الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: أمالي اليزيدي
إن لأمالي اليزيدي نصيبًا من الشهرة لا يتفق مع فرصة الاطلاع عليها؛ ذلك لأنها غير متوفرة بين أيدي قراء العربية توفر كتب الأمالي الأخرى المشهورة التي نعرض لها في هذه الدراسة، فقد طبعت في الهند منذ أكثر من ربع قرن من الزمان، ولم يتهيأ لكثير من الدارسين اقتناؤها بحيث يتيسر التوفر على قراءتها وبالتالي تنال ما هي جديرة به من ذيوع وشهرة أو خمول ونسيان.
والحق أن صاحب هذه الأمالي قد قدم ألوانًا من الآداب، وأشتاتًا من الحكايات وأخبار من التاريخ بما يتفق وعنوان كتابه هذا، وهو قبل ذلك واحد من أسرة اليزيديين التي ضمت عددًا وافرًا من العلماء الفضلاء، والأدباء النجباء الذين أثروا المكتبة العربية بالعشرات العديدة من الكتب في فنون اللغة، والنحو، والتاريخ، والرواية والشعر. فأما صاحبنا مؤلف هذه الأمالي فهو أبو عبد الله، محمد بن العباس بن محمد اليزيدي المتوفى سنة 310هـ وقيل 313 عن اثنين وثمانين عامًا، وكان من الفضل والعلم بحيث روى عنه أبو بكر الصولي والزجاج وأبو الفرج الأصفهاني، وإن له من الكتب غير أماليه هذه: كتاب الخيل، كتاب مناقب بني العباس، كتاب أخبار اليزيديين "قومه"، مختصر في النحو.
فإذا ما تناولنا أمالي اليزيدي بالدراسة والعرض فإننا يمكن أن نحصر منهجه ونلخص مادته فيما يلي من فقرات.
أولًا: يغلب على الكتاب عنصر الشعر، فإن عددًا متتاليًا من صفحاته يبدو بين الحين والحين مشحونًا بعدد من القصائد، أو مجموعات من المقطوعات، والشعر الذي يضمه الكتاب لشعراء من مختلف العصور من جاهليين ومخضرمين وإسلاميين، وأمويين وعباسيين، ومنهم شعراء معروفون مشهورون مثل المهلهل والشماخ والخنساء، ومالك بن الريب وجرير والفرزدق وإسحاق الموصلي، ومنهم شعراء
مغمورون لم تدع أسماؤهم مع ما ذاع من أسماء من جمهور الشعراء. والكثير من الشعر الذي يرويه غير معروف قائله، وإنما هو يكتفي بذكر من سمعه منه، وهو غالبًا ما يكون عمه أبا العباس الفضل بن محمد.
فإذا ما نظرنا في موضوعات الشعر التي مثل لها وجدنا أكثرها في الرثاء، والبقية في فنون أخرى كالمديح، والهجاء، والخمر، والحكمة، والسؤدد.
ثانيًا: تضم أمالي اليزيدي نصوصًا غير قليلة من الراجز لرجاز معروفين مثل العجاج ورؤبة، وأبي نخيلة، ودكين، والمرار. والأراجيز تلقى على صفحة الكتاب إلقاء دون إبداء مناسبة أو تعليق أو حتى ذكر الموضوع الذي قيلت فيه.
ثالثًا: أملى اليزيدي كثير من كلام الأعراب ومتشابهه، وغريبه، وحوشيه، وأخبارهم، ونوادرهم في الجاهلية والإسلام، كما أنه يأتي بشواهد شعرية ويشرح غريبها1.
رابعًا: يكثر من ذكر الأخبار والأحداث التاريخية مثل بعض الغزوات، ويوم الجمل وعدد القتلى فيه وأسماء بعضهم2 كما يذكر أخبار بعض الخوارج.
ويهتم اليزيدي في هذا الجانب من أماليه بأخبار الخلفاء الراشدين وبخاصة الخلفاء عمر وعثمان وعلي. ويقص إحدى قصص الخليفة عمر المشهورة حين كان يستقصي أحوال رعيته ليلًا فسمع صوتًا في بيت فوقف خلف الباب ينصت، فإذا امرأة تردد لنفسها هذين البيتين:
تطاول هذا الليل واسود جانبه
…
وغاب خليل كنت مما ألاعبه
فوالله لولا الله لا شيء غيره
…
لحرك من هذا السرير جوانبه
فلما أصبح بعث إلى المرأة فسألها عن زوجها فأخبرته أنه غازٍ وأنه قد طالت غيبته، فبعث الخليفة إلى إحدى بناته المتزوجات وسألها: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فسكتت: فقال: أتصبر سنتين؟ قالت: لا. قال: فسنة؟ قالت: لا. قال: فستة أشهر؟ قالت: نعم، وذاك كثير. فكتب عمر في إحضار زوج المرأة، وأمر ألا يغيب الأزواج في الغزاة عن ستة أشهر3.
وعن بني أمية يتحدث اليزيدي غير قليل عن ملوكهم وبخاصة معاوية وعبد الملك بن
1 راجع أمالي اليزيدي صفحات "56، 59، 60، 63، 65، 72، 142، 143".
2 المصدر "97، 105".
3 المصدر "98، 99".
مروان، وسليمان بن عبد الملك، وهو في ذكره الأخيرين يعرض لهما عرضًا كريمًا يظهرهما بمظهر الفروسية، والعدل الأمر الذي يجعلنا نتصور أن هواه كان أمويًّا، فهو يورد قول عبد الملك لبنيه: إياكم ودماء آل أبي طالب1 أو تصرف سليمان مع مظلوم اغتصبت أرضه فردها إليه مع مساحة مساوية لها2.
فإذا ما عرض لبني العباس، فإنه يكثر من ذكر مساوئ أبي جعفر المنصور، ويأتي له بالأخبار التي تنال منه مثل نسبة اللحن إليه في القرآن أو شدة بخله3.
خامسًا: يورد اليزيدي في أماليه بعض الأخبار التي تصور المجتمع البدوي من خطبة فتاة أو طلاق امرأة يحبها زوجها، أو مهر مقداره باطية خمر إلى غير ذلك من غرائب الأخبار التي تدخل تحت باب النوادر، وإن لم تكن في الكتاب من الكثرة بمكان.
سادسًا: كان على اليزيدي أن يزين صفحات كتابه بين الحين والحين -مثلما فعل أكثر أصحاب المؤلفات والأمالي- بحديث شريف يرويه، ويذكر مناسبته ويشرح معناه.
هذا وأمالي اليزيدي في جملتها لا تخضع لنمط معين من التأليف بل هي حشد للموضوعات التي ذكرنا في غير نظام أو ترتيب أو منهج أو إغراء للقارئ بالاستمرار في الإقبال عليها، ولكن طالب المعرفة في نطاق ما ينبغي أن يتصف به من صبر، وأن يتحلى به من جلد يستطيع أن يأخذ من هذه الأمالي شيئًا جديدًا وإن يكن غير كثير.
1 المصدر "73".
2 المصدر "140".
3 المصدر "89-91".