الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختلفوا أيضاً هل يختص ذلك بالولي؟ لأن الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية ولأنها عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة فكذلك في الموت إلا ما ورد فيه الدليل فيقتصر على ما ورد فيه ويبقى الباقي على الأصل وهذا هو الراجح، وقيل يختص بالولي فلو أمرَ أجنبيًّا بأن يصوم عنه أجزأ كما في الحج، وقيل يصح استقلال الأجنبي بذلك وذكر الولي لكونه الغالب وظاهر صنيع البخاري اختيار هذا الأخير، وبه جزم أبو الطيب الطبري وقوّاه بتشبيهه صلى الله عليه وسلم ذلك بالدَّيْن، والدين لا يختص بالقريب".
فرع: من مات وعليه صوم نذر صام عنه رجال بعدد الأيام التي عليه جاز، قال الحسن:"إن صام عنه ثلاثون رجلاً كل واحد يومًا جاز"(2) .
أما الإطعام فإن جمع وليه مساكين بعدد الأيام التي عليه وأشبعهم جاز، وكذلك فعل أنس بن مالك رضي الله عنه.
الكفارة
من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به، ولزمته الكفارة وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وداود والعلماء كافة إلا الشعبي وسعيد بن جبير والنخعي وقتادة فإنهم قالوا: لا كفارة عليه، كما لا كفارة عليه بإفساد الصلاة وهذا مرجوح لأن الصوم يخالف الصلاة فإنه لا مدخل للمال في جبرانها.
والكفارة هي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
هل هذه الكفارة مرتبة ككفارة الظهار أو على التخيير
.
ونعني بالترتيب: ألا يتنقل المكلف إلى واحد من الواجبات المخيّرة إلا بعد العجز عن الذي قبله، وبالتخيير: أن يفعل منها ما شاء ابتداءً من غير عجز عن
(1) يراجع في هذه المسألة قول ابن القيم في "تهذيب سنن أبي داود"(3/279-282) .
(2)
أخرجه البخاري معلقًا ووصله الدارقطني في كتاب الذبح، وصحح إسناده الألباني في "مختصره"(1/58) .
الآخر اختلفوا في ذلك.
* فقال الجمهور: هذه الكفارة على الترتيب: فيجب عتق رقبة فإن عجز فصوم شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينًا، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد في أصح الروايتين عنه.
* وقال مالك: هو مخير بين الخصال الثلاث وأفضله عنده الإطعام.
* وعن الحسن البصري أنه مخير بين عتق رقبة ونحر بدنة.
* "وسبب اختلافهم في وجوب الترتيب: تعارض ظواهر الآثار في ذلك والأقيسة، وذلك أن ظاهر حديث الأعرابي المتقدم في باب الجماع يوجب أنها على الترتيب إذ سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستطاعة عليها مرتبًا، وظاهر ما رواه مالك من "أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينًا" أنها على التخيير. وأما الأقيسة المعارضة في ذلك فتشبيها تارة بكفارة الظهار وتارة بكفارة اليمين، لكنها أشبه بكفارة الظهار منها بكفارة اليمين، وأخذ الترتيب من حكاية لفظ الراوي.
وأما استحباب مالك الابتداء بالإطعام فمخالف لظواهر الآثار، وإنما ذهب إلى هذا من طريق القياس؛ لأنه رأى الصيام قد وقع بدلاً منه الإطعام في مواضع شتى من الشرع، وأنه مناسب له أكثر من غيره وهذا كأنه من باب ترجيح القياس الذي تشهد له الأصول على الأثر الذي لا تشهد له الأصول" (1) .
والراجح قول الجمهور وهي: أنها على الترتيب. ومما يرجح هذا:
* أن الذين رووا الترتيب أكثر فروايتهم أرجح لأنهم أكثر عددًا فمن روى الترتيب عن الزهري تمام ثلاثين نفسًا.
* ولأن معهم زيادة علم، حيث اتفقوا على أن الإفطار كان بالجماع، ولم يحدث هذا في الروايات الأخرى، ومن علم حجة على من لا يعلم.
* ومما يرجح الترتيب أنه أحوط.
* ولأن الأخذ به مجزئ سواء قلنا بالتخيير أو لا، بخلاف العكس.
(1)"بداية المجتهد"(2/183-184) .
* قال البيضاوي: ترتيب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني يدل على عدم التخيير، مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط للحكم.
* قال ابن حجر في "الفتح"(4/197-198) في معرض الرد على مالك: "وقع في "المدونة" ولا يعرف مالك غير الإطعام ولا يأخذ بعتق ولا صيام. قال ابن دقيق العيد: وهي معضلة لا يهتدي إلى توجيهها مع مصادمة الحديث الثابت، غير أن بعض المحققين من أصحابه حمل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب في تقديم الطعام على غيره من الخصال.
وكل الوجوه التي ذكروها لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام ثم الصيام، سواء قلنا الكفارة على الترتيب أو التخيير، فإن هذه البداءة إن لم تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من أن تقتضي استحبابه. ومن المالكية من وافق على هذا الاستحباب، ومنهم من قال: إن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات، ففي وقت الشدة يكون بالإطعام، وفي غيرها يكون بالعتق أو الصوم ونقلوه عن محققي المتأخرين ومنهم من قال: الإفطار بالجماع يكفر بالخصال الثلاثة، وبغيره لا يكفر إلا بالإطعام وهو قول أبي مصعب، وقال ابن جرير الطبري: هو مخيَّر بين العتق والصوم ولا يطعم إلا عند العجز عنهما".
* ولقد رجح ابن رشد قول الجمهور، ورجحه أيضًا ابن العربي شيخ المالكية فيقول:"إن النبي صلى الله عليه وسلم نقله (1) من أمر بعد عدمه لأمر آخر وليس هذا شأن التخيير"(2) .
* قال ابن حجر في "الفتح"(4/197) :
"والمراد بالإطعام لإعطاء لا اشتراط حقيقة الإطعام من وضع المطعوم في الفم، بل يكفي الوضع بين يديه بلا خلاف، وفي إطلاق الإطعام ما يدل على الاكتفاء بوجود الإطعام من غير اشتراط مناولة وفي ذكر الإطعام ما يدل على
(1) أي الأعرابي.
(2)
"فتح الباري"(4/198) .