المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

البعض الآخر ينتظر دوره في التحقيق والطباعة، فمن كتبه المطبوعة: - مناهج التأليف عند العلماء العرب

[مصطفى الشكعة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: فجر التحرك العقلي العربي

- ‌الفصل الأول: فجر الحركة العلمية

- ‌الفصل الثاني: فجر الحركة التاريخية

- ‌الفصل الثالث: حركة التدوين

- ‌مدخل

- ‌تدوين القرآن الكريم وتفسيره:

- ‌تدوين الحديث:

- ‌تدوين العلوم والمعارف:

- ‌الباب الثاني: الكتابة والإنشاء

- ‌الفصل الأول: الكتابة بدأت عربية دون تأثير فارسي

- ‌مدخل

- ‌يحيى بن يعمر العدواني:

- ‌عبد الله الطالبي:

- ‌الفصل الثاني: إسهام المسلمين في تطوير الكتابة من منطلق عربي

- ‌عبد الحميد بن يحيى:

- ‌عبد الله بن المقفع وتصانيفه

- ‌الفصل الثالث: مسيرة الكتابة العربية كأداة للتأليف:

- ‌الفصل الرابع: مصادر النثر العربي

- ‌الباب الثالث: رواد التأليف الأدبي غير المتخصص

- ‌الفصل الأول: التأليف يبدأ شاباًَ بغير طفولة

- ‌الفصل الثاني: المفضل الضبي:

- ‌الفصل الثالث: النضر بن شميل

- ‌الفلصل الرابع: ابن الكلبي

- ‌الفصل الخامس: أبو عبيدة:

- ‌الفصل السادس: الأصمعي

- ‌الفصل السابع: الهيثم بن عدي:

- ‌الفصل الثامن: المدائني:

- ‌الباب الرابع: التأليف الأدبي المنهجي

- ‌الفصل الأول: أبو عثمان الجاحظ

- ‌الفصل الثاني: ابن قتيبة الدينوري:

- ‌الفصل الثالث: أبو حنيفة الدينوري:

- ‌الفصل الرابع: أبو العباس المبرِّد

- ‌الفصل الخامس: أبو العباس ثعلب:

- ‌الفصل السادس: أحمد بن أبي طاهر "ابن طيفور

- ‌الفصل السابع: أبو بكر الصولي

- ‌الفصل الثامن: المرزباني

- ‌الفصل التاسع: أبو منصور الثعالبي

- ‌الباب الخامس: العقد الفريد والأغاني

- ‌الفصل الأول: أحمد بن عبد ربه "والعقد الفريد

- ‌مدخل

- ‌ العقد الفريد:

- ‌الفصل الثاني: أبو الفرج الأصفهاني والأغاني

- ‌كتاب الأغاني

- ‌مؤلفات أبي الفرج:

- ‌قيمة كتاب الأغاني ومنهجه:

- ‌مختصرات الأغاني:

- ‌الباب السادس: كتب الأمالي:

- ‌الفصل الأول: نشأة الأمالي

- ‌الفصل الثاني: مجالس ثعلب

- ‌الفصل الثالث: أمالي اليزيدي

- ‌الفصل الرابع: أمالي القالي

- ‌مدخل

- ‌ذيل الأمالي والنوادر:

- ‌الفصل الخامس: كتاب الإمتاع والمؤانسة:

- ‌الفصل السادس: أمالي الشريف المرتضى:

- ‌الفصل السابع: أمالي ابن الشجري:

- ‌الباب السابع: طبقات الشعراء

- ‌الفصل الأول: طبقات ابن سلام الجمحي

- ‌مدخل

- ‌طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي:

- ‌الفصل الثاني: الشعر والشعراء لابن قتيبة:

- ‌الفصل الثالث: طبقات الشعراء لابن المعتز:

- ‌الفصل الرابع: معجم الشعراء للمرزباني:

- ‌الفصل الخامس: بقية الطبقات حسب التدرج الزمني:

- ‌الباب الثامن: الاختيارات الشعرية والحماسات

- ‌الفصل الأول: المراحل الأولى في الاختيارات

- ‌السموط أو المعلقات:

- ‌المفضليات:

- ‌الأصمعيات:

- ‌جمهرة أشعار العرب

- ‌ شعر القبائل:

- ‌شعر الهذليين:

- ‌الفصل الثاني: كتب الحماسة

- ‌مدخل

- ‌حماسة أبي تمام:

- ‌ حماسة البحتري

- ‌ حماسة الخالديين "الأشباه والنظائر

- ‌ الحماسة الشجرية

- ‌ الحماسة البصرية:

- ‌الباب التاسع: كتب التراجم

- ‌الفصل الأول: الفهرست لابن النديم

- ‌مدخل

- ‌الفهرست لابن النديم

- ‌منهج الكتاب:

- ‌الفصل الثاني:‌‌ تاريخ بغدادللخطيب البغدادي:

- ‌ تاريخ بغداد

- ‌منهج كتاب تاريخ بغداد:

- ‌الفصل الثالث:‌‌ معجم الأدباءلياقوت الرومي:

- ‌ معجم الأدباء

- ‌منهج ياقوت في معجم الأدباء:

- ‌الفصل الرابع: وفيات الأعيان

- ‌وفيات الأعيان، وأنباء أبناء الزمان:

- ‌فوات الوفيات:

- ‌الوافي بالوفيات

- ‌منهج الكتاب:

- ‌الفصل الخامس: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

- ‌مدخل

- ‌منهج "خلاصة الأثر

- ‌الباب العاشر: التأليف والمؤلفون في التراث الأدبي الأندلسي:

- ‌الفصل الأول: نشأة التأليف عن الأندلس:

- ‌الفصل الثاني: بداية التأليف عن الأدب الأندلسي

- ‌مدخل

- ‌قلائد العقيان، ومطمح الأنفس

- ‌قلائد العقيان:

- ‌مطمح الأنفس ومسرح التأنس

- ‌الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة:

- ‌ملامح كتاب "الذخيرة" ومنهجه:

- ‌التعاون والتعاقب في تأليف كتاب واحد:

- ‌منهج "المغرب" وخصائصه:

- ‌الفصل الرابع: مؤلفات علي بن موسى بن سعيد:

- ‌رايات المبرزين، القدح المعلى، الغصون اليانعة:

- ‌الفصل الخامس: كتب التراجم في الأندلس:

- ‌كتب التراجم لأدباء الأندلس

- ‌سلسة كتب تاريخ علماء الأندلس والصلة وتكملة الصلة

- ‌المطرب في أشعار أهل المغرب:

- ‌الفصل السادس:‌‌ لسان الدينبن الخطيب والكتيبة الكامنة

- ‌ لسان الدين

- ‌منهج الكتيبة الكامنة:

- ‌الفصل السابع: كتب تاريخية في خدمة الأدب الأندلسي

- ‌مدخل

- ‌نقط العروس في أخبار بني أمية بالأندلس:

- ‌ المقتبس في أخبار الأندلس:

- ‌ تاريخ المن بالإمامة:

- ‌ المعجب في تلخيص أخبار المغرب:

- ‌ الحلّة السِّيراء:

- ‌ البيان المُغرب في أخبار المَغرب:

- ‌ الذيل والتكملة لكتابي الموصل والصلة:

- ‌الفصل الثامن: المشارقة والدراسات الأدبية الأندلسية

- ‌ المشارقة والأدب الأندلسي:

- ‌ المقري ونفح الطيب:

- ‌ منهج نفح الطيب وموضوعاته:

- ‌الباب الحادي عشر: الموسوعات العربية

- ‌الفصل الأول:‌‌ ظهور الموسوعة العربيةوالعصر المملوكي

- ‌ ظهور الموسوعة العربية

- ‌الموسوعات والعصر المملوكي:

- ‌الفصل الثاني: الموسوعات المملوكية وكتابها:

- ‌ابن منظور ولسان العرب:

- ‌النويري ونهاية الأرب:

- ‌صلاح الدين الصفدي، وابن شاكر الكتبي:

- ‌ابن فضل العمري ومسالك الأبصار

- ‌القلقشندي وصبح الأعشى:

- ‌المقريزي ومؤلفاته:

- ‌ابن حجر ومؤلفاته:

- ‌ابن تغري بردي ومؤلفاته:

- ‌السخاوي وكتبه:

- ‌الفصل الثالث:‌‌ موسوعات ما قبل العصر المملوكيبواكير الموسوعات:

- ‌ موسوعات ما قبل العصر المملوكي

- ‌بواكير الموسوعات:

- ‌المراجع

- ‌محتويات الكتاب

الفصل: البعض الآخر ينتظر دوره في التحقيق والطباعة، فمن كتبه المطبوعة:

البعض الآخر ينتظر دوره في التحقيق والطباعة، فمن كتبه المطبوعة: الوافي بالوفيات الذي طبع منه حتى كتابة هذا الكتاب ثمانية مجلدات، ونكت الهميان في نكت العميان، والغيث المسجم في شرح لامية المعجم، وجنان الجناس، وتشنيف السمع في انسكاب الدمع، ودمعة الباكي، وتمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون، وتحفة ذوي الألباب فيمن حكم دمشق من الخلفاء والملوك والنواب، وقهر الوجوه العابسة في نسب الجراكسة، ووصف الهلال.

وكان صلاح الدين الصفدي مغرمًا بالتراجم، ولذلك فإنه ألف في ذلك عددًا غير قليل في هذا النوع من العلوم، لقد أفرد من كتابه الكبير الوافي بالوفيات البالغ ثلاثين مجلدًا، ستة مجلدات لأهل عصره وأعيان زمانه أسماه "أعيان العصر وأعوان النصر" ومنها الشعور بالعور في تراجم الصور" و "التذكرة" وهي كتاب كبير جدًّا في التراجم والشعر والأدب والأخبار.

ومن كتبه التي لا تزال مخطوطة: ألحان السواجع وهي رسائله لبعض معاصريه، ونصرة الثائر في نقد المثل السائر، وديوان الفصحاء يتناول فيه موضوعات في الأدب، وجلوة المذاكرة وهو في الأدب أيضًا، والمجاراة والمجازاة، وفض الختام في التورية والاستخدام، والروض الناسم، والحسن الصريح في مائة مليح، والتنبيه على التشبيه، وجر الذيل في وصف الخيل، وتوشيح الترشيح، ورسالة في وصف الحريق، وغير ذلك كثير ما لم يصل إلى أيدينا حتى الآن، أما تلك الكتب التي ذكرنا فهي جميعًا موجودة، المطبوع منها بين أيدي قراء الأدب والتاريخ وطالبي الثقافة والباحثين عن المعرفة، والمخطوط منها يمكن للمتخصصين الوصول إليها في مكامنها من المكتبات العامة والخاصة المتفرقة في أنحاء العالمين العربي والإسلامي، وبعض مكتبات أوربا وأمريكا.

1 هذا الكاب في شرح الرسالة الجدية، أما الرسالة الهزلية لابن زيدون فقد شرحها ابن نباتة المصري، وأسماها "سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون".

2 ذكره ابن حجر بعنوان "أعوان النصر وأعيان العصر".

ص: 484

‌منهج الكتاب:

إنا باستعراضنا للكتب التي ألفها صاحب الوافي بالوفيات نجد أكثرها كتبًا أدبية، وهذا أمر طبيعي بالنسبة إلى فنان كصلاح الدين الصفدي، وهو في الوقت نفسه يؤلف في التاريخ، ثم يجمع بين الأدب والتاريخ في كتبه العديدة في التراجم التي أهمها وأكبرها، بل من أكثر كتب التراجم العربية، كتاب "الوافي بالوفيات" الذي كان كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان ماثلًا في خاطره دون شك حين تأليفه إياه، ومن ثم فقد أسماه هذا الاسم الذي يبدو

ص: 484

فيه المقارعة أو المنافسة والمباراة، وليس هناك أعظم من المنافسة في تقديم العلم إلى الناس بل لعل هذا اللون من المنافسة هو أشرف ألوان المنافسات وأظهرها وأكثرها بركة وأجزلها ثوابًا.

إن للكتاب منهجًا واضحًا وغرضًا بينًا، ونحن نفضل أن نترك المؤلف يقدم منهج كتابه، بنفسه وبلغته الأدبية المتميزة به التي تعطي صورة واضحة عن أسلوب الكتابة في القرن الثامن الهجري الذي عاش المؤلف ثلثيه الأول والثاني، إن المؤلف بعد أن يستهل مقدمته بخطبة يحمد الله فيها ويصلي ويسلم على أنبيائه، ويتحدث عن أخبار الماضين وآثار السالفين والحكمة المستفادة من ذلك إذ:

وما نحن إلا مثلهم غير أنهم

مضوا قبلنا قدمًا ونحن على الإثر

يقول:1

"والتاريخ للزمان مرآة، وتراجم العالم للمشاركة في المشاهدة مرقاة، وأخبار الماضين لمن عاقر الهموم ملهاة.

لولا أحاديث أبقتها أوائلنا

من الندى والردى لم يعرف السمر

وما أحسن قول الإجاني:

إذا عرف الإنسان أخبار من مضى

توهمته قد عاش في أول الدهر

وتحسبه قد عاش آخر دهره

إلى الحشر إن أبقى الجميل من الذكر

فقد عاش كل الدهر من كان عالمًا

كريمًا حليمًا فاغتنم أطول العمر

وربما أفاد التاريخ حزمًا وعزمًا، وموعظة وعلمًا، وهمة تذهب همًّا، وبيانًا يزيل وهنًا، وحيلًا تثار للأعادي من مكامن المكايد وسبلًا لا تعرج بالأماني إلى أن تقع من المصايب في مصايد، وصبرًا يبعثه التأسي بمن مضى، واحتسابًا يوجب الرضا، بما مر وحلا من القضا، وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك فكم تشبث من وقف على التواريخ بأذيال معالٍ تنوعت أجناسها، وتشبه بمن أخلده إلى الأرض، وأصعده سعده إلى السهى؛ لأنه أخذ التجارب مجانًا ممن أنفق فيها عمره، وتجلت له العبر في مرآة عقله فلم تطفح لها من قلبه

1 الوافي بالوفيات: المقدمة "1/ 4-7".

ص: 485

جمرة، ولم تسفح لها في خده عبرة، لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب.

فأحببت أن أجمع من تراجم الأعيان من هذه الأمة الوسط، وكملة هذه الملة التي مد الله تعالى لها الفضل الأوفى وبسط، وبخباء الزمان وأمجاده ورءوس كل فضل وأعضاده وأساطين كل علم وأوتاده، وأبطال كل ملحمة وشجعان كل حرب، وفرسان كل معرك لا يسلمون من الطعن ولا يخرجون عن الضرب، ممن وقع عليه اختيار تتبعي واختياري، ولزني إليه اضطرام تطلبي واضطراري، ما يكون متسعًا في هذا التأليف دره منتشقًا من روض هذا التصنيف زهره، فلا أغادر أحدًا من الخلفاء الراشدين، وأعيان الصحابة والتابعين، والملوك والأمراء والقضاة والعمال والوزراء، والقراء والمحدثين والفقهاء، والمشايخ، والصلحاء، وأرباب العرفان والأولياء والنحاة والأدباء والكتاب والشعراء، والأطباء والحكماء والألباء والعقلاء وأصحاب النحل والبدع والآراء، وأعيان كل فن اشتهر ممن أتقنه من الفضلاء، من كل نجيب مجيد، ولبيب مفيد.

طواه الردى طي الرداء وغيبت

فواضله عن قومه وفضايله

فقد دعوت الجفلى إلى هذا التأليف، وفتحت أبوابها لمن دخلها بلا تسويغ تسويف، ولا تكليم تكليف، وذكرت لمن يجب فتحًا يسره، أو خيرًا قرره، أو جودًا أرسله، أو رأيًا أعمله، أو حسنة أسداها أو سيئة أبداها، أو بدعة سفها وزخرفها، أو مقالة حرر فنها وعرفها، أو كتابًا وضعه أو تأليفًا جمعه، أو شعرًا نظمه أو نثرًا أحكمه.

ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته

ما فاته وفضول العيش أشغال

ولم أخل بذكر وفاة أحد منهم إلا فيما ندر وشذ، وانخرط في سلك أقرانه وهو فذ؛ لأني لم أتحقق وفاته، وكم من حاول أمرًا فما بلغه وفاته على أنه قد يجيء في خلال ذلك من لا يضطر إلى ذكره، ويبدو هجر شوكه بين وصال زهره. قال الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى: لا يصل إليه محتاجًا إليه؛ لأن المتوقف وجوده على وجود شيء آخر متوقف على وجوده ذلك الشيء، وهكذا كل علم لا يبلغ الإنسان إتقانه إلا بعد تحصيل ما لم يفتقر إليه. فقد أذكر في كتابي هذا من لا مزية له، وجعلت إصبع القلم من ذكره تحت رزه رزية، غير أنه له مجرد رواية، عن المعارف متفردة، ولم تكن له دراية، حمائمها على غصون النقل مغردة

والأيك مشتبهات في منابتها

وإنما يقع التفضيل في الثمر

ولكن أردت النفع به للمحدث والأديب، والرغبة فيه للبيب الأريب وجعلت ترتيبه على الحروف وتبويبه، وتذهيب وضعه بذلك وتهذيبه، على أنني ابتدأت بذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

ص: 486

وسلم إذ هو الذي أتى بهذا الدين القيم وسراجه الوهاج، وصاحب التنبيه على هذه الشرعة والمنهاج، فأذكر ترجمته مختصرًا، وأسرد أمره مقتصرًا؛ لأن الناس قد صنفوا المغازي والسير، وأطالوا الخبر فيها كما أطابوا الخبر، ومليت لما ملئت بشمايله مهارق التواليف، ورفعت لما وضعت تيجانها على مفارق التصانيف".

هذا ما كان من أمر منهج المؤلف في مقدمة كتابه الكبير، وأما المقدمة نفسها فتضم أحد عشر فصلًا في الثقافة التاريخية والتأليف التاريخي: الفصل الأول في بداية التاريخ عند العرب، وذكر رأي من قال إنه بدأ بموت كعب بن لؤي، ورأي من قال: إنه بدأ بموت الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم لإعظامهم إياه، ورأي من قال بعام الفيل، ورأي من قال بإعادة بناء الكعبة، ثم يستطرد المؤلف إلى ذكر أقدم التواريخ التي بين أيدي الناس، وجعل المؤلف الفصل الثاني من مقدمته في تمييز الأعداد وضروات الشعر، ذلك أن المؤرخ أديب كاتب يحتاج إلى كتابة الأعداد المرتبطة بالتواريخ ومن ثم ينبغي معرفة تمييز كل عدد، هذا فضلًا عن حاجته إلى رواية الشعر والاستشهاد به، وجعل الفصل الثالث في كيفية كتابة التاريخ قاصدًا بذلك ذكر الأعداد المرتبطة بالشهور وتمييزها والضمائر التي تعود عليها، وما يجوز وما لا يجوز، وصفات الشهور، وصفات بعض الأيام، ويضرب مثالًا بأول شوال وهو عيد النحر، وتاسع المحرم وهو يوم تاسعواء، وعاشره وهو يوم عاشوراء وهكذا. ولما كان المؤرخ محتاجًا إلى استعمال النسب فإن المؤلف يجعل الفصل الرابع للنسب وما يتصل به نحويًّا وصرفيًّا. والفصل الخامس جعله في بيان العلم والكنية واللقب وذكر وجوب تقديم اللقب على الكنية، والكنية على العلم، ثم النسبة إلى البلد ثم إلى الأصل، ثم إلى المذهب في الفروع، ثم إلى المذهب في الاعتقاد إلخ، إنه تفصيل طريف يفيد المهتم بالأسماء والصفات والألقاب والكنى، وجل المؤلف الفصل السادس من مقدمته في الهجاء والكتابة ويهتم بصفة خاصة بالهمزة والألف والواو والياء والفصل السابع يخصصه المؤلف لنوعية على الحروف أليق بالتراجم، وهو يعني هنا ترتيب حروف أهل المشرق، فإن للمغاربة ترتيبًا آخر للأبجدية. والفصل الثامن جعله المؤلف في الوفاة وأصلها ومشتقاتها واستعمال هذه المشتقات والصيغ المختلفة للاسم والصفة والفعل. والفصل التاسع أفرده المؤلف لذكاء المؤرخ، وثقافته، وأمثلة يتعرف من خلالها على الخبر الصحيح والخبر المزيف أو الخاطئ، كما جعل الفصل العاشر لأدب المؤرخ والشروط التي ينبغي أن تتوفر فيه.

ص: 487

إنها مقدمة طويلة، أو هي بالأحرى دراسة منهجية تتعلق بالمنهج والوسيلة اللذين ينبغي للكاتب المؤلف أن يكون ملمًّا بهما منفذًا لهما، يستوي في ذلك كاتب التاريخ العام، أو كاتب تاريخ الأدب أو تاريخ الحديث.

ولما كانت كتب التراجم تأخذ صفة تاريخية؛ لأنها تؤرخ للأعلام، فإن صلاح الدين الصفدي يجعل الفصل الحادي عشر من مقدمته استعراضًا لأسماء كتب التاريخ، وهي: كتب تاريخ المشرق، كتب تاريخ مصر، كتب تاريخ المغرب، كتب تاريخ اليمن والحجاز، كتب التواريخ الجامعة، كتب تواريخ الخلفاء، كتب تواريخ الملوك، كتب تواريخ الوزراء والعمال، كتب تواريخ القضاة، كتب تواريخ القراء، كتب تواريخ العلماء، كتب تواريخ الشعراء، ثم كتب تواريخ مختلفة.

لقد سلك صلاح الدين الصفدي مسلك المثقفين من أصحاب التآليف حين عمد إلى التقديم لكتابه بشرح منهجه مقرونًا ببحث عن جوانب كتابة التواريخ.

هذا ويمكن أن نعرض لترتيب "الوافي بالوفيات" على النحو التالي:

أولًا: يقع الكتاب في ثلاثين مجلدًا، طبع منه حتى الآن ثمانية مجلدات تشتمل على ثلاثة آلاف وتسعمائة وإحدى عشرة ترجمة، وآخر التراجم المطبوعة هي ترجمة إسحاق جارية المتوكل وأم كل من المؤيد والموفق.

ثانيًا: يبدأ الكتاب حسبما ذكرنا بالترجمة لأعيان الأدب والتاريخ سالكًا ترتيب الحروف الهجائية المشرقية، غير أنه استثنى المحمدين من الأعيان، فجعل مكانهم في الكتاب يسبق جميع الأسماء، وذلك تبركًا باسم النبي صلى الله عليه وسلم، فيذكر من سموا محمدًا في الجاهلية. وأول من سموا محمدًا من أبناء المهاجرين وأبناء الأنصار، ثم يبدأ في ترجمة للرسول صلى الله عليه وسلم تستغرق نحوًا من أربعين صفحة1 يتبعها بالترجمة لمن اسم أبيه محمد من المحمدين، ثم لمن اسم أبيه وحده محمد من المحمدين، وهكذا حتى يصل إلى ترجمة العين المكون من خمسة محمدين اسمًا وأبًا وجدودًا.

هذا والجدير بالذكر أن عدد المحمدين الذين ترجم لهم الكتاب -باستثناء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بلغ ألفين وثلاثمائة وواحدًا وخمسين عينًا من أعيان التاريخ حتى عصر المؤلف ملأت صفحات المجلدات الأربعة الأولى من الكتاب وثلاثة أرباع المجلد الخامس وآخره محمد بن يونس2 المعروف بالشيخ جمال الدين الساوجي الزاهد شيخ الطريقة القرندلية.

1 الوافي بالوفيات "1/ 56-97".

2 الوافي بالوفيات "5/ 293".

ص: 488

ثالثًا: بعد أن ينتهي المؤلف من الترجمة للمحمدين من الأعلام يبدأ البداية الطبيعية حسب حروف المعجم، فيترجم لمن بدأت أسماؤهم فيكون آدم الاسم التالي لاسم محمد ويمضي المؤلف على سنته حتى يصل إلى اسم أحمد فإذا بعدد الذين ترجم لهم من الأحمدين يبلغ ألفًا وتسعة وستين اسمًا تستغرق مجلدين وربع مجلد من الكتاب، وبعبارة أدق تستغرق النصف الثاني من المجلد السادس، وجميع المجلد السابع وثلاثة أرباع المجلد الثامن الذي هو الأخير المطبوع بين أيدينا حتى كتابة هذه السطور1.

رابعًا: يعني المؤلف بذكر اللقب والكنية للذين يترجم لهم، ويعني بضبط ما يراه ضروريًّا منها وبخاصة النسبة إذا كانت إلى اسم أعجمي أو عربي غير كثير الشيوع.

خامسًا: لكثرة ما أورد صاحب الوافي من أعيان فإن الترجمة تختلف طولًا وقصرًا وتفصيلًا وإيجازًا حسب أهمية العين، أو حسب المادة المتاحة حوله لدى المؤلف، فإن عددًا كبيرًا من أصحاب التراجم يحتل الواحد منهم عشرين صفحة، أو يزيد مثل ترجمة ابن سيد الناس2 أو ابن نباتة المصري3. وقد تأتي الترجمة موجزة بحيث تقتصر على الاسم، وتاريخ الوفاة ومكانها 4. وأحيانًا تكون أشد إيجازًا فتقتصر على الاسم وتاريخ الوفاة وحدهما 5 وفي أحيان قليلة يغفل المؤلف ذكر تاريخ الوفاة، ولكنه يجتهد في أن يعطي القارئ قرينة يستطيع أن يتعرف من خلالها إلى الفترة الزمنية التي عاش فيها المترجم له على وجه التقريب6.

سادسًا: كان المؤلف من الحصافة بمكان، إنه يعرف أن كثيرين من الأعلام عرفوا بألقابهم أو بنسبتهم أو بأسماء شهرة وأن أسماءهم الأصلية تخفى على كثير من الناس حتى الخاصة منهم، إنه حينئذ يذكر المترجم له شهرته أو نسبته أو كنيته، ثم يردف ذلك باسمه الحقيقي ويحيل القارئ على مكانه حسب الترتيب الهجائي للاسم، فمثلًا الأرجاني الشاعر غير معروف باسمه لدى كثير من المتأدبين فيأتي به المؤلف في مكانه من حرف الهمزة، ثم يقول اسمه الحقيقي أحمد بن محمد بن الحسين فيذهب القارئ باحثًا عنه في مكانه بين الأحمدين 7 أو أرجوان الأرمنية، يقول المؤلف: اسمها قرة العين، يأتي ذكرها إن شاء

1 الوافي بالوفيات الأجزاء "6، 7، 8" من الترجمة رقم 2655 إلى الترجمة رقم 3724.

2 المصدر السابق "1/ 289 - 311" ترجمة رقم "198".

3 المصدر السابق "1/ 311 - 330" ترجمة رقم "199".

4 المصدر السابق "1/ 1/ 311 - 330" ترجمة رقم "271".

5 الوافي بالوفيات "8/ 410" ترجمة رقم "3863".

6 المصدر "8/ 429" ترجمة رقم "3905".

7 الوافي "8/ 399".

ص: 489

الله تعالى في حرف القاف1.

إن الوافي بالوفيات عمل جليل من أعمال العلماء الأعلام في ميدان التراجم للأعيان نحس فيه دقة الباحث، ووقار العالم وذوق الأديب وفيض المؤرخ، وهو بعد لا يزال المطبوع منه واقفًا في ظلال حرف الهمزة باستثناء المحمدين، ومعنى ذلك أن الشوط معه لا يزال طويلًا، فإن تم التحقيق والنشر لباقي المجلدات على أساس من الدقة والعناية كان الشوط معه على طوله مثمرًا مباركًا.

1 المصدر الصفحة نفسها.

ص: 490