الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"وهل الفطر الجائز للمسافر هو في سفر محدود أو في سفر غير محدود؟
* فإن العلماء اختلفوا فيها:
فذهب الجمهور إلى أنه إنما يفطر في السفر الذي تقصر فيه الصلاة، وذلك على حسب اختلافهم في هذه المسألة. وذهب قوم إلى أنه يفطر في كل ما ينطلق عليه اسم سفر وهم أهل الظاهر.
* والسبب في اختلافهم معارضة ظاهر اللفظ للمعنى، وذلك أن ظاهر اللفظ أن كل ما ينطلق عليه اسم مسافر فله أن يفطر لقوله تعالى:(فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وأما المعنى المعقول من إجازة الفطر في السفر فهو المشقة، ولما كانت لا توجد في كل سفر، وجب أن يجوز الفطر في السفر الذي فيه المشقة، ولما كان الصحابة كأنهم مجمعون على الحد في ذلك، وجب أن يقاس ذلك على الحد في تقصير الصلاة".
* قال النووي في "المجموع"(6/269) : "فرع في مذاهب العلماء في السفر المجوز للفطر: مذهبنا أنه ثمانية وأربعون ميلاً بالهاشمي، وهذه المراحل مرحلتان قاصدتان وبهذا قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا يجوز إلا في سفر يبلغ ثلاثة أيام كما قال في القصر، وقال قوم: يجوز في كل سفر وإن قصر".
***
المسألة الرابعة [متى يفطر المسافر ومتى يمسك
؟]
* قال ابن رشد في "بداية المجتهد"(2/170-171) : "متى يفطر المسافر ومتى يمسك؟ فإن قومًا قالوا: يفطر يومه الذي خرج فيه مسافرًا، وبه قال الشعبي والحسن وأحمد. وقالت طائفة: لا يفطر يومه ذلك، وبه قال فقهاء الأمصار. واستحب جماعة العلماء لمن علم أنه يدخل المدينة أول يومه ذلك أن يدخل صائماً، وبعضهم في ذلك أكثر تشديدًا من بعض، وكلهم لم يوجبوا على من دخل مفطرًا كفارة.
واختلفوا فيمن دخل وقد ذهب بعض النهار، فذهب مالك والشافعي إلى
أنه يتمادى على فطره. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يكف عن الأكل، وكذلك الحائض عنده تطهر تكف عن الأكل.
* قال ابن عبد البر في "التمهيد"(22/49-54) : [مالكي]
"اتفق الفقهاء في المسافر في رمضان أنه لا يجوز له أن يبيت الفطر؛ لأن المسافر لا يكون مسافرًا بالنية، وإنما يكون مسافرًا بالعمل والنهوض في سفره، ويعمل عمل المسافر ويبرز عن الحضر فيجوز له حينئذ تقصير الصلاة وأحكام المسافر؛ ولا خلاف بينهم في الذي يؤمل السفر أنه لا يجوز له أن يفطر في الحضر حتى يخرج.
* واختلف أصحاب مالك في هذا إن أفطر قبل أن يخرج، فذكر ابن سحنون عن ابن الماجشون أنه قال: إن سافر فلا شيء عليه من الكفارة، وإن لم يسافر فعليه الكفارة. قال: وقال أشهب. لا شيء عليه من الكفارة سافر أو لم يسافر، وقال سحنون: عليه الكفارة سافر أو لم يسافر، ثم رجع إلى قول عبد الملك.
* قال ابن حبيب: إن كان قد تأهب لسفره وأخذ في الحركة فلا شيء عليه.
وحكى ذلك عن أصبغ وعن ابن الماجشون، فإن عاقه عن السفر عائق، كان عليه الكفارة؛ وحسبه أن ينجو إن سافر.
وروى عيسى عن ابن القاسم أنه ليس عليه إلا قضاء يوم لأنه متأول في فطره.
واختلف الفقهاء في الذي يصبح في الحضر صائماً في رمضان، ثم يسافر في صبيحة يومه ذلك وينهض في سفره: هل له أن يفطر ذلك اليوم أم لا؟
فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم إلى أنه لا يفطر ذلك اليوم بحال. وهو قول الزهري ويحيى بن سعيد والأوزاعي وبه قال أبو ثور.
(1) وهو مروي عن عبد الله بن عمر والشعبي.
(2)
وهو قول أنس.
* اختلفوا -إن فعل- فكلهم قال: يقضي ولا يكفر، وروي عن بعض أصحاب مالك أنه يقضي ويكفر، وهو قول ابن كنانة والمخزومي، وليس قولهما هذا بشيء؛ لأن الله قد أباح له الفطر في الكتاب والسنة وإنما قولهم لا يفطر استحبابًا لتمام ما عقده، فإن أخذ برخصة الله كان عليه القضاء، وأما الكفارة فلا وجه لها، ومن أوجبها فقد أوجب ما لم يوجبه الله.
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما في هذه المسألة أنه يفطر إن شاء في يومه ذلك إذا خرج مسافرًا، وهو قول الشعبي، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق: قال أحمد: يفطر إذا برز عن البيوت (1) ، وقال إسحاق، يفطر حين يضع رجله في الرحل -وهو قول داود-.
* وقال الحسن البصري: يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج (2) .
قال أبو عمر: قول الحسن شاذ، ولا ينبغي لأحد أن يفطر، وهو حاضر لا في نظر ولا في أثر، وقد روي عن الحسن خلاف ذلك.
ذكر عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن يقول: لا يفطر ذلك اليوم إلا أن يشتد عليه العطش، فإن خاف على نفسه أفطر. وقال إبراهيم: لا يفطر ذلك اليوم.
* واختلفوا في الذي يختار الصوم في السفر فيصوم ثم يفطر نهارًا من غير عذر، فكان مالك يوجب عليه القضاء والكفارة. وقد روي عنه: أنه لا كفارة عليه وهو قول أكثر أصحابه إلا عبد الملك -فإنه قال: إن أفطر بجماع كفّر؛ لأنه لا يقوى بذلك على سفره ولا عذر له؟ وعلى ذلك مذاهب سائر الفقهاء بالحجاز والعراق: أنه لا كفارة عليه.
وروى البويطي عن الشافعي قال: إن صح حديث الكديد (1) لم أر بأسا أن يفطر المسافر بعد دخوله في الصوم في سفره.
وروى المديني عنه -كقول مالك-: أنه لا يرى الكفارة على من فعل ذلك.
(1) وقد صح.
قال أبو عمر: الحجة في سقوط الكفارة واضحة من جهة النظر؛ لأنه متأول غير هاتك لحرمة صومه عند نفسه وهو مسافر قد دخل في عموم إباحة الفطر، ومن جهة الأثر أيضاً، ثم ساق الأحاديث وقال: "فهذه الآثار كلها تبين لك أن للصائم أن يفطر في سفره بعد دخوله في الصوم مختارًا له في رمضان.
* واختلفوا في المسافر يكون مفطرًا في سفره ويدخل الحضر في بقية يومه ذلك: قال مالك والشافعي وأصحابهما -وهو قول ابن علية وداود في المرأة تطهر والمسافر يقدم وقد أفطروا في السفر-: أنهما يأكلان ولا يمسكان.
قال مالك والشافعي: ولو قدم مسافر في هذه الحال فوجد امرأته قد طهرت، جاز له وطؤها؛ قال الشافعي: أحب لهما أن يستترا بالأكل والجماع خوف التهمة.
* وروى الثوري عن جابر بن زيد أنه قدم من سفر في شهر رمضان فوجد المرأة قد اغتسلت من حيضتها فجامعها.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "من أكل أول النهار فليأكل آخره".
قال سفيان: هو كصنيع جابر بن زيد، ولم يذكر سفيان عن نفسه خلافًا لهما.
وقال ابن علية: القول ما قال ابن مسعود رضي الله عنه: من أكل أول النهار فليأكل آخره.
* وقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح وعبيد الله بن الحسن في المرأة تطهر في بعض النهار، المسافر يقدم وقد أفطر في سفره: أنهما يمسكان بقية يومهما وعليهما القضاء؛ واحتج لهم الطحاوي بأن قال: لم يختلفوا أن مَنْ غم عليه هلال رمضان فأكل، ثم علم أنه يمسك عما يمسك عنه الصائم.
وفرّق ابن شبرمة بن الحائض والمسافر: فقال في الحائض: تأكل ولا تصوم إذا طهرت بقية يومها، والمسافر إذا قدم ولم يأكل شيئًا يصوم يومه