الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل الجوع:
رويُ عن يحيى بن معاذ رضي الله عنه أنه قال في شبع من الطعام عجز عن القيام، ومن عجز عن القيام افتضح بين الخدام، وإذا امتلأت المعدة رقدت الأعضاء عن الطاعات وقعدت الجوارح عن العبادات" وأنشدوا:
تجوع فإن الجوع يورث أهله
…
عواقب خير عمها الدهر دائم
ولا تك ذا بطن رغيب وشهوة
…
فتصبح في الدنيا وقلبك هائم
* وروي عن ذي النون المصري -رحمه الله تعالى- أنه قال: تجوع بالنهار وقم بالأسحار ترى عجبًا من الملك الجبار.
* وروي عن يحيى بن معاذ رضي الله عنه أنه قال: لو كان الجوع يباع في السوق لكان المريد محقوقًا إذا دخل السوق ألا يشتري شيئًا غيره.
والله تعالى قد فضلكم بدين الإسلام ومنَّ عليكم بشهر الصيام، والله أعلم، وأنشدوا:
وربك لو أبصرت يومًا تتابعت
…
عزائمهم حتى لقد بلغوا الجهدَا
لأبصرت قومًا حاربوا النوم وارتدوا
…
بأردية السهاد واستعملوا الكدّا
وصاموا نهارًا دائمًا ثم أفطروا
…
على بلغ الأقوات واستقربوا البعدا
أولئك قوم حسّن الله فعلهم
…
وأورثهم من حسن فعلهم الخلدا
* حج روح بن زنباع مرة فنزل على ماء بين مكة والمدينة فأمر فأصلحت له أطعمة مختلفة الألوان، ثم وضعت بين يديه. وبينما هو يأكل إذ جاء راع من الرعاة يرد الماء فدعاه روح بن زنباع إلى الأكل من ذلك الطعام فجاء الراعي فنظر إلى طعامه وقال: إني صائم فقال له روح: في مثل هذا اليوم الطويل الشديد الحر تصوم يا راعي؟ فقال الراعي: أفأغبن أيامي من أجل طعامك، ثم إن
الراعي إرتاد لنفسه مكانًا فنزله وترك روح ابن زنباع فقال روح:
لقد ضننت بأيامك يا راعي
…
إذ جاد بها روح بن زنباع
ثم إن روحًا بكى طويلاً وأمر بتلك الأطعمة فرفعت وقال: انظروا هل تجدون لها آكلا من هذه الأعراب أو الرعاة؟
ثم سار من ذلك المكان وقد أخذ الراعي بمجامع قلبه وصغرت إليه نفسه والله تعالى أعلم (1) .
وشهر الصوم شاهده علينا
…
بأعمال القبائح والذنوب
فيا رباه عفوًا منك والطف
…
بفضلك للمحير والكئيب
وهذا الصوم لا تجعله صومًا
…
يصيرنا إلى نار اللهيب
سلام الله ما هبت عليه
…
قبولٌ أو شمال أو جنوب
* قال صالح المرى: كان عطاء السلمي قد اجتهد حتى انقطع فقلت: له يوماً إني مكرمك بكرامة فلا ترد كرامتي فبعثت إليه شربة من سويق مع ولدي وقلت له لا تبرح حتى يشربها فجاء فقال: قد شربها فبعثت له في اليوم الثاني مثلها فجاء فقال: ما شربها، فأتيت إليه فلمته وقلت: رددت عليّ كرامتي وهذا يقويك على العبادة فقال: يا أبا بشر لقد شربتها في أول يوم واجتهدت في الثاني فلم أقدر كلما هممت بشربها ذكرت قوله تعالى: (وطعامًا ذا غصة) قال: فقلت: أنا في وادٍ وأنت في واد.
أطلتَ وعنفتني يا عزولْ
…
بليت فدعني حديثي طويل
هوايَ هوىً باطن ظاهر
…
قديم حديث لطيف جليل
ألا ما لذا الليل لا ينقضي
…
كذا ليل كل محب طويل
أبيت أساهر نجم الدجى
…
إلى الصبح وحدي ودمعي يسيل
(1)"البداية والنهاية"(9/58-59) .
أمت نفسك حتى تحييها، فعاقبة الصبر حلوة كم صبر بشر عن مشتهى حتى سمع: كل يا من لم يكل ما مد سجاف "نعم العبد" على قبة (ووهبنا له أهله) حتى جرب في أمانة (إِنا وجدناه صابرْا) .
إنَّ الألم ليحمد إذا كان طريقًا إلى الصحة، وإن الصحة لتذم إذا كانت سبيلاً إلى المرض، أي فائدة ساعة أوقعت غمًا طويلاً، ما فهم مواعظ الزمان من أحسن الظن بالأيام، إياك أن تسمع كلام الأمل فإنه غرور محض.
ألا خيراً لمقترح النواح
…
أطير إليه منشور الجناح
فأسأله وألطفه عساه
…
سيسلى ما بقلبي من جراح
ويجلو ما دجا من ليل جهلي
…
بنور هدى كمنسلخ الصباح
سأصرف همتي بالكل عما
…
نهاني الله من أمر المزاح
إلى شهر الخضوع مع الخشوع
…
إلى شهر العفاف مع الصلاح
يجازي الصائمون إذا استقاموا
…
بدار الخلد والحور الملاح
وبالغفران من رب عظيم
…
وبالملك الكبير بلا براح
فيا أحبابنا اجتهدوا وجدّوا
…
لهذا الشهر من قبل الرواح
عسى الرحمن أن يمحو ذنوبي
…
ويغفر ذلتي قبل افتضاحي
قال الحسن: إن لله تعالى عبادًا، كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وأنفسهم عفيفة وحوائجهم خفيفة صبروا أيامًا قصارًا تعقب راحة طويلة، أما الليل فصافة أقدامهم تسيل دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم عز وجل ربنا ربنا، وأما النهار فعلماء حلماء بررة أتقياء ينظر إليهم الناظر فيحسبهم عرض أو قد خولطوا وما بهم مرض ولكن خالط القوم أمرٌ عظيم" (1) . يا قليل الصبر إنما هي مراحل فصابر لجة البلاء فالموت ساحل، تأمل تحت سجف ليل الصبر
(1)"التبصرة"(1/200) .