الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: مؤلفات علي بن موسى بن سعيد:
رايات المبرزين، القدح المعلى، الغصون اليانعة:
سبقت الإشارة إلى أن ابن سعيد علي بن موسى قد كان كثير التأليف، حليف أسفار، وسبقت الإشارة إلى أن تآليفه في الأدب والتراجم والاختيارات من الكثرة والنفاسة بمكان، وها نحن أمام ثلاثة كتب أخرى تعتبر من المصادر الأصيلة لتاريخ الأدب الأندلسي ورجاله ومادته.
1-
أول هذه الكتب: "رايات المبرزين وغايات المميزين"، ولا نستطيع أن نعتبر هذا العمل كتابًا قائمًا بذاته؛ لأنه في حقيقة أمره مجموعة مختارات من الكتاب الكبير "المغرب في حلى المغرب". لقد سبق القول إن ابن سعيد عليًّا قد زار مصر غير مرة، وطالت إقامته فيها بعض الوقت في إحدى هذه الرحلات، وكان يلي نيابة السلطة آنذاك ابن يغمور الذي اشتهر بالأدب والفضل وتشجيعه العلماء ومصاحبة الأدباء، وكانت الصلة قد توثقت بين نائب السلطان وبين ابن سعيد، فطلب ابن يغمور إليه أن ينتخب له خير ما في كتاب "المغرب" من شعر الأندلسيين والمغاربة والصقليين، فاستجاب له ابن سعيد وقام على اختيار نصوص المختارات وأعمل فيها ذوقه الشعري وحكم في انتقائها حسه الأدبي، ورتبها بين دفتي كتاب أطلق عليه العنوان الذي ذكرنا، ولا يكاد يصدق المثل الذي يقول "يقرأ الكتاب من عنوانه "صدقه على هذا الكتاب، فإنه "أي رايات المبرزين" على صغر حجمه وقصر نصوصه يضم أرق وأنضر ما أنشأه شعراء بلاد المغرب والأندلس وجزيرة صقلية. وقد قام على تحقيقه المستشرق إميليو غرسيه غومس الأستاذ في جامعة مدريد سابقًا.
2-
وثاني هذه الكتب لمؤلفنا الكبير كتابه "القدح المعلى في التاريخ المحلى" وهو كتاب كبير يذكر مؤرخو الأدب أنه يضم العديد من المجلدات، ولم يكن كتاب "القدح المعلى" خاصًّا بأدب الأندلس والمغرب وأدبائهما -فحسب. فإن هذه الآداب كانت موضوع الجزء الأول من الكتاب- بل شمل الكتاب مراحل باكرة من مراحل الأدب العربي وتاريخه، فإن القسم الثاني من "القدح المعلى" يطلق عليه كتاب "نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب" ثم يتلوه قسم ثالث هو "مصابيح الظلام في تاريخ الإسلام".
هذا وكتاب "القدح المعلى".. لم يصل إلينا، وإنما الذي بين أيدينا اختصار له أعده أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل، وقد حققه إبراهيم الإبياري تحت إشراف الدكتور طه حسين. ويختلف كتاب "القدح المعلى.." عن أخيه الأكبر "المغرب.." وعن أخيه الأصغر "رايات المبرزين.." بأنه مختص برجال عصره وحدهم دون سواهم، أولئك الذين رأى أكثرهم وجالس بعضهم، ونادم لفيفًا منهم، ورافق ثلة منهم مقيمًا وظاعنًا.
ويضم "اختصار القدح" سبعين ترجمة لأعلام العصر، يجري فيها المؤلف على سجيته ويستجيب لقلمه إطالة وتفصيلًا، ولا بأس من أن يكون المؤلف قد أورد لبعضهم ترجمة في المغرب من قبل، ولكن فرقًا كبيرًا في التفصيل وكثرة إيراد النصوص يبدو واضحًا أيما وضوح في "القدح" أكثر منه في المغرب، فعلى سبيل المثال يترجم ابن سعيد في "القدح" للرئيس أبي عثمان سعيد بن حكم في أربع عشرة صحيفة مع إيراد الكثير من نصوص شعره بينما لا يذكر له في "المغرب" أكثر من بيتين اثنين1 ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن ابن سعيد في ترجمته لصديقه إبراهيم بن سهل الإسرائيلي في كل من الكتابين، فحين لا يعرف به في "المغرب.." بأكثر من ثلاثة سطور، ولا يورد له أكثر من ثلاثة أبيات2 من الشعر، نجده يفرد له في "القدح المعلى.." أو بالأحرى "اختصار القدح" ثلاث عشرة صحيفة مثبتًا له الكثير من النصوص الشعرية المتنوعة الموضوعات والأشكال والألوان3.
هذا ويتميز "القدح المعلى.." من "المغرب.." بأنه يضم ترجمات مطولة نوعًا ونتاجًا شعريًّا ونصوصًا نثريًّة لكثير من أعلام عصره النجباء الذين لم يسبق أن ذكرهم أو ترجم لهم في كتابه الكبير "المغرب.." ومن ثم فإن كتاب اختصار القدح المعلى.." و"القدح المعلى.." نفسه - إذا عثر عليه مصدر نفيس للأدب الأندلسي رجالًا وأعيانًا، تاريخًا
1 المغرب "2/ 469".
2 المغرب "1/ 264".
3 اختصار القدح المعلى "ص73".
وأخبارًا، شعرًا ونثرًا، لكل من يعرض للأدب الأندلسي بالدراسة.
3-
وثالث هذه الكتب هو كتاب "الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة" الذي حققه محقق "اختصار القدح المعلى" إبراهيم الإبياري، كما هو واضح من عنوان الكتاب نعرف أنه من نوع كتب التراجم، ولكنه لا يترجم إلا لطبقة معينة من الأعيان هم الشعراء وحدهم، ولقد بدأ علي بن سعيد كتابة "الغصون" سنة 657هـ ستمائة وسبع وخمسين في تونس، وكان إذ ذاك في خدمة أميرها المستنصر الأول محمد بن يحيى الحفصي، ولقد أهدى كتابه هذا للأمير المذكور.
ويبدو أن كتاب "الغصون اليانعة.." واحد من مجموعة كتب ألفها ابن سعيد عن الشعراء، وضمها جميعًا بين دفتي كتاب كبير أسماه "جامع طبقات الشعراء".
وتدل خطبة الكتاب في نسخته المخطوطة على أن الشاعر ترجم للشعراء الذين ضمتهم الغصون حتى سنة وفاته، وهي ستمائة وخمس وثمانون، والكتاب حسب حديث المؤلف قد رتب على ثلاثة أقسام: قسم ضم تراجم الذين تحققت سنوات وفاتهم، وقسم ثانٍ ضم تراجم الذين لم يقف لهم على ذلك، وقسم ثالث في من استقر العلم على حياته عند انتهاء عمر المؤلف.
غير أن النسخة المطبوعة التي بين أيدينا لا تضم سوى سبعة وعشرين شاعرًا بين سنتي 600 و 605، وبذلك يكون القدر الذي وصل إلينا من الغصون اليانعة لا يمثل إلا قسمًا صغيرًا من هذا الكتاب النفيس الكبير.
ومع ذلك فلهذا القسم من الكتاب ميزات ظاهرة، أولها أنه لم يقتصر على شعراء قطر بعينه، وإنما ينتمي الشعراء السبعة والعشرون إلى أقطار عدة مشرقًا ومغربًا، سبعة منهم من العراق، وواحد من الجزيرة، وخمسة من بلاد الشام، ومصريان، وخمسة من المغاربة، وسبعة من الأندلس.
وثانيها أن المؤلف لا يكاد يذكر خبرًا أو نصًّا إلا ويتبعه بذكر المصدر الذي استقى الخبر أو النص منه، بحيث إننا لو قمنا بإحصاء للمصادر التي ذكرها ابن سعيد في متن الغصون لتجمع لدينا كنز ثمين من أسماء الكتب النفيسة التي بقي أقلها وضاع أكثرها، بل بقي أقل قليلها وضاع أكثر كثيرها.