الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس عشر
الاعتكاف
الاعتكاف
"معنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال.
فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف قلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقى له همّ سوى الله وما يرضيه عنه كما كان داود الطائي يقول في ليله:"همك عطّل عليّ الهموم وخالف بيني وبين السهاد، وشوقى إلى النظر إليك أوثق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات".
مال شغل سواه مالي شغل
…
ما يصرف عن قلبي هواه عذل
ما أصنع إن جفان وخاب الأمل
…
مني بدل ومنه مالي بدلْ
كان بعضهم لا يزال منفردًا في بيته خاليًا بربه فقيل له: أما تستوحش؟
قال: كيف أستوحش وهو يقول: "أنا جليس من ذكرني".
أوحشتني خلواتي
…
بك من كل أنيسي
وتفردت فعاينـ
…
تك بالغيب جليسي (1)
* الاعتكاف لغة: اللبث والحبس والملازمة.
قال الشافعي في "سنن حرملة": الاعتكاف لزوم المرء شيئًا، وحبس نفسه عليه برًا كان أو إثمًا، قال الله تعالى:(ما هَذِه التَمَاثيلُ الَّتِي أَنتمْ لَهَا عَاكِفُونَ)[الأنبياء: 52] .
قال تعالى: (فَاَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ)[الأعراف: 138] .
(1)"لطائف المعارف".
وقال تعالى: (وَأَنتُم عَاكِفونَ فِي المسَاجِدِ)[البقرة: 187] .
يقال: عكف يعكفُ ويعكف -بضم الكاف وكسرها- لغتان مشهورتان عكفا وعكوفا أقام على الشيء. وعَكفته أعكِفه عكفًا.
ويسمى الاعتكاف جوارًا كما جاء في الحديث قول عائشة: "وهو مجاور في المسجد".
الاعتكاف شرعًا: "المقام في المسجد على سبيل القربة من شخص مخصوص بصفة مخصوصة".
أو: "ملازمة طاعة مخصوصة في وقت مخصوص على شرط مخصوص في مكان مخصوص".
أدلة مشروعيته:
1-
القرآن: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) .
2-
السنة: كقول عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده"(1) .
3-
الإجماع: نقله ابن المنذر في "الإجماع"(ص 47) وأقره ابن قدامة في "المغني"(3/183) .
حكمه:
"الاعتكاف سنة بالإجماع ولا يجب إلا بالنذر بالإجماع. ويستحب ويتأكد استحبابه في العشر الأواخر من شهر رمضان طلبا لليله القدر"(2) .
قال الشافعي: من أراد الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه العشر الأواخر من رمضان فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين منه لكيلا يفوته شيء منه، ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد، سواء تم الشهر
(1)
رواه البخاري ومسلم.
(2)
"المجموع"(6/501) .