الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البلدان، كما كان أديبًا أريبًا ذا همة عالية في تحصيل المعارف، ومن ثم فقد ألف عددًا من الكتب ذات النفع الجليل، هي: أخبار الشعراء المتقدمين والمتأخرين1. معجم البلدان، معجم الشعراء، معجم الأدباء، كتاب المشترك وضعًا المختلف صقعًا، كتاب المبدأ والمآل في التاريخ، كتاب الدول، مجموع كلام أبي علي الفارسي، عنوان كتاب الأغاني، المقتضب في النسب، كتاب أخبار المتنبي. غير أن هذه الكتب على نفاستها تأتي في المرتبة بعد كتابيه النفيسين: معجم البلدان، ومعجم الأدباء.
1 لعله الكتاب الذي ورد في بعض المصادر بعنوان إرشاد الألباء إلى معرفة الأدباء.
منهج ياقوت في معجم الأدباء:
لقد اجتهد ياقوت كل الاجتهاد في أن يجعل كتابه هذا متميزًا إلى حد كبير عن بقية كتبه، وعن كتب من سبقه من المصنفين القدامى، ويذكر أن ذلك كان أملًا راوده منذ أن أحب الأدب وأغرم بأخبار العلماء، وشغف بأحوال الأدباء يبحث عن نكت أقوالهم بحث المغرم الصب والمحب من المحب، ويطوف على مصنف فيهم يشفي الغليل ويداوي لوعة العليل فما وجد في ذلك تصنيفًا شافيًا ولا تأليفًا كافيًا1، هذا على الرغم من العديد من العلماء السابقين عليه الذين أولوا هذا الموضوع الكثير من العناية من أمثال أبي بكر محمد بن عبد الملك التاريخي، وأبي محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه، وأبي عبيد الله محمد بن عمران المرزباني، وأبي سعيد الحسن بن عبد الله المرزبان السيرافي، وأبي بكر محمد بن حسن الإشبيلي الزبيدي، وأبي المحاسن المفضل بن محمد بن مسعر المغربي، وعلي بن فضال المجاشعي، وكمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري، ويمكن أن نعرض منهج ياقوت ونستعرض معجمه عن الأدباء على النحو التالي:
أولًا: إن ياقوتا يذكر هؤلاء المؤلفين جميعًا، ولا يحدد من أسماء كتبه إلا القليل مثل شجرة الذهب في أخبار من ذهب للمجاشعي، الذي لا يعتني بالأخبار، ولا يعبأ بالوفيات، ومثل نزهة الألبا في أخبار الأدبا" للكمال بن الأنباري.
ويرى ياقوت أن كتاب أبي بكر الإشبيلي الزبيدي هو أفضل هذه الكتب جميعًا وأكثرها فوائد وأوفرها تراجم وفرائد.
ولكن هذه الكتب التي ذكرها جميعًا كانت حسب اعترافه مصادره في تأليفه كتابه الذي نحن بصدده، فما يكاد يذكر كتابًا منها حتى يقول: نقلنا فوائده، وبذلك تكون أكثر مصادر ياقوت في معجم الأدباء بعضًا معروف العنوان والمؤلف، والبعض الآخر معروفًا اسم مؤلفه
1 مقدمة معجم الأدباء "1/ 46".
وإن حجب عنا -دون قصد- عنوان الكتاب.
غير أن هذه الكتب جميعًا على وفرة نفعها وجلال قيمتها، لم تكن لديه بالمنزلة التي يرتضيها، فحاول تأليف كتاب يرضي به طموحه العلمي شاملًا أخبار كل ذي ثقافة وجميع أصحاب المعرفة من النحويين، واللغويين، والنسابين والقراء المشهورين، والأخباريين، والمؤرخين، والوراقين، المعروفين، والكتاب، والمترسلين والخطاطين، والمؤلفين.
إن ياقوتًا يوضح منهجه بهذا القول من مقدمة كتابه:
"وكنت مع ذلك أقول للنفس مماطلًا، وللهمة مناضلًا، رب غيث غب البارقة، ومغيث تحت الخافقة إلى أن هزم الياس الطمع، واستولى الجد على اللعب الولع، وعلمت أنه طريق لم يسلك، ونفيس لم يملك، فاستخرت الله الكريم واستنجدت بحوله العظيم، وجمعت في هذا الكتاب ما وقع إلي من أخبار النحويين واللغويين والنسابين، والقراء المشهورين. والأخباريين والمؤرخين والوراقين المعروفين، والكتاب المشهورين، وأصحاب الرسائل المدونة، وأرباب الخطوط المنسوبة والمعينة، وكل من صنف في الأدب تصنيفًا، أو جمع في فنه تأليفًا، مع إيثار الاختصار، والإعجاز في نهاية الإيجاز ولم آلُ جهدًا في إثبات الوفيات، وتبيين المواليد والأوقات، وذكر تصانيفهم، ومستحسن أخبارهم، والأخبار بأنسابهم، وشيء من أشعارهم، فأما من لقيته أو لقيت من لقيه، فأورد لك من أخباره وحقائق أموره، ما لا أترك لك بعده تشوقًا إلى شيء من خبره، وأما من تقدم زمانه، وبعد أوانه، فأورد من خبره ما أدت الاستطاعة إليه، ووقفني النقل عليه، وفي تردادي إلى البلاد، ومخالطتي للعباد، وحذفت الأسانيد إلا ما قل رجاله، وقرب مناله مع الاستطاعة لإثباتها سماعًا وإجازة، إلا أنني قصدت صغر الحجم، وكبر النفع، وأثبت مواضع نقلي ومواطن أخذي من كتب العلماء المعول في هذا الشأن عليهم، والمرجوع في صحة النقل إليهم، وكنت قد شرعت عند شروعي في هذا الكتاب أو قبله، في جمع كتاب في أخبار الشعراء المتأخرين والقدماء، ونسجتها على هذا المنوال، وسبكتها على هذا المثال، في الترتيب، والوضع والتبويب، فرأيت أكثر أهل العلم المتأدبين، والكبراء المتصدرين، لا تخلو قرائحهم من نظم شعر، وسبك نثر، فأودعت ذلك الكتاب كل من غلب عليه الشعر، فدون ديوانه، وشاع بذلك ذكره وشأنه، ولم يشتهر برواية الكتب وتأليفها، والآداب وتصنيفها، وأما من عرف بالتصنيف، واشتهر بالتأليف، وصحت روايته، وشاعت درايته وقل شعره، وكثر نثره، فهذا الكتاب عشه ووكره، وفيه يكون ثناؤه وذكره، وأجتزئ به عن
التكرار هناك، إلا النفر اليسير الذي دعت الضرروة إليهم، ودلتنا عنايتهم بالصناعتين عليهم، ففي هذين الكتابين أكثر أخبار الأدباء من العلماء والشعراء، وقصدت بترك التكرار، خفة محمله في الأسفار، وحيازة ما أهواه من هذا النشوار.
وهكذا يكون قد خص الأدباء، وكل من لهم بالأديب وشيجة، أو ربطتهم بالعلم مشاركة دون غيرهم بالترجمة، والرواية لهم والإخبار عنهم وذكر آثارهم العلمية، ومؤلفاتهم الأدبية الأمر الذي جعل هذا الكتاب من كتب التراجم متميزًا عن غيره بالتخصص، متفردًا عما سواه في نهجه وموضوعه.
ثانيًا: التزم ياقوت في ترتيب الأعيان والأدباء الذي ترجم لهم حروف المعجم التزامًا دقيقًا في الاسم، ثم في اسم الأب ثم في اسم الجد، فإن تطابقت الأسماء جعل التقدم في الذكر لمن تقدمت وفاته، وأما عن الأقطار والأمصار فلم يميز بين بلد وبلد ولا مصر ومصر، أو صقع وصقع وإنما ذكر أعيان الأدباء على امتداد رقعة العالم الإسلامي من أواسط آسيا شرقًا إلى شواطئ المحيط الأطلنطي غربًا من مغرب وأندلس، ويوضح ياقوت هذا النهج توضيحًا في قوله:"وجعلت ترتيبه على حروف المعجم، أذكر أولًا من أول اسمه "ألف" ثم من أول اسمه "باء" ثم "تاء" ثم "ثاء" إلى آخر الحروف، وألتزم ذلك في أول حرف من الاسم وثانيه وثالثه ورابعه، فأبدأ بذكر من اسمه "آدم" ألا ترى أن أول اسمه "همزة" ثم "ألف" ثم من اسمه إبراهيم؛ لأن اسمه "ألف" وبعد الألف "باء" ثم كذلك إلى آخر الحروف، وألتزم ذلك في الآباء أيضًا، فاعتبره، فإنك إذا أردت الاسم تجد له موضعًا واحدًا لا يتقدم عليه، ولا يتأخر عنه، اللهم إلا أن يتفق أسماء عدة رجال وأسماء آبائهم فإن ذلك مما لا حصر فيه إلا بالوفاة، فإني أقدم من تقدمت وفاته على من تأخرت، وأفردت في آخر كل حرف فصلًا أذكر فيه من اشتهر بلقبه على ذلك الحرف، من غير أن أورد شيئًا من أخباره فيه، إنما أدل على اسمه واسم أبيه، لتطلبه في موضعه، ولم أقصد أدباء قطر، ولا علماء عصر، ولا إقليم معين، ولا بلد مبين، بل جمعت للبصريين والكوفيين، والبغداديين، والخراسانيين والحجازيين، واليمنيين، والمصريين، والشاميين، والمغربيين، وغيرهم، على اختلاف البلدان، وتقارب الأزمان حسب ما اقتضاه الترتيب، وحكم بوضعه التبويب، لا على قدر أقدارهم في القدمة والعلم والتأخر والفهم2.
1 معجم الأدباء: المقدمة "1/ 48".
2 المصدر: المقمة "ص51، 52".
والحق أن ترتيب التراجم في معجم الأدباء من الدقة بمكان، فقد جنب القارئ بدقته الكثير من المتاعب التي يتعرض لها حين يحاول الاستعانة بكتاب تراجم عظيم آخر، مثل "تاريخ بغداد" على سبيل المثال الذي لم نستطع أن نجد لترتيبه مفاتيح إلا في نطاق اجتهاد محدود وقواعد غير ثابتة يصدق بعضها، ويشذ أكثرها.
ومع استعراضنا لمعجم الأدباء كله، واستقراء ترتيبه لم تقع العين إلا على أخطاء قليلة لا تستحق الاحتفال، فقد وردت ترجمة "محمد بن واقد" على سبيل المثال بين ترجمة محمد بن عمر بن عبد العزيز، وترجمة محمد بن فتوح الأزدي1، وكذلك وردت ترجمة ميمونة أبو ربيعة الأصبهاني بين ترجمة مكي بن زيان المكسيني وترجمة منداد بن عبد الحميد الكرخي 2، وواضح أن كلا من الترجمتين قد حشرت في غير موضعها حسب الترتيب الهجائي، ويقيننا أن هذا الخطأ قد وقع من محقق الكتاب وليس من المؤلف.
ثالثًا: يتأرجح ياقوت في صدد تقديم كتابه بين طيبة ذوي الوقار، وتواضع العلماء وبين فخر ذوي التيه وإدلال ذوي الخيلاء، وهو في تواضعه ربما كان أكثر إدلالًا من في خيلائه، ولكن في أسلوب الحكيم وسياق الأريب، إنه يقول متواضعًا طالبًا العفو عن الزلل والغفران عن الخطأ هذا القول العذب الطريف3:
"وأنا قد اعترفت بقصوري، فيما اعتمدت عن الغاية وتقصيري عن الانتهاء إلى النهاية، فاسأل الناظر فيه ألا يعتمد العنت، ولا يقصد قصد من إذا رأى حسنًا ستره، وعيبًا أظهره، وليتأمله بعين الإنصاف لا الانحراف، فمن طلب عيبًا وجد وجد ومن افتقد زلل أخيه بعين الرضا فقد، فرحم الله امرءًا قهر هواه وأطاع الإنصاف ونواه وعذرنا في خطأ إن كان منا، وزلل إن صدر عنا، فالكمال محال لغير ذي الجلال، فالمرء غير معصوم، والنسيان في الإنسان غير معدوم، وإن عجز عن الاعتذار عنا والتصويب، فقد علم أن كل مجتهد مصيب، فإنا وإن أخطأنا في مواضع يسيرة، فقد أصبنا في مواطن كثيرة، فما علمنا فيمن تقدمنا وأمنا من الأئمة القدماء إلا وقد نظم في سلك أهل الزلل وأخذ عليه شيء من الخطل وهم هم، فكيف بنا مع قصورنا واقتصارنا وصرف جل زماننا في نهمة الدنيا وطلب المعاش، وتنميق الرياش، الذي مرادنا منه صيانة العرض، وبقاء ماء الوجه لدى العرض.
وإنما تصديت لجميع هذا الكتاب لفرط الشغف والغرام، والوجد بما حوى والهيام، لا لسلطان أجتديه، ولا لصدر أرتجيه، غير أني أرغب إلى الناظر فيه أن يترجم علي ويعطف
1 معجم الأدباء "18/ 277-282".
2 المصور "19/ 173".
3 المصدر: المقدمة "ص56، 57، 58".
جيد دعائه إلي، فذلك ما لا كلفة فيه عليه ولا ضرر يرجع به إليه، فربما انتفعت بدعوته وفزت بما قد أمن هو من مغرته.
وفي نطاق التيه والإدلال، يرق المؤلف في تيهه ويلتمس العذر لنفسه في إدلاله في نطاق الحجة المقبولة العبارة المستساغة ومن خلال عدة أبيات من الشعر المتوسط فيقول1:
ومع ما تقدم من اعتذارنا، ومر من تنصلنا، واستغفارنا، فقد رآني جماعة من أهل العصر وقد نظمت لآلئ هذا الكتاب، وأبرزته في أبهى من الحلي على ترائب الكعاب، فاستحسنوه والتمسوه لينسخوه، فوجدت في نفسي شحًّا عليهم، وبخلًا بعطف جيده إليهم؛ لأنه مني بمنزلة الروح في جسد الجبان، والسوداوين من العين والجنان، مع كوني غير راضٍ لنفسي بذلك المنع، ولا حامد لها على ذلك الصنع، لكنها طبيعة عليها جبلت، وسجية إليها جبرت، حتى قلت فيه مع اعترافي بقلة بضاعتي في الشعر، وعلمي بركاكة نظمي والنثر:
فكم قد حوى من فضل قول محبر
…
ومن نثر مصقاع ومن نظم ذي فهم
ومن خبر حلو طريف جمعته
…
على قدم الأيام للعرب والعجم
ترنح أعطافي إذا ما قرأته
…
كما رنحت شرابها ابنة الكرم
ولو أنني أنصفته في محبتي
…
لجلدته جلدي وصندقته عظمي
ولا عليه في ذلك كله فمن حق المبدع أن يتيه بما أبدع، وكتاب ياقوت يأتي بين الصفوة الممتازة من كتب التراجم التي لا يستغني عنها باحث، ولا يستطيع أن يغفل عن الانتفاع بها دارس، أو أديب.
رابعًا: أتبع ياقوت مقدمة الكتاب بدراسة طريفة في فصلين: فصل خصصه للحديث عن فضل الأدب وأهله ضمنه مجموعة ممتعة من الأخبار اللطيفة العذبة حول العلم والجهل، بعضها شعر وبعضها نثر، وهي في جملتها مختارات محبوكة نسج الحواشي بين نكتة، ووصية، ومقطوعة شعرية، ومحاورة عذبة بين العلم والأدب يرجح فيها ياقوت جانب الأدب
1 المصدر "ص59".
على جانب العلم، مع أقوال من بدائع الأصمعي ولطائف من بدائه التاريخي1، وأما الفصل الآخر فيخصصه لفضيلة علم الأخبار2 مع نخبة من المحاورات والأسماء والأشعار التي جعلها المؤلف بمثابة التوابل اللذيذة، التي توضع على الطعام، فتحبب إلى المرء تناوله في شهية والإقبال عليه في رغبة والاغتراف منه في لذة وتحصيل قدر منه في متعة.
خامسًا: يضم الكتاب عددًا كبيرًا من التراجم قدرها ألف وخمس وستون ترجمة لأعلام الآداب، والمعارف على مساحة الأراضي الإسلامية، والعربية كلها منذ القرن الأول الهجري حتى زمان المؤلف بحيث إنه ترجم لبعض من رآهم والتقى بهم وتحدث إليهم.
وتبلغ الترجمة أحيانًا حدًّا من الطول بحيث تصلح أن تكون كتابًا بذاته، وتبلغ حدًّا من القصر أحيانًا أخرى بحيث لا تتعدى كلمات سبعًا أو ثمانٍ.
فمن التراجم الطويلة على سبيل المثال ترجمة الصاحب إسماعيل بن عباد التي استغرقت النصف الثاني كله من الجزء السادس من المعجم، ومنها ترجمة أحمد بن عبد الله بن سليمان المشهور بأبي العلاء المعري3 ومنها ترجمة الحسن بن عبد الله المرزباني النحوي المشهور بأبي سعيد السيرافي4، ومنها تلك التي لأسامة بن منقذ العالم الفارس الأمير الشاعر بحيث استغرقت ترجمته النصف الثاني بأكمله من الجزء الخامس من المعجم5.
يقابل هذه التراجم المفصلة البالغة الطول تراجم أخرى بالغة القصر إلى المدى الذي يكاد يصاب المعجم بسبب قصرها بالخلل، ولكن لم يكن لدى ياقوت من حيلة في ذلك، فهو يرى أن ذكر الشيء القليل مهما بلغ من ضآلة خير من عدمه فمن التراجم البالغة القصر على سبيل المثال، تلك التي أوردها لأحمد بن عبد الله المهاباذي الضرير، يقول فيها ما نصه:"من تلاميذ عبد القادر الجرجاني، له شرح كتاب اللمع"6 أو تلك التي ترجم بها لجعفر بن هارون بن إبراهيم النحوي الدينوري، وفيها يقول:"أبو محمد، روى عنه ابن شاذان في شوال سنة أربع وأربعين وثلاثمائة"7. أو تلك التي ترجم بها لمحمد بن الحسن البرجي
1 مقدمة معجم الأدباء "ص66" وما بعدها.
2 المصدر نفسه "ص91" وما بعدها.
3 معجم الأدباء "3/ 107-218".
4 معجم الأدباء "8/ 145-232".
5 معجم الأدباء "5/ 168-317".
6 المصدر "3/ 219".
7 المصدر "7/ 205".
الأديب الأصفهاني، وفيها يقول "قال ابن مندة: مات في محرم سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة"1 أو ترجمته للحسين بن أحمد بن بطَّويه، وهي أطراف التراجم القصيرة جميعًا؛ لأن المؤلف يقول فيها ما نصه: "لا أعلم من أمره شيئًا" 2 ثم ينسب إليه مقطوعتين من الشعر، واحدة في ثلاثة أبيات والأخرى في بيتين.
هذا وقد يكون من الطرافة بمكان أن نذكر أن أسماء قليلة بعينها قد استولت من الكتاب على نصيب الأسد، أو أكثر بل إنها أربعة أسماء بالذات هي على الترتيب الأبجدي أحمد، والحسن وعلي، ومحمد. "فالأحمدون" استولوا على ثلثي الجزء الثاني فضلًا عن الأجزاء الثالث والرابع والخامس بأكملها. و "الحسنون" استولوا على كل من الجزءين الثامن والتاسع بأكملهما باستثناء أربع تراجم قصيرة في آخر التاسع. و "العليون" استولوا على الربع الأخير من الجزء الثاني عشر وكل من الأجزاء الثلاثة التالية له، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر باستثناء ثلاث تراجم قصيرة في آخر الجزء الخامس عشر، و "المحمدون" استولوا على ثلثي الجزء السابع عشر الأخيرين، وكل الجزء الثامن عشر، والثلث الأول من الجزء التاسع عشر، وبعملية حسابية صغيرة يتبين أن أصحاب هذه الأسماء الأربعة من العلماء قد استغرقوا أحد عشر جزءًا من الكتاب كله البالغ عدد أجزائه عشرين جزءًا.
على أن ذلك الذي نذكره حول هذه الأسماء وسيادتها واستيلائها على ناصية العلم ليس إلا من باب الملاحظة العابرة، وهي في مجموعها أسماء لطيفة مباركة.
هذا ملخص سريع لمنهج كتاب معجم الأدباء ومحتواه للعالم الهاوي الأريب الأديب النشط المبارك الإنتاج على الرغم من صغر سنه نسبيًّا، وزحمة أعماله وكثرة أسفاره ومشاكل الرق التي كابدها في أول حياته. إنه كتاب ثمين في قيمته، فريد في جوهره، خصيب في عطائه، كريم في فيضه، إنه عطاء العلم وفيض الأدب ممثلًا فيمن ترجم لهم بعناية وإحكام مستعينًا بالمصادر التي يطمئن إليها ذاكرًا أصحابها كلما سنحت له الفرصة أن يذكرهم، والكتاب من الشهرة والقيمة بحيث لا يستغني عنه باحث أو طالب علم، أو أديب، أو معلم.
1 المصدر "18/ 186".
2 المصدر "9/ 199".