الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عباس وابن عمر في منع القضاء.
فرع: قال النووي في "المجموع"(6/274) : "إذا أوجبنا الفدية على المرضع إذا أفطرت للخوف على ولدها، فلو استؤجرت لإرضاع ولد غيرها فالصحيح بل الصواب الذي قطع به القاضي حسين في فتاويه وصاحب التتمة وغيرهما أنه يجوز لها الإفطار وتفدى، كما في ولدها، بل قال القاضي حسين: يجب عليها الإفطار إن تضرّر الرضيع بالصوم، واستدل صاحب التتمة بالقياس على السفر، فإنه يستوي في جواز الإفطار به من سافر لغرض نفسه وغرض غيره بأجرة وغيرها، وشذ الغزالي في فتاويه فقال: "ليس عليها أن تفطر ولا خيار لأهل الصبي" وهذا غلط ظاهر.
قال القاضي حسين: وعلى من تجب فدية فطرها في هذا الحال؟ فيه احتمالان أصحهما وجوبها على المرضع. قال القاضي: ولو كان هناك نسوة مراضع فأرادت واحدة أن تأخذ صبيًا ترضعه تقربًا إلى الله تعالى، جاز لها الفطر للخوف عليه، وإن لم يكن متعينًا عليها".
فرع: لو كانت المرضع أو الحامل مسافرة أو مريضة فأفطرت بنية الترخص بالمرض أو السفر فلا فدية عليها بلا خلاف.
بحث للألباني في "الحامل والمرضع
"
* عن عمرو بن دينار (يطيقونه) : يكلّفونه، (فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً) طعام مسكين آخر، ليست بمنسوخة (فهو خير له وأن تصوموا خير لكم) لا يرخص في هذا إلا للذي لا يطيق الصيام أو مريض لا يشفى" (1) .
* عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "رخص للشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة في ذلك -وهما يطيقان الصوم- أن يفرطا إن شاءا، ويطعما كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهما، ثم نسخ ذلك في هذه الآية:
(1) رواه النسائي والدارقطني، وقال الدارقطني: إسناده صحيح ثابت، وقال الألباني في "إرواء الغليل" (912) (4/17) : إسناده صحيح.
فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، والحسبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا، وأطعمتا كل يوم مسكينًا" (1) .
* وعن ابن عباس قال: "إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان قال: يفطران، ويطعمان مكان كل يوم مسكينًا، ولا يقضيان صومًا"(1) .
* وعن ابن عباس: "أنه رأى أم ولد له حاملاً أو مرضعًا فقال: أنت بمنزلة الذي لا يطيق، عليك أن تطعمي مكان كل يوم مسكينًا ولا قضاء عليك"(3) .
* وعنه "أنت من الذين لا يطيقون الصيام، عليك الجزاء، وليس عليك القضاء"(4) .
* وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما قالا: "الحامل والمرضع تفطر ولا تقضى"(5) .
* وعن ابن عمر: "أن امرأته سألته وهي حبلى، فقال: أفطري وأطعمي عن كل يوم مسكينًا ولا تقضي"(6) .
* وعن نافع قال: "كانت بنت لابن عمر تحت رجل من قريش، وكانت حاملاً، فأصابها عطش في رمضان، فأمرها ابن عمر أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينًا"(7) .
(1) رواه ابن جرير في "تفسيره"(2752، 2753) وبن الجارود في "المنتقى" والبيهقي عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قال الألباني في "إرواء الغليل"(4/18) : إسناد هذه الرواية صحيح على شرط الشيخين.
(2)
رواه الطبري في "تفسيره"، وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم. انظر: "الإرواء"(4/19) .
(3)
إسناده صحيح على شرط مسلم.
(4)
رواه الدارقطني وقال: "إسناده صحيح".
(5)
رواه الدارقطني وقال: هذا صحيح.
(6)
قال الألباني في "إرواء الغليل"(4/20) : وإسناده جيد.
(7)
رواه الدارقطني وقال الألباني في "الإرواء"(4/21) : إسناده صحيح.
* وعن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) يقول: "هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا: نصف صاع من حنطة"(1) .
* وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا عجز الشيخ الكبير عن الصيام أطعم عن كل يوم مدا مدا"(2) .
* وعن قتادة أن أنسًا رضي الله عنه ضعف قبل موته فأفطر، وأمر أهله أن يطعموا مكان كل يوم مسكينًا (3) .
* وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه ضعف عن الصوم عامًا فصنع جفنة ثريد ودعا ثلاثين مسكينًا فأشبعهم (4) .
قال الشيخ الألباني في "إرواء الغليل"(4/22- 25) : "إن قول ابن عباس في هذه الآية: (وعلى الذين يطيقونه
…
) ليست منسوخة، وأن، المراد بها الشيخ الكبير المرأة الكبيرة لا يستطيعان الصيام إشكالاً كبيرًا؛ ذلك لأن معنى (يطيقونه) أي: يستطيعون بمشقة، فكيف تفسر حينئذ أن المراد بها من لا يستطيع الصيام؟ لا سيما وابن عباس رضي الله عنهما نفسه يذكر في رواية عزرة أن الآية نزلت في الشيخ الكبير والعجوز الكبير وهما يطيقان أي يستطيعان الصوم، ثم نسخت، فكيف تفسر الآية بتفسيرين متناقضين (يستطيعون) و (لا يستطيعون) ؟! وأيضًا فقد جاء عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:"لما نزلت (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كان من أراد أن يفطر ويفتدي فعل حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها" أخرجه الستة إلا ابن ماجه. وفي رواية عنه قال: "كنا في رمضان على عهد. رسول الله صلى الله عليه وسلم،
(1) رواه الدارقطني وصححه.
(2)
رواه الدارقطني وصححه.
(3)
رواه الدارقطني، وقال الألباني في "الإرواء" (4/21) : سنده صحيح.
(4)
رواه الدارقطني، وقال الألباني في "الإرواء" (4/22) : سنده صحيح وعلقّ البخاري بنحوه.
من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين، حتى نزلت هذه الآية:(فمن شهد منكم الشهر فليصمه) أخرجه مسلم.
فهذا يبيِّن لنا أن في حديث ابن عباس رضي الله عنهما إشكالاً آخر، وهو أنه يقول: أن الرخصة التي كانت في أول الأمر، إنما كانت للشيخ أو الشيخة وهما يطيقان الصيام، وحديث سلمة يدل على أن الرخصة كانت عامة لكل مكلف شيخًا أو غيره، وهذا هو الصواب قطعًا لأن الآية عامة، فلعل ذكر ابن عباس رضي الله عنهما للشيخ والشيخة لم يكن منه على سبيل الحصر، بل التمثيل، وحينئذ فلا اختلاف بين حديثه والحديث المذكور، ويبقى الخلاف في الإشكال الأول قائمًا لأن الحديث المشار إليه صريح في نسخ الآية، وابن عباس رضي الله عنهما يقول: ليست بمنسوخة. ويحملها على الذين لا يستطيعون الصيام كما سبق بيانه، فلعل مراد ابن عباس رضي الله عنهما أن حكم الفدية الذي كان خاصًا بمن يطيق الصوم ويستطيعه، ثم نسخ دلالة القرآن، كان هذا الحكم مقررًا أيضاً في حق من لا يطيق الصوم ولا يستطيعه، غير أن الأول ثبت بالقرآن وبه نسخ، وأما الآخر فإنما يثبت مشروعيته بالسنة لا بالقرآن ثم لم ينسخ، بل استمرت مشروعيته إلى يوم القيامة، فأراد ابن عباس رضي الله عنهما أن يخبر عن الفرق بين الحكمين: بأن الأول نسخ، والآخر لم ينسخ، ولم يرد أن هذا يثبت بالقرآن بآية (وعلى الذين يطيقونه) وبذلك يزول الإشكال إن شاء الله تعالى.
ويؤيد ما ذكرته أن ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عزرة بعد أن ذكر نسخ الآية المذكورة قال: "وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، والحبلي والمرضع إذا خافتا أفطرتا، وأطعمتا كل يوم مسكينًا" ففي قوله: "ثبت" إشعار بأن هذا الحكم في حق من لا يطيق الصوم كان مشروعًا، كما كان مشروعًا في حق من يطيق الصوم، فنسخ هذا، واستمر الآخر، وكل من شرعيته واستمراره إنما عرفه ابن عباس رضي الله عنهما من السنة وليس من القرآن.
ويزيده تأييدًا، أن ابن عباس رضي الله عنهما أثبت هذا الحكم
للحبلى والمرضع إذا خافتا ومن الظاهر جدًا أنهما ليسا كالشيخ والشيخة في عدم الاستطاعة، بل إنهما مستطيعتان، ولذلك قال لأم ولد له أو مرضع:"أنت بمنزلة الذي لا يطيق" فمن أين أعطاهما ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحكم مع تصريحه بأن الآية (وعلى الذين يطيقونه) منسوخة؟ ذلك من السنة بلا ريب.
وبذلك يلتقي حديث سلمة مع حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ويتبين أن في حديثه ما يوافق حديث سلمة، ويزيد على حديث سلمة وهو ثبوت الإطعام على العاجز عن الصيام، فاتفقت الأحاديث ولم تختلف والحمد لله على توفيقه.
وإذا عرفت هذا فهو خير مما ذكره الحافظ في "الفتح": "أن ابن عباس ذهب إلى أن الآية المذكورة محكمة، لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير" لما عرفت أن ابن عباس رضي الله عنهما صرّح بأن الآية منسوخة، لكن حكمها منسحب إلى العاجز عن الصيام.
بدليل السنة لا الكتاب لما سبق بيانه، وقد توهم كثيرون أن ابن عباس رضي الله عنهما يخالف الجمهور الذين ذهبوا إلى نسخ الآية وانتصر لهم الحافظ ابن حجر في "الفتح" فقال (8/136) تعليقًا على رواية البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرأ (فدية طعام مسكين) :"هو صريح في دعوي النسخ، ورجحه ابن المنذر من جهة قوله: (وأن تصوموا خير لكم) قال: لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام لم يناسب أن يقال له: (وأن تصوموا خير لكم) مع أنه لا يطيق الصيام".
قلت: وهذه حجة قاطعة فيما ذكر، وهو يشير بذلك إلى الرد على ابن عباس رضي الله عنهما، ومثله لا يخفى عليه مثلها، ولكن القوم نظروا إلى ظاهر الرواية المتقدمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري - الصريحة في نفي النسخ-، ولم يتأملوا في الرواية الأخرى الصريحة في النسخ-، ثم لم يحاولوا التوفيق بينهما، وقد فعلنا ذلك بما سبق تفصيله.
وخلاصته: أن يحمل النفي على نفي نسخ الحكم لا الآية، والحكم
مأخوذ من السنة، ويحمل النسخ عليها، بذلك يتبين أن ابن عباس رضي الله عنهما ليس مخالفًا للجمهور.
وهذا الجمع مما لم أقف عليه في كتاب، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ من نفسي، وأستغفر الله من كل مالا يرضيه" انتهى قول الشيخ الألباني.
* وجاء في صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان لتلميذي الشيخ الألباني: سليم الهلالي وعلي حسن علي عبد الحميد: "قد يظن أن ابن عباس مخالف لجمهور الصحابة، أو أنه متناقض، وخاصة إذا عرفت أنه صرح بالنسخ في رواية أخرى. وقد نظر القوم إلى ظاهر الرواية المتقدمة عند البخاري في كتاب التفسير من "صحيحه" الصريحة في نفي النسخ، فظنوا أن حبر الأمة مخالف لجمهور الصحابة، ولما صدموا بالرواية الصريحة في النسخ، زعموا أنه متناقض".
* والحق الذي لا ريب فيه أن الآية منسوخة لكن بمفهوم الأقدمين للنسخ، فقد كان السلف الصالح -رضوان الله عليهم- يطلقون النسخ على رفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة، إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد، وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخًا لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد، فالنسخ في لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه (1) .
ومعلوم أن من تأمل كلامهم رأى فيه ما لا يحصى من ذلك، وزال عنه إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر، والذي يتضمن أن يُرفع حكم شرعي متقدم بدليل شرعي متأخر بالنسبة للمكلفين. ويؤيد هذا المعنى أن الآية عامة لكل مكلف
…
والحديث صريح في أن الآية منسوخة بالنسبة للذي يطيق الصيام، غير منسوخة بالنسبة للذي لا يطيق الصيام أي: إن الآية مخصوصة لذلك، فإن ابن
(1) انظر: "أعلام الموقعين"(1/35) ، و"الموافقات"(3/118) .
عباس رضي الله عنهما موافق للصحابة، وحديثه موافق لحديثي عبد الله بن عمر وسلمة رضي الله عنهم، وكذلك غير متناقض فقوله:"ليست بمنسوخة أي: إن الآية مخصوصة، وبهذا يتبين أن النسخ في فهم الصحابة يقابل التخصيص والتقييد في مفهوم الأصوليين المتأخرين ولهذا الأمر أشار القرطبي رحمه الله في "تفسيره" (1) .
ولعلك أخي المسلم تظن أن ما ثبت عن ابن عباس ومعاذ (2) رضي الله عنهما مجود رأي واجتهاد وإخبار وهو لا يرقى إلى مصاف الحديث المرفوع الذي يخصص عام القرآن ويقيد مطلقه ويفسر مجمله، والجواب كالآتي:
1-
إن هذين الحديثين لهما حكم المرفوع باتفاق أهل العلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لمؤمن يحب الله ورسوله أن يخالفهما إذا ثبتا لديه لأنهما جاءا في تفسير يتعلق لسبب نزول أي: إن هذين الصحابيين الذين شهدا الوحي والتنزيل أخبرا عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا فهذا حديث مسند لا ريب (3) .
2-
أثبت ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحكم للمرضع والحبلى فمن أين أعطاهما هذا الحكم؟ لاشك أنه من السنة، وخاصة أنه لم ينفرد بل وافقه عبد الله بن عمر الذي روى أن هذه الآية منسوخة.
3-
لا مخالف لابن عباس رضي الله عنهما من الصحابة كما جاء في
(1)"الجامع لأحكام القرآن"(2/228) .
(2)
حديث معاذ "أما أحوال الصيام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الدينة فجعل يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وصيام عاشوراء، ثم إن الله فرض عليه الصيام فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام
…
) الآية، ثم أنزل الله الآية الأخرى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) الآية، فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام، فهذا حولان
…
" رواه أبو داود والحاكم والبيهقي وأحمد. وقال الحَاكم "صحيح الإسناد ووافقه الذهبي" وأعله البيهقي والدارقطني والمنذري بأن هذا مرسل فعبد الرحمن ابن أبي ليلى لم يدرك معاذ بن جبل. قال الألباني في "الإرواء" (4/21) : لكن قد جاء بعضه من طريق غير السعودي.
(3)
انظر: "تديب الراوي"(1/192-193) ومقدمة ابن الصلاح (ص24) .