الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة الأربعمائة مثل ابن نباتة التميمي شاعر سيف الدولة الذي ينص المؤلف على أنه توفي بعد الأربعمائة1.
أما مهنة ابن النديم فقد ذكر المؤرخون أنه كان وراقًا، والوراقة كانت مهنة كثير من الأدباء والعلماء. ولا يدخل في معنى الوراقة مجرد التجارة والكسب من الكتب كماهي الحال في أيامنا، فكما أن بين الناشرين في عصرنا علماء أفاضل، وأدباء مرموقين وفي الوقت نفسه يوجد بينهم مجرد مهنيين تجار، فكذلك كان الحال بين وراقي فترة التفجر العلمي الإسلامي والعربي. فياقوت الرومي صاحب المؤلفات الكثيرة الثمينة كان مع علمه الوفير وراقًا، وسعد بن علي المشهور بـ "دلال الكتب" ومؤلف "كتاب زينة الدهر" الذي جعله ذيلًا لدمية القصر -وصاحب غيره من المؤلفات- كان وراقًا، ومحمد بن شاكر الكتبي صاحب "فوات الوفيات" وغيره من المؤلفات الثمينة كان أيضًا وراقًا، وإذًا فابن النديم: محمد بن إسحق كان واحدًا منهؤلاء الوراقين العلماء الذين جعلوا من العلم زادًا لعقولهم، ومن تجارة الكتب ونشرها وتحقيقها وجمعها وتصويبها ومراجعتها وسيلة لكسب قوتهم وأسباب حياتهم.
1 الفهرست "ص 246".
منهج الكتاب:
لقد اعتمد ابن النديم منهج الترجمة للموضوعات والفنون وذكر الكتب، ومن خلالهما ينفذ إلى الترجمة لكل عالم في فنه وكل مؤلف في موضوعه. ويمكن عرض منهج ابن النديم في "فهرسه" على النحو التالي:
أولًا: استهدف المؤلف الدخول إلى موضوعه مباشرة دون مقدمات أو مداخل، وليس أدل على ذلك من مقدمته القصيرة التي قدم بها كتابه النفيس بقوله:
"النفوس -أطال الله بقاءك- تشرئب إلى النتائج دون المقدمات وترتاح إلى الغرض المقصود دون التطويل في العبارات، فلذلك اقتصرنا على هذه الكلمات في صدر كتابنا هذا إذا كانت دالة على ما قصدناه في تأليفه إن شاء الله، فنقول وبالله نستعين وإياه نسأل الصلاة على جميع أنبيائه، وعباده المخلصين في طاعته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فهذا فهرست كتب جميع الأمم من العرب والعجم، الموجود فيها بلغة العرب وقلمها في
أصناف العلوم وأخبار مصنفيها، وطبقات مؤلفيها وأنسابهم وتاريخ مواليدهم ومبلغ
أعمارهم، وأوقات وفاتهم، وأماكن بلدانهم ومناقبهم ومثالبهم منذ ابتداء كل علم اخترع إلى عصرنا هذا، وهو سنة سبع وسبعين وثلاثمائة للهجرة"1.
فمن هذه المقدمة القصيرة نستطيع أن نلمح منهج المؤلف تمام الوضوح، وأنه عمد فيه إلى الإيجاز وادخر الإفاضة للمادة التي يضمها الكتاب.
ثانيًا: ويزيدنا المؤلف تعريفًا بماة كتابته في المحتوى الذي قدمه بنفسه في صدر كتابه حين قسم الكتاب إلى عشر مقالات، أو بالحري عشرة أبواب كبار، كل باب يضم عددًا من الفصول. وإن دل ذلك على المنهج وهذا المحتوى على شيء فإنما يدل على عقلية مرتبة، وفكر منظم وخطة منسقة، ذلك؛ لأن المؤلف يتدرج في عرض موضوعاته تدرجًا منطقيًّا، فهو يجعل المقالة الأولى لفنون ثلاثة، هي وصف لغات الأمم من العرب والعجم ونعوت أقلامها وأنواع خطوطها وأشكال كتاباتها، إذ بغير الخط لا تكون كتابة. ثم يثني المؤلف بالشرائع والمذاهب الإسلامية وكتبها، ومن هذا المنطلق ينعطف إلى علوم القرآن الكريم وأسماء الكتب المؤلفة في علومه وأخبار القراء وأسماء الرواة.
وينتقل ابن النديم بعد ذلك انتقالًا طبيعيًّا إلى المقالة الثانية، التي يضمن خلالها ثلاثة فصول عن النحو، والنحويين من بصريين، وكوفيين وأخبارهم وأسماء كتبهم.
ويجعل ابن النديم المقالة الثالثة، أو الباب الثالث، من الفهرست للأخبار، والآداب، والسير مضمنًا إياه أخبار الإخباريين، والرواة والنسابين، وأصحاب السير والأحداث وأسماء كتبهم. وأخبار القدماء والجلساء والمغنين والمضحكين وأسماء كتبهم.
ويخصص المؤلف المقالة الرابعة للشعر والشعراء ابتداء من الشعراء الجاهليين، وانتهاء بالشعراء المعاصرين له وصناع دواوينهم وأسماء رواتهم.
والمقالة الخامسة جعلها لعلم الكلام والمتكلمين من معتزلة ومرجئة وشيعة بفرقها وجبرية وخوارج وزهاد ومتصوفة وأخبارهم وأسماء كتبهم. وجعل المقالة السادسة في فنون الفقه والفقهاء والمحدثين وأخبارهم وأسماء كتبهم، والمقالة السابعة عن الفلاسفة والمناطقة والمهندسين، والموسيقيين، والرياضيين، والمنجمين، وصناع الآلات، وأصحاب الحيل والحركات، والأطباء، والمتطببين وأخبارهم وأسماء كتبهم. وجعل المقالة الثامنة عن الأسمار والخرافات والسحر والشعوذة وأصحاب هذه المهن إن صح أن تسمى مهنا وأخبارهم وأسماء كتبهم، هذا فضلًا عن كتب شتى لا يعرف مصنفوها ولا مؤلفوها.
1 مقدمة الفهرست "ص8".
وجعل ابن النديم المقالة التاسعة من كتابه في المذاهب والاعتقادات المعاصرة لزمانه من صابئة، وثنوية، ومنانية، وديصانية، وخرمية، ومزدكية وغيرها مع أخبار رجالها وأسماء كتبهم.
وأنهى ابن النديم كتابه بالمقالة العاشرة التي خصصها للكيمائيين، والصنعويين من الفلاسفة القدماء والمحدثين وأخبارهم وأسماء كتبهم.
ثالثًا: يعتبر الكتاب والحال كذلك دائرة معارف علمية أدبية فقهية في نطاق فن التراجم، والتراجم في مفهومه تراجم مادة وتراجم أعيان، بمعنى أنه يقدم المادة، ويعرف بها ثم بعلمائها وأعلامها تعريفًا مختصرًا، ولكنه شافٍ مؤدٍ للغرض، ثم يذكر أسماء كتبهم. وهو في هذا الميدان عالم ثقة، ورائد لكل من جاء بعده على مختلف مدارسهم. وهو بعد ذلك كله مبدع على اختصاره، مفصل على إيجازه، جماع ثقة للأخبار، معرف بارع بالأعلام والعلماء، صيرفي في معرفة الكتب وتصنيفها. ومن ثم فإن "فهرست" ابن النديم في عالم المعرفة العربية والتراجم العلمية، مثل قطعة من الجوهر صغيرة الحجم، والجرم، نفيسة القيمة، والمحتوى.