المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تأخير النية في الصوم - نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان - جـ ٢

[سيد حسين العفاني]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابع عشرفقه الصوم ورمضان

- ‌الصيام لغة:

- ‌الصيام شرعاً:

- ‌الصوم الواجب:

- ‌فرض الصوم على أحوال

- ‌على من يجب الصيام

- ‌أركان الصوم

- ‌الركن الأول: الزمان

- ‌إحصاء عدة شعبان:

- ‌رؤية الهلال هي المعتبرة فقط دون الحساب:

- ‌الشهادة على رؤية الهلال:

- ‌مذاهب العلماء فيما إذا رأى الهلال أهل بلد دون غيرهم:

- ‌إذا رأى القمر نهاراً

- ‌صيام الأسير والمطمور

- ‌زمن الإمساك

- ‌ أول زمن الإمساك:

- ‌الركن الثاني: وهو الإمساك

- ‌ ما يُفطر من غير المأكول والمشروب:

- ‌القبلة للصائم

- ‌مذاهب العلماء في القبلة للصائم:

- ‌القيءُ للصائم

- ‌الحجامة للصائم

- ‌مذاهب العلماء في حجامة الصائم:

- ‌الجماع في نهار رمضان

- ‌ مذاهب العلماء فيمن كرر جماع زوجته في يوم من رمضان:

- ‌ مذاهب العلماء فيمن وطء في يومين أو أيام من رمضان:

- ‌ مذاهب العلماء في المباشرة فيما دون الفرج - القُبل والدبُر

- ‌ مذاهب العلماء فيمن أفطر بغير الجماع في نهار رمضان

- ‌الركن الثالث: النية

- ‌تقديم النيّة في الصوم

- ‌تأخير النية في الصوم

- ‌النية لكل يوم

- ‌حكم من ظهر له وجوب الصيام نهاراً

- ‌الليل كلة وقت للنية

- ‌المدى الذي يصحّ أن يحدث فيه النيّة من النَّهار:

- ‌شروط من أجاز صوم النفل بنيّةٍ من النهار:

- ‌المقدار الذي يثاب عليه الناوي من النهار:

- ‌صفة النيّة في الصوم

- ‌مباحث تتعلق بالنية في الصوم:

- ‌1- استصحاب حكم النية:

- ‌(2) رفض النية:

- ‌(أ) رفض النية بعد تمام العبادة:

- ‌(ب) رفض نية الصوم في أثنائه:

- ‌(3) قلب نية الصوم وتغييرها:

- ‌أقسام النية التي قلبت

- ‌(1) نقل فرض إلى فرض:

- ‌(2) نقل نفل إلى فرض:

- ‌(3) نقل نفل إلى نفل:

- ‌(4) عدم التشريك في النية:

- ‌(5) قصد الصوم دفعة واحدة:

- ‌النيابة في النيات في الصوم

- ‌موقف الذين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقًا:

- ‌تحرير محل النزاع

- ‌الرأي الراجح:

- ‌إهداء ثواب العبادة للأموات

- ‌النية: ركن أم شرط في الصوم

- ‌الصوم في السفر

- ‌المسألة الأولى [إن صام المريض أو المسافر هل يجزيه

- ‌المسألة الثانية [هل الصوم في السفر أفضل أم الفطر]

- ‌المسألة الثالثة[هل الفطر الجائز للمسافر هو في سفر محدود أم غير محدود

- ‌المسألة الرابعة [متى يفطر المسافر ومتى يمسك

- ‌سُنَّة ميتة فتمسك بها:

- ‌المسألة الخامسة[هل يجوز للصائم أن ينشئ سفرًا ثم لا يصوم فيه]

- ‌يريد الله بكم اليسر

- ‌صيام المريض

- ‌الحامل والمرضع ماذا عليها إذا أفطرت

- ‌بحث للألباني في "الحامل والمرضع

- ‌ القضاء

- ‌المسألة الأولى [هل يقضى الصوم متتابعًا أم لا

- ‌متى يقضى

- ‌ماذا على من أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر

- ‌إذا مات وعليه صوم هل يصوم عنه وليه أم لا

- ‌الكفارة

- ‌هل هذه الكفارة مرتبة ككفارة الظهار أو على التخيير

- ‌حكمة الأنواع الضعيفة في الكفارة

- ‌اختلافهم في وجوب الكفارة على المرأة إذا طاوعته على الجماع

- ‌مسألة [مقدار الكفارة بالإطعام]

- ‌مسألة [هل تسقط الكفارة بالإعسار

- ‌خلافهم في الكفارة

- ‌الفدية

- ‌صوم النذر

- ‌مسائل

- ‌صوم الكفارات

- ‌مسألة [اختلافهم في اشتراط تتابع الأيام

- ‌الباب الخامس عشرالاعتكاف

- ‌أركان الاعتكاف أربعة:

- ‌[مكان الاعتكاف]

- ‌الرد على فضيلة الشيخ الألباني

- ‌[وقت الاعتكاف]

- ‌العمل الذي يخص الاعتكاف

- ‌الخروج إلى الجمعة

- ‌الصوم في الاعتكاف

- ‌مذاهب العلماء في أقل الاعتكاف

- ‌ما يباح للمعتكف

- ‌الجماع في الاعتكاف

- ‌من جامع ناسيا في اعتكافه

- ‌هل تجب الكفارة على من جامع

- ‌هل يجوز للمعتكف أن يتزوج

- ‌الطيب للمعتكف

- ‌المعتكفه إذا حاضت

- ‌البيع والشراء للمعتكف

- ‌مسألة

- ‌مرض المعتكف

- ‌إذا أخرجه السلطان

- ‌قضاء الاعتكاف

- ‌الأولى للمعتكف أن يبيت في المسجد

- ‌الباب السادس عشروداع رمضان

- ‌في وداع رمضان

- ‌فضل الجوع:

- ‌سجع على قوله تعالى: (إني جزيتهم اليوم بما صبروا)

- ‌الباب السابع عشرحيوانات تصوم

- ‌معجزة الدب الأبيض:

- ‌طائر البطريق ومدرسة الحضانة:

- ‌ صوم بعض الحيوانات آثناء فترة النزو الجنسي:

- ‌ الصوم بعد الولادة

- ‌ الصوم حين يكون حس الجوع غائبًا:

- ‌ الصوم في حالات الغضب:

- ‌ السبات الشتوي عند النباتات:

- ‌الباب التاسع عشرالصوم علاج رباني

- ‌الصوم والأمراض الجلدية:

- ‌ الصوم ومستوى جديد من الصحة:

- ‌الصوم الطبي:

- ‌الفرق بين الصيام الإسلامي والتجويع [الصوم الطبي]

- ‌وظائف الأعضاء في الصيام الإسلامي

- ‌وظائف الأعضاء في التجويع المطلق:

- ‌أوجه الاتفاق والاختلاف بين الصيام الإسلامي والتجويع:

- ‌نظريات علمية في بعض فوائد الصيام الإسلامي وآدابه

- ‌الصيام والتخلص من السموم

- ‌هل الأفضل في الصيام الحركة أم السكون

- ‌الصيام والتخلص من الشحوم

- ‌الصيام وتجدد الخلايا

- ‌لماذا الإفطار على التمر

- ‌أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم بالهدوء والبعد عن الشجار وتفسير ذلك طبيًا:

- ‌من فوائد عدم شرب الماء في الصيام

- ‌الصيام وجهاز المناعة

- ‌الصيام ومكونات الدم

- ‌الصيام وهرمونات المرأة

- ‌الصيام ومرضى الجهاز البولي

- ‌الصيام وعمل الغدة الدرقية

- ‌الصيام وهرمونات الشدة

- ‌الصيام وخلايا الدم

- ‌الصيام وتجلط الدم

- ‌الصيام ومرضى السكري

- ‌تأثير الصيام على الحمل والرضاعة

- ‌تأثير الصيام الإسلامي على وزن الجسم

- ‌الصيام والإخصاب عند الرجل

- ‌تأثير الصيام المتواصل على مرضى التهاب المفاصل الشبيه بالرثية

- ‌تأثير الصيام على قرحة المعدة

- ‌تأثير الصيام المتواصل على الغدد الجنسية

- ‌صيام رمضان وأثره على بعض أمراض الأوعية الدموية الطرفية

- ‌تأثير الصيام على الوارد الكهربائية والتناضح في البول والدم

- ‌وجوه الإعجاز في الصوم

- ‌دفاع العقاد عن الصيام ردًا على المستشرقين

- ‌الباب التاسعزكاة الفطر

- ‌حكمها:

- ‌فيمَنْ تجب عليه، وعمن تجب

- ‌اليسار شرط لوجوب الفطرة:

- ‌ وقت خروجها:

- ‌ دفع الزكاة إلى كافر أو ذمي:

- ‌أصناف زكاة الفطر:

- ‌ مقدارها

- ‌عمن يؤديها الرجل

- ‌جهة إخراجها:

- ‌هل تجزيء القيمة في الزكاة

- ‌ كيف يقدر الصاع

- ‌الباب العشرونالعيد لمن طاعاته تزيد

- ‌سنن العيد

- ‌ الخروج إلى المصلى:

- ‌ التكبير في العيدين:

- ‌ صيغ التكبير:

- ‌ حكم صلاة العيدين:

- ‌وقت صلاة عيد الفطر:

- ‌ التخيير بحضور الخطبة:

- ‌ التوسعة على العيال

الفصل: ‌تأخير النية في الصوم

1-

النصوص الصريحة الدالة على أنَّ محلَّ النية في الصوم هو الليل، وسيأتي بيانها.

2-

أن اشتراط مقارنة النيّة لأول الصوم فيه مشقّة بالغة، وحرج شديد والله يقول:(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الحج: 78] ، ووجه المشقة والحرج أنَّ أول الصوم يأتي في وقت غفلة من الناس، ولعسر مراقبة أول الصوم وهو الفجر (1) .

‌تأخير النية في الصوم

اختلف العلماء في جواز تأخير النية في بعض أنواع الصوم، وسأحاول تحقيق مذاهب العلماء في ذلك، والراجح منها.

1-

القضاء والكفّارة:

لا يجوز تأخير نيّة صوم الكفارة وقضاء رمضان، ولا يصحّ صومهما إلا بنيّة من الليل عند كافة العلماء.

قال النووي: "ولا نعلم أحداً خاف في ذلك"(2) .

2-

صوم رمضان:

القائلون بجواز صومه بنيّة من النَّهار:

ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه إلى أن صوم رمضان يتأدى بنية من بعد غروب الشمس إلى منتصف النَّهار" (3) .

وخالف زفر (4) من الأحناف في المريض والمسافر إِذا صاما رمضان، قال: لابدَّ لهما

(1) راجع في هذا الموضوع "الإحكام في آيات الأحكام" لابن العربي (2/564، 4/1908) ، "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص 24) ، "إرشاد الساري"(1/54) ، "المحلى" لابن حزم (6/162) ، "الذخيرة"(1/243) .

(2)

"المجموع"(6/337) .

(3)

"فتح القدير" لابن الهمام (2/48) ، "تحفة الفقهاء"(1/534) ، "المغني"(3/91) ، "الإفصاح"(1/157) ، "حاشية ابن عابدين"(2/92) ، "بدائع الصنائع"(2/ 85) .

(4)

هو: زفر بن الهذيل من تميم، فقيه كبير من أصحاب أبي حنيفة، أصله من أصبهان، أقام بالبصرة، وولي قضاءها، وتوفي بها سنة 158 هـ، "شذرات الذهب"(1/243) ، "العبر"(1/299) .

ص: 56

من تبييت النيّة من الليل؛ لأنه في حقهما كالقضاء، لعدم تعينه عليهما، ولم يرتض الأحناف منه ذلك؛ لأن صوم رمضان متعينّ بنفسه على الكلّ، غير أنه جاز لهما تأخيره تخفيفاً للرخصة، فإذا صاما وتركا الترخيص التحقا بالمقيم الصحيح (1) .

وقد استدل الأحناف بأدلّة كثيرة نجملها فيما يأتي:

1-

احتجوا بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا ينادي في النّاس يوم عاشوراء: "أن من أكل فليتم، أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل"(2) .

ولا يتم لهم الاستدلال بالحديث إلا على القول بأن صوم عاشوراء كان واجبا، وقد نازع في ذلك بعض مخالفيهم (3) .

وإذا حققنا أن صوم عاشوراء كان واجبا فهل يتم للأحناف الاستدلال بالحديث على جواز صيام رمضان بنية من النهار؟

قال منازعوهم: لا؛ لأنَّ الحديث منسوخ، فلا يصحّ الاستدلال به. إلَاّ أن الأحناف قالوا: لا يلزم من كون الحديث منسوخا أن تنسخ كل الأحكام التي تتعلق به، فالحديث دل على شيئين: أحدهما: وجوب صوم عاشوراء، والثاني: أن الصوم الواجب في يوم بعينه يصحُّ بنية من نهار، والمنسوخ الأول: ولا يلزم من نسخه نسخ الثاني (4) .

ومع ذلك فإنّني أرى أنَّ الحديث لا تقوم به حُجة، لأن المتنازع فيه في صوم الفرض المقدور هل يجوز أن ينويه من النهار بلا عذر أم الذي دل عليه الحديث؟ فهو صحة صوم من لم يعلم وجوب الصوم عليه من الليل، كالذي لم يبلغه أن اليوم أول رمضان إلا بعد أن أصبح، وقد احتج ابن حزم بالحديث على صحة صوم من لم يعلم وجوب الصوم إلا بعد طلوع الفجر كما سيأتي.

(1)"فتح القدير"(2/48) .

(2)

رواه البخاري "فتح الباري"(4/140) .

(3)

وهو الأقوى.

(4)

"حاشية السندي على النسائي"(4/193) .

ص: 57

وقد أجاب النووي بجواب آخر حيث يقول: "وعلى فرض وجوبه فكان في ابتداء فرض عليهم من حين بلغهم، ولم يخاطبوا بما قبله، كأهل قباء في استقبال الكعبة، فإن استقبالها بلغهم في أثناء الصلاة، فاستداروا وهم فيها من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة، وأجزأتهم صلاتهم حيث لم يبلغهم الحكم إلا حينئذ، وإن كان الحكم باستقبال القبلة قد سبق في حق غيرهم قبل هذا"(1) .

2-

استدل صاحب الهداية من الأحناف بقوله صلى الله عليه وسلم بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال: "إلا من أكل فلا يأكل بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم"(2) .

وقد اختلط على المؤلف حديث الأعرابي هذا بحديث سلمة بن الأكوع (3) في صوم عاشوراء، إذ هذا اللفظ الذي ذكره صاحب الهداية لم يذكر في حديث الأعرابي، وحديث الأعرابي أخرجه أصحاب السنن وابن خزيمة (4) ، وابن حبان (5) ، والدارقطني، والبيهقي، والحاكم، عن ابن عباس أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"إني رأيت الهلال، فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: نعم. قال: "أتشهد أنَّ محمداً رسول الله؟ " قال: نعم. قال: "فأذّن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً" (6) .

فرؤية الأعرابي وإخباره للرسول صلى الله عليه وسلم كانت ليلاً، والأمر بصومه كان في الليل، كما هو واضح من قوله:"أن يصوموا غداً"، وقد استغرب ابن الهمام ما ذكره صاحب الهداية (7) .

(1)"المجموع"(6/337) .

(2)

"الهداية"(2/43) .

(3)

سلمة بن عمرو بن سنان الأكوع صحابي، كان شجاعاً رامياً عداء يسبق الخيل، من الذين بايعوا تحت الشجرة، له في الصحيحين (77) حديثاً، توفي بالمدينة سنة 47 هـ.

راجع: "تهذيب التهذيب"(4/150) ،"خلاصة تهذيب الكمال"(1/404) ، "الكاشف"(1/385) .

(4)

هو محمد بن إسحق بن خزيمة السلمي، إمام نيسابور في عصره، ولد وتوفي بنيسابور (223- 311 هـ) ، كان فقيهاً مجتهداً عالماً بالحديث، تزيد مؤلفاته على (140) مؤلفاً.

(5)

هو محمد بن حبان التميمي أبو حاتم البستي، مؤرخ محدث، من مؤلفاته "المسند الجامع الصحيح" المعروف بصحيح ابن حبان، وفاته في سنة (354 هـ) .

را جع: "شذرات الذهب"(3/6) ، "طبقات الحفاظ"(ص 374) ، "الأعلام"(6/306) .

(6)

"تلخيص الحبير"(2/187) .

(7)

"فتح القدير"(2/43) .

ص: 58

3-

واحتجوا بقرله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة: 187] .

فقد أباح للمؤمنين الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر، وأمر بالصيام عنها بعد طلوع الفجر: متأخراً عنه، لأنَّ كلمة "ثم" للتعقيب مع التراخي، فكان هذا أمراً بالصوم متراخياً عن أول النهار، والأمر بالصوم أمر بالنيّة، إذ لا صحة للصوم شرعا بدون النية، فكان أمراً بالصوم بنية متأخرة عن أوّل النهار، ومن أتى به فقد أتى بالمأمور به، فيخرج عن العهدة، وفيه دلالة على أنَّ الإمساك في أول النَّهار يقع صوماً وجدت فيه النية أو لم توجد؛ لأن إتمام الشيء يقتضي سابقية وجود بعض منه، ولأنه صام في وقت متعين شرعاً لصوم رمضان لوجود ركن الصوم مع شرائطه.

هكذا احتجّ صاحب بدائع الصنائع بالآية الكريمة (1) .

ونحن نخالفه في عدّة أمور:

أولاً: نخالفه في أن "الأمر بالصوم أمر بالنيّة"، وتعليله لذلك بأنّه "لا صحة للصوم شرعاً بدون النية". ذلك أن وجوب النية في الصوم غير مأخوذ من مجرد الأمر بالصوم، بل من أدلّة أخرى منفصلة، كقوله تعالى:(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[البينة: 5] . وقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيّات"(2) ، وبناء على ذلك فليس الأمر بالصوم أمرا بالنية.

ثانياَ: إذا تقرّر الأمر السابق بطل مابناه عليه من أن الشارع أمر بالصوم بنية متأخرة عن أول النهار، ولو كان قوله هذا حقا لكان الأفضل أن نأتي بالنيّة بعد طلوع الفجر، وهذا لم يقل به أحد، حتى ولا الأحناف الذين يجيزون النية من النهار.

ثالثا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بينّ هذه الآية كما بين غيرها من الآيات بقوله: "لا صوم لمن لم يبيّت الصيام من الليل"، فوجب أن نأخذ ببيانه.

(1)"بدائع الصنائع"(2/86) .

(2)

صحيح.

ص: 59

رابعاً: ونخالفه في أن الإمساك في أول النهار يقع صوما وجدت فيه النية أم لم توجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعمال بالنيات"، وهذا لم ينو فكيف يقع صوما ولم توجد منه نيّة؟ ويلزم بناء على قوله: أنَّ من أصبح ناويا الإفطار في رمضان أن يكون صائماً إذا لم يأكل أو يشرب أو يجامع.

وتعليله بأنه صام في وقت متعين شرعاً يلزم منه أن من صلى ركعتين في آخر وقت الصبح بحيث لم يبق من الوقت إلَاّ ما يكفي لصلاة الفرض، ولم ينو بهما فرض الوقت أن تجزيا عن صلاة الفريضة، لأن الوقت أصبح متعيناً لصلاة الصبح، ولا يصح منه غيرهما، وهم لا يقولون بذلك.

4-

واحتجوا بالقياس: ولهم في القياس طريقان:

الأول: قياس الفرض على النفل (1)، فالنفل صح فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينويه من النهار. وقال منازعوهم: هذا قياس لا يصحّ، لأننا عهدنا من الشارع أنه يخفف في النوافل ما لا يخفف في الفرائض.

ففي الصلاة مثلاً سامح الشارع في ترك القيام في صلاة التطوع، وترك استقبال القبلة فيه في السفر تكثيراً له بخلاف الفرض (2) .

ثم نقول لهم: صحَّ الحديث في أنه صلى الله عليه وسلم كان يحدث الصوم بنيّة من النَّهار في النوافل، وصحَّ أن أكثر من صحابي قال:"لا صيام لمن لم يبيت الصوم من الليل" أو نحو هذا، وهذا له حكم المرفوع، لأنه لا يقال بالرأي بل الذي نرجّحه صحته مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله، كما سيأتي بيانه. فلمّا صح هذا وهذا كان الواجب ألا نضرب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضه ببعض، بل علينا أن نوفق بين الأحاديث، وهذا ما فعلناه

عندما حملنا حديث إحداثة النية من النهار على صوم النفل، بل هو صريح في ذلك، وحملنا حديث "لا صوم لمن لم يييت الصيام من الليل" على صيام الفرض.

الثاني: قياس النيّه المتأخرة على المتقدمة من أوّل الغروب والجامع بينهما "التيسير ودفع الحرج"(3) .

(1)"فتح القدير"(2/48) .

(2)

"المغني" لابن قدامة (3/92) .

(3)

"فتح القدير"(2/48) .

ص: 60

قالوا: "الأصل أن النيّه لا يصح اعتبارها إلا بالمقارنة، أو مقدمة مع عدم اعتراض ما ينافي المنوي بعدها قبل الشروع فيه، فإنه يقطع اعتبارها على ما قدمنا في شروط الصلاة"(1) .

ولم يجب فيما نحن فيه، لا المقارنة وهو ظاهر، فإنه لو نوى بعد الغروب أجزأه، ولا عدم تخلل المنافي لجوازالصوم بنية يتخلل بينها وبينه الأكل والشرب والجماع مع انتفاء حضورها بعد ذلك إلى انقضاء يوم الصوم (2) . ثم أخذ يبين الحرج الذي سينشأ من عدم إجازة النية من النهار:"فكثير من النّاس يقع في الحرج لو لم تجز من النهار، كالذي نسيها ليلاً، وفي حائض طهرت قبل الفجر ولم تعلم إلا بعده، وهو كثير جداً، فإن عادتهن وضع الكرسف عشاء، ثم النوم، ثم رفعه بعد الفجر، وكثير ممن تفعلن ذلك تصبح فترى الطهر، وهو محكوم بثبوته قبل الفجر، ولذا نلزمها بصلاة العشاء، وفي صبي بلغ بعده، ومسافر أقام، وكافر أسلم"(3) .

ثم قال: "فيجب القول بصحتها نهاراً، وتوهم أنَّ مقتضاه قصر الجواز على هؤلاء، أن هؤلاء لا يكثرون كثرة غيرهم بعيد عن النظر

" (4) .

فهو بذلك يثبت أن "المعنى الذي لأجله صحت النية المتقدمة لذلك التيسير ودفع الحرج موجود في النية المتأخرة

" (5) .

والإجابة على ذلك أن القول بهذا يلزمهم القول بإجازة الصوم بنيّة من النهار قبل الزوال وبعده، لا كما يقولون بأن النية بعد الزوال لا تصح، وذلك لأنَّ الحرج قد يوجد بعد الزوال، فقد يبلغ الصبي، ويسلم الكافر، ويفيق المجنون، ويصحو المغمى عليه، وهم لا يقولون بذلك.

ثمّ إنَّ إجازة صوم هؤلاء من النهار بلا نية على القول به كما هو مذهب ابن حزم

(1) المصدر السابق.

(2)

المصدر السابق.

(3)

"فتح القدير"(2/48) ، بتصرف يسير.

(4)

المصدر السابق.

(5)

المصدر السابق.

ص: 61

خاص بهم للضرورة (1) ، وقد احتج لمذهبه هذا بحديث صيام عاشوراء حيث أمر من أكل بالإمساك، ومن لم يأكل بالصيام، أما الذين كانوا قادرين على النية من الليل فلم يفعلوا فلا حرج في إيجاب النية عليهم من الليل لإباحة النية في الليل بطوله، وقد تابع ابن حزم في مذهبه الشوكاني من المتأخرين (2) .

إلا أن كثيراً من الفقهاء نازع في إيجاب النية على الكافر يسلم في نهار يوم الصيام، والصبي يبلغ أثناءه، لكونهما غير مُكَلفَينِ من أوله، فهم يرون أن الصيام عليهما غير واجب، والحائض لها أن تنوي من الليل إذا علمت أنَّ عادتها الطهر قبيل الفجر.

الفريق الموجب للنية من الليل في صوم رمضان:

وذهب مالك وأحمد وإسحق (3) والشافعي وداود وجماهير العلماء من السلف والخلف إلى أنه لا يصح صوم رمضان إلا بنية من الليل (4) .

أدلتهم:

أولاً: احتجوا بما رواه النسائي (5) من طريق أحمد بن أزهر عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر (6) عن حفصة (7)، قالت:

(1)"المحلى"(6/164-166) .

(2)

"نيل الأوطار"(4/208) .

(3)

هو إسحق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التيمي المعروف بإسحق بن راهويه، عالم خراسان في عصره، وهو أحد كبار الحفاظ، أخذ عنه الأمام أحمد، والبخاري ومسلم والنسائي وغيرهم، ولد في سنة (161 هـ) وتوفي سنة (238 هـ) .

راجع: "خلاصة تهذيب الكمال"(1/69) ، "طبقات الحفاظ"(ص 188) ، "تهذيب التهذيب"(1/216) .

(4)

"المجموع" للنووي (6/337) ، وراجع "المغني" لابن قدامة (3/91) .

(5)

هو أحمد بن شعيب، أصله من (نسا) بخراسان، استوطن مصر، وهو صاحب كتاب السنن الصغرى، أحد الكتب الستة المعتمدة في الحديث، ولادته في سنة (215 هـ) ، ووفاته في القدس أو مكة سنة (303 هـ) .

راجع: "تذكرة الحفاظ"(4/699) ، "خلاصة تهذيب الكمال"(1/17) ، "طبقات الحفاظ"(ص 303) .

(6)

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، أسلم مع أبيه وهاجر، راوية مكثر من الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، اشتهر بالحرص الشديد على اتباع السُنة، والاجتهاد في العبادة، ولد قبل الهجرة بعشر سنوات وتوفي سنة (84 هـ) .

راجع: "خلاصة تهذيب الكمال"(2/81) ، "الكاشف"(2/112) ، "طبقات الحفاظ"(ص 9) .

(7)

هي أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب، لها في البخاري ومسلم (60) حديثاً، ولدت قبل الهجرة =

ص: 62

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له"(1) .

وقد اعترض الأحناف على الحديث باعتراضات عدة:

1-

أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة (2) ، وهذا الذي ذكروه من ضعف الحديث قاله جماعة من الحفاظ، فضعفوا رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ورجحوا أن الحديث موقوف.

قال البخاري: هو خطأ، وهو حديث فيه اضطراب، والصحيح عن ابن عمر موقوف.

وقال الترمذي: الموقوف أصح.

وقال النسائي: الصواب عندي أنّه موقوف ولم يصح رفعه.

وجوابنا على ذلك من وجهين:

أ- أن جماعة من الحفاظ حكموا بصحته مرفوعاً، منهم ابن خزيمة وابن حبان، وقال الحاكم (3) في "الأربعين": صحيح على شرط الشيخين، وقال في "المستدرك": صحيح على شرط البخاري.

وقال البيهقي رواته ثقات إلا أنه روي موقوفاً (4) .

والسبب الذي من أجله ضعفه من ضعّفه لا يعتبر سبباً قوياً لتضعيف الحديث، فكونه روي موقوفاً، وروي مرفوعاً، ليس سبباً موجباً لتضعيفه، خاصة وأن الذي رفعه

= بـ (18) سنة، وتوفيت سنة (45 هـ) .

راجع: "تهذيب التهذيب"(12/410) ، "خلاصة تهذيب الكمال"(3/378) ، "الكاشف"(3/468) .

(1)

"سنن النسائي"(4/196) .

(2)

"فتح القدير" لابن الهمام (2/46) .

(3)

هو محمد بن عبد الله بن حمدويه الضبي النيسابوري من أكابر حفاظ الحديث، أخذ عن نحو ألفي شيخ، صنف كتباً كثيرة منها:"تاريخ نيسابور"، "المستدرك على الصحيحين"، وتوفي سنة (405 هـ) .

راجع: "تذكرة الحفاظ"(3/1039) ، "شذرات الذهب"(3/176) ، "طبقات الحفاظ"(ص 409) .

(4)

انظر تحقيق ابن حجر للحديث في "تلخيص الحبير"(2/188) ، فمنه نقلنا، والحديث رواه غير النسائي: أبو داود والترمذى وابن ماجه، أقول: وقد وهم ابن رشد إذ عزاه في "بداية المجتهد"(1/301) إلى البخاري.

ص: 63

ثقة ثبت، بل إن روايته مرفوعاً وموقوفاً تعتبر سبباً موجباً لقوة الحديث.

يقول ابن حزم - بعد أن ساق رواية النسائي -: "وهذا إسناد صحيح، ولا يضر إسناد ابن جريج له، وإن وقفه معمر (1) ، ومالك، وعبيد الله، ويونس، وابن عيينة (2) ، فابن جريج (3) لا يتأخر عن أحد من هؤلاء في الثقة والحفظ". ثم قال: "والزهري (4) واسع الدراية، فمرة يرويه عن سالم عن أبيه، ومرة عن حمزة عن أبيه، وكلاهما ثقة.

وابن عمر كذلك مرة رواه مسنداً، ومرة روى أن حفصة أفتت به، ومرة أفتى به هو".

ثم يقول: "وكل هذا قوة للخبر"(5) .

وقال الخطابي: "أسنده عبد الله بن أبي بكر (6) ، والزيادة من الثقة مقبولة"(7) .

ب- وعلى التسليم لهم بضعف الحديث: فإنه قد رُوي موقوفاً عن ثلاثة من الصحابة بأسانيد صحيحة، والصحابة الذين يروى موقوفاً عليهم هم: ابن عمر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم جميعاً (8) .

(1) هو معمر بن راشد بن أبي عمرو الأزدي، فقيه حافظ للحديث، ولد في البصرة (95 هـ) ، وسكن اليمن، وتوفي بها (153 هـ) .

راجع: "خلاصة تهذيب الكمال"(3/47) ، "طبقات الحفاظ"(ص 82) ، "الكاشف"(3/164) .

(2)

هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران: ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي الأعور، أحد أئمة الإسلام، قال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز، توفي بمكة سنة (198 هـ) .

راجع: "خلاصة تهذيب الكمال"(1/397) ، "طبقات الحفاظ"(ص 113) ، "الكاشف"(1/379) .

(3)

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، فقيه الحرم المكي، وإمام أهل الحجاز في عصره، رومى الأصل، ولد وتوفي بمكة سنة (80-150 هـ) .

راجع: "خلاصة تهذيب الكمال"(2/178) ، "الكاشف"(2/210) ، "طبقات الحفاظ"(ص 74) .

(4)

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، من بني زهرة بن كلاب من قريش، أول من دون الحديث، وأحد كبار الحفاظ الفقهاء، تابعي من أهل المدينة، عاش ما بين (58-124 هـ) .

راجع: "خلاصة تهذيب الكمال"(2/457) ، "الكاشف"(3/96) ، "طبقات الحفاظ"(ص 42) .

(5)

"المحلى"(6/162) .

(6)

هو عبد الله بن أبي بكر الصديق صحابي من العقلاء الشجعان السابقين الى الإسلام، كان له دور هام في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، توفي سنة (11هـ) .

راجع: "الأعلام"(4/234) .

(7)

"تلخيص الحبير"(2/188) .

(8)

راجع سنن النسائي، و"المحلى"(6/161) ، و"تلخيص الحبير"(2/188) .

ص: 64

وهؤلاء لا يعرف لهم مخالف من الصحابة أصلاً، والأحناف يستعظمون مخالفة الصحابي الذي لم يعرف له مخالف.

فإن قالوا: حديث عاشوراء يدل على جواز الصوم بنية من النهار، وهو أصح من هذا الحديث كما قاله أبن الهمّام (1) ، فالجواب أن حديثَ عاشوراء لا يدل على مدعاهم كما سبق بيانه.

2-

أنَّه من الآحاد، فلا يصلح ناسخاً للكتاب (2) .

وكون الزيادة على النص القرآني تعتبر نسخاً لا يسلم لهم، كما بحثناه من قبل.

3-

أنهم حملوه على صوم القضاء والنذر:

وهذا تأويل بعيد كما يقول الآمدي: وإنما كان هذا التأويل بعيداً، لأن الصوم في الحديث نكرة، وقد دخل عليه حرف النفي، فكان ظاهره العموم في كل صوم، ثم المتبادر إلى الفهم من لفظ الصوم إنما هو الصوم الأصلي المتخاطب به في اللغات: وهو الفرض والتطوع، دون ما وجوبه بعارض، ووقوعه نادر، وهو القضاء والنذر.

وقد أصابَ الآمدي في رده عليهم عندما يينّ أنّ ترك ما هو قوي في العموم، وإخراج الأصل الغالب من النص، وإرادة العارض البعيد النادر إلغاز في القول. وقرّب هذا بمثال ضربه، فالسيد إذا قال لعبده: من دخل داري من أقاربي فأكرمه، ثم قال: إنّما أردت قرابة السبب دون قرابة النسب، أو ذوات الأرحام البعيدة، دون العصبات القريية، كان قوله منكراً مستبعداً (3) .

4-

وقالوا ليس معناه كما ذكرتم، بل إنَّ المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صيام لمن لم يبيت الصيام"، أي لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل بأن نوى الصيام من وقت النيّة (4) .

وهذا تأويل غريب للحديث، يبطله أدنى تأمل في نص الحديث، فقوله صلى الله عليه وسلم:

(1)"فيض القدير"(2/47) .

(2)

"بدائع الصنائع"(2/86) .

(3)

"الإحكام في أصول الأحكام للآمدي"(3/83) .

(4)

"الهداية"(2/46) ، و"العنايهّ"(2/46) .

ص: 65

"لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" نصّ في أنّ مراد الرسول صلى الله عليه وسلم من الليل، لقوله:"يبيت"، والتبييت فعل الأمر في البيات وهو الليل.

ومما يوضح هذا الأمر رواية ابن عمر الموقوفة عليه "لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر"، وقالت عائشة مثل ذلك.

وقالت حفصة: "لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر". فنص الحديث المرفوع، والأحاديث الموقوفة صريحة في إيجاب إيقاع النيَّة في الليل، وهذا التأويل الذي ذكروه لا وجه له، بل هو تمحل من قائله لنصرة المذهب، وهذا لا يجوز لهم.

5-

قالوا أيضاً: الحديث محمول على نفي الفضيلة أو الكمال: كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"(1) .

وجوابنا أنَّ هذا الحديث ضعيف (2) ، ولو ثبت لما صحت صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، ونظيره الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(3) ، فنفي الشيء كالصلاة والصوم لعدم وجود شيء يدل على وجوبه لا استحبابه.

ثانياً: احتجّ الموجبون للنيّه في الليل على أبي حنيفة وأصحاب بالقياس، فقاسوا صوم رمضان على القضاء والكفارة، بجامع الفرضية والوجوب في كل، وفرّق الأحناف بين صوم الكفارة والقضاء وصوم رمضان بأن الوقت في رمضان متعينّ لصومه، أما في القضاء والكفارة فالوقت غير متعين لهما شرعاً؛ لأن خارج رمضان متعين للنفل، فلا يكون لغيره إلا بتعيينه، فإذا لم ينو من الليل صوماً آخر بقي الوقت متعيناً للتطوع فلا يملك تغييره (4) .

فمناط التفرقة عندهم بين صوم القضاء والكفارة وصوم رمضان هو أن الوقت غير

(1)"بدائع الصنائع"(2/86) ، "الهداية"(2/46) .

(2)

قال الحافظ السخاوي في حديث "لا صلاة لجار المسجد": رواه الدارقطني والحاكم والطبراني فيما أملاه، ومن طريقه الديلمي..، وابن حبان في "الضعفاء"، وأسانيدها ضعيفة، وليس له - كما قال شيخنا - إسناد ثابت، وقد قال ابن حزم: هذا حديث ضعيف "المقاصد الحسنة"(ص 467) .

(3)

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (رواه أحمد والبخاري في جزء القراءة، وصححه أبو داود والترمذي والدارقطني وابن حبان والحاكم)، ولفظه عندهم:(فإنه لا صلاة لمن لم يقرأها)"تلخيص الحبير"(1/231) .

(4)

"بدائع الصنائع"(2/86) .

ص: 66