتاب، إذ ما الذي يمكن أن يستفيده طالب معرفة عن شاعر كل ما قدم عنه المؤلف من تعريف أنه كان أعمى، أو أنه كان يتشيع لآل البيت ويكثر من مدحهم دون أن يأتي ببيت واحد من شعر الشاعر؟!
ويعمد المؤلف من ناحية أخرى إلى الإطالة نسبيًّا في التعريف بشعراء آخرين، ربما
1 المصدر "108".
2 المصدر "78".
3 المصدر "154".
لإعجابه الشخصي بشعرهم حسبما فعل مع ابن الرومي، أو علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم، أو علي بن الجهم.
تلك ملاحظة هامة حول منهج المؤلف، وأما الملاحظة الثانية، فهي أن الأسماء التي تبدأ بحرفين اثنين هما العين والميم قد احتلت ثلاثمائة وخمسًا وسبعين صفحة من صفحات الكتاب البالغ عددها بضعًا وخمسمائة صفحة، احتل حرف العين مائة وثلاثًا وسبعين صفحة، واحتل حرف الميم مائتين واثنتين من الصفحات.
هذا ويبدو لنا أن الكتاب لم يطبع كاملًا، وأن ذلك الذي بين أيدينا منه إنما يشكل جزءًا من الكتاب وليس الكتاب كله، وإلا فأين الشعراء الذين تقع أسماؤهم بين الهمزة والظاء وهم من الكثرة بمكان، خاصة وأن المؤلف حاول أن يغطي بعمله الشعراء الجاهليين المخضرمين والإسلاميين، والأمويين، والعباسيين، هذا رأي عن لنا ونحن نقدم منهج المرزباني في معجم الشعراء، ربما قال قائل إنه من الجائز أن يكون المرزباني قد استغنى من ذكر عدد كبير من الشعراء؛ لأنه قدمهم في مؤلف آخر من مؤلفاته -وما أكثرها- ومن ثم فلم يرد أن يكرر نفسه في أكثر من مؤلف، فقد سبق القول بأنه ألف كتابًا عن الشعراء المشهورين المحدثين سماه "المستنير" يقع في عشرة آلاف ورقة أي خمسة آلاف صفحة من الحجم المتوسط بحروف المطبعة المعاصرة، بدأه بذكر بشار بن برد وانتهى به عند عبد الله بن المعتز.
غير أن هذا الافتراض يقع في جانب التخمين وهو على الأغلب غير صحيح؛ لأن الكتاب الذي بين أيدينا تنقصه مقدمة المؤلف، وكان المؤلفون الكبار -والمرزباني في مقدمتهم- يحرصون على أن يكتبوا مقدمات لكتبهم يوضحون فيها مقاصدهم ومناهجهم، ولقد فعل ذلك المرزباني في كتابه "الموشح" الذي سوف يأتي ذكره في مكانه من هذا الكتاب وكتب له مقدمة نفيسة ممتعة، ومن ثم فإننا نميل إلى الاعتقاد بأن ما بين أيدينا من "معجم الشعراء" ليس إلا نصف الكتاب وليس جميعه.
والحق أنه مهما كانت هناك من مآخذ أو هنات حول كتاب "معجم الشعراء" فإنه ينبغي الالتفات إلى أن المؤلف، قد عمد إلى منهجه عمدًا، إنه معجم وحسب، لم يقصد من خلاله أن يترجم للشاعر أو ينقده، فإنه تناول هذه الأمور في كتب أخرى له، تناول الترحمة في "المستنير" وتناول النقد في "الموشح" الذي هو بين أيدينا نرجع إليه عند الحاجة فنصيب منه نفعًا كثيرًا وفوائد جليلة.