الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثلاثين يوماً، فإنها ليست تغمى عليكم العدة" (1) .
قال المناوي في "فيض القدير": أحصوا: عدوا واضبطوا والإحصاء أبلغ من العد في الضبط لما فيه من إعمال الجهد في العد. والمراد أحصوا هلاله حتى تكملوا العدة إن غمّ عليكم أو تراؤوا هلال شعبان وأحصوه ليترتب عليه رمضان بالاستكمال أو الرؤية.
قال ابنُ قدامة في "المغني"(4/325) : "يستحب للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان وتطلبه ليحتاطوا بذلك لصيامهم، ويسلموا من الاختلاف فإذا رأوه وجب عليهم الصيام إجماعاً".
رؤية الهلال هي المعتبرة فقط دون الحساب:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر
هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين" رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر (4/151-152) : "قيل للعرب: أميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة. قال الله تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب لأن الكتابة فيهم قليلة نادرة، والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضاً إلَاّ النزر اليسير، فعلّق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا، ويوضحه قوله في الحديث: "فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".
يقل فسلوا أهل الحساب، والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم، وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض، ونُقل عن بعض الفقهاء موافقتهم. قال الباجي: وإجماع السلف الصالح حُجَّة عليهم. وقال ابن بزيزة: وهو مذهب باطل فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب، مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق إذ لا يعرفها إلا القليل".
(1) صحيح: رواه الدارقطني، والبيهقي في سننه عن أبي هريرة وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (199) .
قال ابن بطال: "في الحديث رفع لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المعول رؤية الأهلة وقد نهينا عن التكلف. ولا شك أن في مراعاة ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية التكلف.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين"(1) .
* وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له"(2) .
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء رمضان فصوموا ثلاثين إلَاّ أن تروا الهلال قبل ذلك"(3) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتُم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُم عليكم فاقدروا له"(4) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "جعل الله الأهلة مواقيت للناس، فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوماً"(5) .
قال ابنُ حجر (4/146) : "للعلماء فيه تأويلان، وذهب آخرون إلى تأويل ثالث، قالوا: معناه فاقدروه بحساب المنازل. قاله أبو العباس بن سريج من الشافعية، ومطرف بن عبد الله من التابعين، وابن قتيبة من المحدثين.
قال ابن عبد البر: لا يصح عن مطرف، وأما ابن قتيبة هو ممن يعرج عليه في مثل هذا.
قال: ونقل ابن خويز منداد عن الشافعي مسألة ابن سريج والمعروف عن الشافعي ما عليه الجمهور.
(1) رواه الشيخان والنسائي وغيرهم عن عدة من الصحابة.
(2)
أخرجه الشيخان ومالك وغيرهم.
(3)
صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" رقم (1308) . رواه الطبراني في الكبير وأحمد والطحاوي. وصححه الألباني أيضاً في "صحيح الجامع".
(4)
رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن عمر.
(5)
صحيح: رواه البيهقي في سننه، وأحمد، والطبراني في الكبير، والديلمي وابن عساكر عن طلق بن علي، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(3093) .
ونقل ابنُ العربي عن ابن سريج أن قولَه "فاقدروا له" خطاب لمن خصّه الله بهذا العلم، وأن قوله "فأكملوا العدة" خطاب للعامة. قال ابن العربي: فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم. بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد، قال: وهذا بعيد عن النُّبلاء.
وقال ابنُ الصلاح: معرفة منازل القمر هي معرفة سير الأهلة، وأما معرفة الحساب فأمر دقيق يختص بمعرفته الآحاد، قال: فمعرفة منازل القمر تدرك بأمر محسوس يدركه من يراقب النجوم، وهذا هو الذي أراده ابنُ سريج وقال به في حق العارف بها في خاصة نفسه. ونقل الروياني عنه أنه لم يقل بوجوب ذلك عليه، وإنما قال بجوازه، وهو اختيار القفال وأبي الطيب، وأما أبو إسحاق في "المهذب" فنقل عن ابن سريج لزوم الصوم في هذه الصورة فتعدّدت الآراء في هذه المسألة بالنسبة إلى خصوص النظر في الحساب والمنازل:
أحدها: الجواز ولا يجزيء عن الفرض.
ثانيها: يجوز ويجزيء.
ثالثها: يجوز للحاسب ويجزئه لا للمنجم.
رابعها: يجوز لهما ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجم.
خامسها: يجوز لهما ولغيرهما مطلقاً.
وقال ابنُ الصباغ: أما بالحساب فلا يلزمه بلا خلاف بين أصحابنا. قلت: ونقل ابن المنذر قبله الإجماع على ذلك، فقال في الإشراف: صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة، وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته، هكذا أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره، فمن فرّق بينهم كان محجوجاً بالإجماع قبله".
* قال النووي في "روضة الطالبين"(2/347-348) : لا يجب مما يقتضيه حساب المنجم الصوم عليه، ولا على غيره.
قال الروياني: وكذا من عرف منازل القمر، لا يلزمه الصوم به على الأصح.
وأما الجواز فقال في "التهذيب": لا يجوز تقليد المنجم في حساب، لا في الصوم ولا في الفطر.
* قال ابن حجر في "تلخيص الخبير"(2/187-188) : قال ابن دقيق العيد: "إن الحساب لا يجوز أن يعتمد عليه في الصوم لمقارنة القمر للشمس على ما يراه المنجمون، فإنهم قد يقدمون الشهر بالحساب على الرؤية بيوم أو يومين، وفي اعتبار ذلك إحداث شرع لم يأذن الله به، وأما إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع على وجه يرى، لكن وجد مانع من رؤيته كالغيم فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي، قلت: لكن يتوقف قبول ذلك على صدق المخبر به، ولا نجزم بصدقه إلَاّ لو شاهد، والحال أنه لم يشاهد، فلا اعتبار بقوله إذاً، والله أعلم".
* وقال ابن عبد البر في "الاستذكار"(10/15) : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) يريد والله أعلم: من علم منكم بدخول الشهر علم يقين فليصمه، والعلم اليقين: الرؤية الصحيحة الفاشية الظاهرة أو إكمال العدد.
وقال فيه (10/115) أيضاً: "قد كان بعض كبار التابعين فيما ذكر محمد بن سيرين ذهب في هذا الباب إلى اعتباره بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب قال ابن سيرين: كان أفضل له لو لم يفعل".
وقال في "التمهيد"(14/350-352) : "ذهب بعض فقهاء البصريين إلى أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "فاقدروا له": ارتقاب منازل القمر وهو علم كانت العرب تعرف منه قريبا من علم العجم. ثم قال: وفيما ذكر هذا القائل من الضيق والتنازع والاضطراب ما لا يليق أن يتعلق به أولوا الألباب، وهو مذهب تركه العلماء قديماً وحديثاً للأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته.." ولم يتعلق أحد من فقهاء المسلمين فيما علمت باعتبار المنازل في ذلك، وإنما هو شيء روي عن مطرف بن الشخير، وليس بصحيح عنه، والله أعلم، ولو صح، ما وجب اتباعه عليه لشذوذه، ولمخالفة الحجة له، وقول ابن قتيبة قول قد ذكرنا شذوذه ومخالفة أهل العلم له، وليس هذا من شأن ابن قتيبة، ولا هو ممن يعرج عليه في هذا الباب، وقد حكي عن الشافعي أنه قال: من كان مذهبه
الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر، ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغمّ عليه، جاز له أن يعتقد الصيام ويبيته ويجزئه، والصحيح عنه في كتبه وعند أصحابه، أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلَاّ برؤية أو شهادة عادلة.
وقال ابن عمر في "الاستذكار"(10/19) : "الذي عندنا في كتبه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلَاّ برؤية فاشية".
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(25/131-132) : "إني رأيت الناس في شهر صومهم، وفي غيره أيضاً: منهم من يصغي إلى ما يقوله بعض جهال أهل الحساب من أن الهلال يرى أو لا يرى. ويبني على ذلك إما في باطنه وإما في ظاهره حتى بلغني أن من القضاة من كان يرد شهادة العدد من العدول لقول الحاسب الجاهل الكاذب: إنه يرى أو لا يرى فيكون ممن كذب بالحق لما جاءه".
ويقول (ص132-133) : إنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز. والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة.
وقد أجمع المسلمون عليه. ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلا، ولا خلاف حديث، إلَاّ أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا. وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصا بالحاسب فهو شاذ، مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم.
وقد يقارب من هذا قول من يقول من الإسماعيلية بالعدد دون الهلال وبعضهم يروي عن جعفر الصادق جدولاً يعمل عليه، وهو الذي افتراه عليه عبد الله بن معاوية.
وهذه الأقوال خارجة عن دين الإسلام. وقد برَّأ الله منها جعفر وغيره.
ويقول أيضاً (ص164) : قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" فمن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم، بل يكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين الذين هم هذه الأمة فيكون قد فعل ما ليس من دينها، والخروج عنها محرم منهي عنه، فيكون الكتاب والحساب المذكوران محرمين منهياً عنهما.